بدأ العام الدراسي الجديد، مشتعلاً للغاية بين الطلبة، بعد تكرار وقائع العنف التي استعان فيها تلاميذ في سن الطفولة بأسلحة بيضاء، مرتكبين جرائم مؤسفة انتهت في عدد من الحالات إلى سقوط ضحايا لم تتفتح حتى زهرة شبابهم بعد، وهو ما يعد مؤشرًا خطيرًا داخل المجتمعات الطلابية التي يغلب عليها سن المراهقة والتهور.
موضوعات مقترحة
وشهدت الأسابيع الأولى للعام الدراسي 3 وقائع مؤسفة، انتهت إلى مقتل اثنين وإصابة ثالث بجروح خطيرة، والقبض على آخرين، للتحقيق معهم وتقديمهم للمحاكمة العاجلة.
وجاءت الواقعة الأولى في محافظة المنوفية، عندما لقى طالب الثانوية العامة محمود البنا (17 سنة)، مصرعه جراء طعنات نافذة من سلاح أبيض (مطواة قرن غزال)، إثر مشاجرة مع أربعة من زملائه أمام مقهى في مدينة تلا، على خلفية تحرش المتهم الأول محمد راجح (طالب - 18 سنة) بفتاة في الشارع، ومحاولة المجني عليه الدفاع عنها مدفوعا بشهامته.
وكشفت تحقيقات النيابة العامة أن الواقعة، بدأت عندما استاء المجني عليه من تصرفات المتهم تجاه إحدى الفتيات، فنشر كتابات على حسابه الشخصي على مواقع التواصل الاجتماعي "انستجرام" أثارت غضب المتهم.
وأوضحت التحقيقات أن المتهم أرسل إلى المجني عليه عبر برامج المحادثات رسائل تهديد ووعيد، ثم اتفق مع عدد من أصدقائه على قتله، وأعدوا لذلك مطاوى، وعبوات بها مواد حارقة للعيون.
وأضافت التحقيقات أن المتهمين محمد راجح وإسلام عواد، تربصا بالمجني عليه بمكان قرب شارع هندسة الري بمدينة تلا، وما أن ابتعد المجني عليه عن تجمع لأصدقائه حتى تكالبا عليه، فأمسكه الأول مشهرًا مطواة في وجهه، ونفث الثاني على وجهه المادة الحارقة، وعلت أصواتهم حتى سمعها أصدقاء المجني عليه فهرعوا إليه وخلصوه من بين يديه، ليركض محاولًا الهرب.
أشارت إلى أن المتهمين تتبعا المجني عليه حتى التقاه الثالث مصطفى الميهي وأشهر مطواة في وجهه عاقت هربه، وتمكن على إثرها من استيقافه؛ ليعاجله المتهم الأول بضربة بوجنته اليمنى أتبعها بطعنة بأعلى فخذه الأيسر، وذلك بعدما منعوا أصدقاءه من نجدته مستخدمين المادة الحارقة؛ ليتركوه بجراحه، فنقله الأهالي إلى مستشفى تلا المركزي جثة هامدة، بينما هرب المتهم الأول على دراجة آلية قادها المتهم الرابع إسلام إسماعيل.
وشهدت محافظة بورسعيد الواقعة الثانية، عندما لقى طالب بالثانوي الصناعي مصرعه في مشاجرة بينه وبين طلاب آخرين، أمام مدرسة علي بن أبي طالب الفنية الصناعية بحي الزهور.
تلقى اللواء هشام خطاب مدير أمن بورسعيد، إخطارا من شرطة النجدة يفيد بوصول أيمن حسن محمد (17 سنة - طالب بالصف الثالث الصناعي) بواسطة سيارة تاكسي، مصابا فى حالة سيئة ونزيف مستمر إلى مستشفى الزهور العام، إثر جرح نافذ بسلاح أبيض في الصدر، من الناحية اليسرى واخترق القلب.
وتولى الفريق الطبي فحص المصاب وتبين وجود نزيف بالصدر، غير أنه لفظ أنفاسه الأخيرة أثناء إنقاذه طبيا.
وتبين من التحريات أن شقيق المجني عليه، محمد حسن محمد (13 سنة - الطالب بالمرحلة الإعدادية) كان على خلاف مع زميل له في الفصل الدراسي، ووقعت مشاجرة استدعى على إثرها الأول شقيقه الأكبر (المجني عليه) وحضر ومعه سلاح أبيض (مطواة)، وذلك بجوار المدرسة الصناعية، واستخدمه في ترهيب الطرف الآخر للمشاجرة.
