سيظل مشهد تلك الجثة المتعفنة المستخرجة من داخل مصطبة أسمنتية، قابع في ذاكرة كل من شاهدوه لفترة طويلة، فأن يقتل أب ابنه ويدفنه في غرفة نومه، داخل مقبرة أسمنتية، مشهد لن يتكرر كل يوم.
موضوعات مقترحة
بمجرد دخولك لحارة خالد ابن الوليد بالعمرانية، تستشعر أعين قاطنيها وهي تراقبك بدافع من الفضول، وتستطيع بوضوح أن تميز ذلك السؤال المرسوم على وجوههم، "يا تري ما علاقتك بجريمة قتل القهوجي لابنه"، وبعد بضعة خطوات أخرى تميز أنفك بوضوح تلك الرائحة الكريهة الصادرة من شقة بالطابق الأرضي بالعقار رقم 6 بالحارة لتتأكد أنك وصلت لمقصدك من الزيارة.
أمام النافذة التي تصدر عنها الرائحة الكريهة وقف شابان يتحدثان عن أحداث ذلك اليوم الذي لا ينسي، ويروي أحدهم ويدعي عمر إبراهيم لـ"بوابة الأهرام" ما شهدوه في الأيام القليلة الماضية، وتفاصيل اكتشاف جريمة قتل أب لابنه في المنطقة.
يبدأ عمر إبراهيم روايته بأن تلك الشقة أستأجرها منذ فترة قصيرة نسبيا شخص يدعي أحمد يعمل "قهوجي"، ليقيم فيها وكان نجله يأتي لزيارته ويقيم معه في بعض الأحيان لعدة أيام، وأنه في الفترة الأخيرة قبل الحادث كان مقيمًا باستمرار.
يتابع "إبراهيم" روايته: إنه من عدة أيام بدأت رائحة غريبة في الانتشار في الحارة، وأنها تزداد قوة مع الوقت، إلا أن السكان لم يستطيعوا تحديد مصدرها، فهي يمكن أن تكون لأي حيوان نافق في أحد أركان الحارة، لكنها بدأت تزداد بشكل غريب، ومع الوقت تبين أنها صادرة من الشقة التي عثر فيها على الجثة.
أضاف "إبراهيم": إنه يوم الجمعة الماضية طفح الكيل من تلك الرائحة، وخاصة عندما بدأت تؤثر علي أطفال المنطقة وتثير غثيان كل الموجودين بها، فتحدث هو وبعض الأهالي ملاك الشقة، وبالفعل اتصلت زوجة المالك بالشخص المستأجر وطلبت منه فتح الشقة، ورد بأنه سيحضر بعد 10 دقائق، وعندما تأخر اتصلت به مرة أخرى لكن دون جدوي فهاتفه مغلق!!.
وأوضح عمر أن الشك في أن تلك الرائحة مصدرها جثة ما أصاب الجميع وقرروا فتح الشقة، وبالفعل هذا ما حدث، وفور دخولهم اختلطت علي أنوفهم الرائحة الكريهة برائحة البخور ومعطرات الجو المنتشرة في الشقة، وبداخل الغرفة المطلة على الشارع الرئيسي لاحظوا وجود مصطبة أسمنتية متشققة ويسيل عليها أثار دماء، وعلي الفور أبلغوا قسم الشرطة بما حدث، لشكهم في وجود جثة تحتها.
يسرد أحمد حسين، مالك الشقة في العقار رقم 6، والتي شهدت الجريمة النكراء من أب في حق نجله، فيقول إنه في فبراير الماضي أجر شقته المكونة من 3 حجرت وصالة وحمام، لشخص يدعي أحمد زيدان يعمل في قهوة بشارع الثلاثنيني تسمي "قهوة القيناوي" مقابل 250 جنيها شهريا، وكان يزوره فيها ابنه محمد البالغ 17 سنة، ويعمل مع والده فى القهوة، وأن المستأجر أخبره أنه "قناوي" الأصل وكان يعيش فى بولاق الدكرور، وأن زوجته تعيش فى كرداسة، وعندهم 4 عيال أكبرهم محمد.