واستعان الطالب الثاني في المشاجرة بالجاني، محمود خالد خليل (19 سنة - مسجل جنائي)، الذي خطف السلاح المستخدم في الواقعة من يد المجني عليه وأصابه بطعنه نافذة بالصدر أدت إلى وفاته.
فيما جاءت الواقعة الثالثة بمحافظة دمياط، بعدما استقبل مستشفى طوارئ كفرسعد، محمد عصام سامي المنير (14 سنة)، مصابًا بجرح قطعي برقبته.
وتبين أن طالبا يدعى عبد العاطي حسام عبد العاطي بالصف الثاني الإعدادي بمدرسة التوفيقية التابعة لإدارة كفر سعد التعليمية، طعن زميله بسلاح أبيض عقب خروجهما من المدرسة، مما نتج منه إصابته بجرح فى الرقبة طوله 10 سم.
وأظهرت التحريات أن الواقعة حدثت أمام المدرسة بعد انتهاء اليوم الدراسي، وذلك بعد اندلاع مشاجرة لخلافات على كيس عصير، حيث أمسك المتهم بـ"كتر" كان بحوزته وباغت زميله بطعنة في رقبته، لكن تم تقديم الإسعافات اللازمة له ونجحت جهود الطاقم الطبي في مستشفى كفر سعد ﻹنقاذ حياته.
قال الدكتور حسن الخولي، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، إن العنف بين الطلاب موجود منذ عقود لكنه كان عنفا محدودا للغاية لايسبب أي أضرار جسيمة، لكن في الوقت الحالي فإن العنف أصبح شرسًا ويزداد توحشًا مع مرور الوقت، وهو ما يعد ناقوس خطر يهدد مستقبل المجتمع المتمثل في طالبي العلم بالمدارس والجامعات.
وأضاف "الخولي"، في حديثه مع "بوابة الأهرام" أن من أبرز الأسباب التي أدت إلى تزايد حدة العنف، التقدم التكنولوجي وحيازة كل طالب على هاتف محمول مزود بالإنترنت والسوشيال ميديا والألعاب، حيث تركز الأخيرة على القتال والصراع والعنف والأسلحة، وعندما يدخل الطالب على لعبة فيها منافسة ويحقق درجات من التقدم ثم يتراجع ويتعرض للهزيمة، يتولد لديه توتر نفسي ورغبة في الانتقام في أي موقف عابر.
وأوضح أن من بين الأسباب أيضًا انتشار جماعات بين المجتمعات الطلابية تحت مسمى "الشلة" أو بمعنى آخر "الأقران" أو "الأصدقاء" بحيث ينتمي كل عدد من الطلاب إلى جماعة منغلقة على نفسها، وتدخل كل جماعة منها في منافسة مع الجماعات الأخرى، وهذه الأوضاع تؤدي من الناحيتين النفسية والاجتماعية إلى مفهوم "أنا وضدي الآخر".
وأشار "الخولي" إلى أنه وفقا لهذا المفهوم، فإن كل جماعة تتحيز لأفرادها وتتخذ من أفراد الجماعات الأخرى أعداء، وهو ما وضح جليًا في حادث قتل الطالب محمود البنا في المنوفية حيث تدخل ضده أفراد جماعة المتهم الرئيسي محمد راجح حيث وضع متهم ثان مادة حارقة في عينيه، ومنع متهم ثالث محاولته الفرار، وساعد متهم رابع القاتل في الهرب.
وقدم "الخولي"، خطة لمحاصرة ظاهرة العنف في المدارس، تمثلت في عدة مقترحات، الأول أن توجه وزارة التربية والتعليم الإخصائيين النفسيين والاجتماعيين في كل مدرسة بمتابعة دقيقة للطلبة بحيث يقترب كل مختص من التلاميذ للتعرف على أزماتهم الشخصية أو مع زملائهم، وتتفاعل معها بشكل أكثر جدية لوأد الفتن من مهدها.
ونبه إلى أن المقترح الثاني يتمثل في ضرورة تخصيص حصص مدرسية تحت مسمى "التوعية الاجتماعية للطلبة" تعمل على تغذية قيم التسامح والود والمحبة، مثلما تخاطب الحصص المخصصة للألعاب والهوايات أرواحهم.
وأكد "الخولي" أن المقترح الثالث أن يقدم الإعلام بأنواعه كافة- المقروء والمسموع والمرئي- برامج توعية مكثفة للطلبة عن مخاطر ظاهرة العنف، مضيفا أن المقترح الرابع يتضمن أن تشدد كل أسرة الرقابة على أبنائها وأن يتواصل أولياء الأمور بشكل دوري مع إدارة المدرسة من خلال التنسيق لحضور اجتماعات مشتركة تعمل على مناقشة المشكلات والعقبات وتذليلها بشكل عاجل.