وأضاف "حسين" أن زوجته كانت تزوره في بعض الأوقات هي وأولاده وتعد له الطعام هو وولده، أخرها كان في رمضان الماضي، وأنها التقت بزوجته في أحد المرات وكانت المفاجأة أنهما انفصلا عن بعضهما منذ سنتين، على عكس ما أخبره الأب القاتل، كما أخبرتها أنه دائما علي خلاف مع ولده محمد.
وتابع مالك العقار أنه لاحظ هو وعدد من سكان المنطقة خلافه المتكرر مع نجله، ففي أحد المرات وأثناء نزول زوجته من العقار فوجئت بالقتيل موجود بشرفة المنزل، وفور رؤيته لها طلب منها طعاما ونقودا لأن والده أغلق عليه باب الشقة وتركه وحيدا، وخصوصا أنه يعمل 24 ساعة متواصلة ويظل بالمنزل مثلها، فوجهته زوجة مالك العقار لطاعة والده وانصرفت.
وأوضح أحمد حسين إنه قبل الواقعة بعدة أيام وكما أخبره الأب القاتل أن زوجته اتصلت به به ليأخذ أبنه الأكبر "القتيل" ليعيش معه نظرا للمشاكل التي يسببها لها، وهو ما حدث فقد أرسل عمه يوم الثلاثاء الماضي ليحضره، لأنه لا يستطيع دخول كرداسة نظرا لوجود مشكلات رفض الإفصاح عنها.
وينهي أحمد حسين مالك الشقة التي شهدت جريمة قتل الأب لابنه، أنه لم يتخيل أبدا أن يقوم بمثل هذا الفعل، حيث إنه رجل محترم وسمح، لم يسمع أحد صوته مرتفعا طوال فترة إقامته.
أما يوسف عفيفي أحد سكان المنطقة، نجار، فيروي تفاصيل المشهد الأخير في "الحارة" ويبدأ من حيث تم نبش المقبرة الأسمنتية التي أرادها الأب مثوى أخيراً لنجله، فيقول إن الجثة التي أخرجوها كانت غير واضحة المعالم وكان بها أثار خنق على الرقبة، كما أن اللسان كان خارج الفم، كما أنها مقيدة بالحبال، ويؤكد أنه لم يسمع أحد من الجيران أي أصوات لاشتباك الأب ونجله معا على الإطلاق، ما يصعب معه فهم ما حدث، وما يثير الدهشة أكثر أن جسد الابن أضخم من والده ما يصعب معه قتله دون اشتباك أو إصدار أي صوت.
ويضيف "عفيفي" أن القاتل ظل مقيما مع نجله في الشقة عدة أيام بعدما ارتكب جريمته، حتى إنه كان موجودا حتى يوم الجمعة صباحا "يوم اكتشاف الجريمة"، كل ما تغير هو ما كان يشعله من كميات كبيرة من البخور عله يسيطر على الرائحة التي فضحت أمره في النهاية.
وينهي "عفيفي" أنه أكثر ما أحزن أهالي الحارة هو مشهد الأم التي جاءت لترى ما حدث لنجلها على يد والده، فهي أرادت منه فقط أن يقومه لا أن يقتله، وخصوصا ما قالته عن أن القاتل اتصل بها بعدما نفذ جريمته وقال لها "أنا قتلت ابنك.. سامحينى"، حتى إنها لم تصدقه، وأعتقد أنه "بيهزر" على حد قولها.. حتى جاءت للمنطقة وتأكدت مما حدث بنفسها.
كانت تحقيقات المستشار شريف صديق، مدير نيابة حوادث جنوب الجيزة، قد انتهت إلى أن المتهم قتل نجله الكبير محمد 17 عاماً، بسبب سوء السلوك، وأنه اعتاد سرقة والدته وخالته، والتغيب عن المنزل لفترات طويلة، وأنه يوم الواقعة عندما واجهه بتلك السرقات أقر له بأنه يتعاطى حبوب مخدرة من نوع ترامادول واباتريل، ما دفع الأب لتقييده من قدميه وكلتا يديه، وانهال عليه ضربا بكبل كهرباء داخل حجرة المنزل، لما يزيد على النصف ساعة حتى فارق الحياة.
وأضاف "المتهم" إن الجثة ظلت بجانبه طوال الليل وفي الصباح جاءته فكرة دفنها في مقبرة أسمنتية، وبالفعل اتجه لشراء المواد اللازمة من اسمنت وجبس وقام بدفن الجثة.