Close ad

بالفيديو.. شاب مجهول النسب يحكي مأساته.. وجدوه رضيعًا وسط القمامة وعذبوه في دار أيتام وأدخلوه "العباسية"

30-5-2016 | 20:09
عيد حسني
كمال مراد عبد الحميد
لا تزال تدور في مخيلة "عيد"، ذكريات لحظات صعبة، قضاها على مدار 20 عاماً من اليتم، منذ أن وجد طفلًا صغيرًا لم يتجاوز عمره يومين في مقلب "قمامة"، مرورًا بدخوله مستشفيات للأمراض العقلية، حتى انتهى به المطاف في الشارع بدون مأوى، لتمثل حياته نموذجا للمأساة، التي يعيشها مجهولو النسب داخل دور رعاية الأيتام.

اسمه الجزافي الذي حصل عليه بموجب القانون، عندما تم العثور عليه بالصدفة "عيد حسني محمد حلمي"، شاب عشريني يافع، لا يعرف له أما أو أبا أو عائلة ينتمي لها، يعرف فقط أشقاء له في اليتم، شاركوه نفس المعاناة التي عاشها داخل دور الأيتام، وأيادي حنت عليه وقدمت له المعونة والرعاية، وأيادي أخري امتدت لتضربه وتقسو عليه، وتسببت في المعاناة التي يعيشها الآن.

قضي "عيد" ثلاثة أيام متواصلة في الشارع، يتسكع علي المقهى لا يعرف له طريقًا، وقد بدت عليه علامات النعاس وعدم التركيز بسبب قلة النوم أو انعدامه، بعد أن تم طرده من الدار التي يقيم بها، وهو ما دفعه للدخول في خصومة قضائية مع دار "بنت مصر"، الدار التي قضى بها فترة طفولته الأولي، بعد أن تم العثور عليه طفلًا صغيرًا، لم يتجاوز عمره اليومين بأحد مقالب القمامة.

كل ما يطلبه "عيد" هو الحصول علي مستحقاته من الدار، وهي عبارة عن شقة بالإسكان الاجتماعي ودفتر توفير باسمه، وهو ما ترفض الدار تسليمه له، قبل أن يبلغ السن القانوني بوصوله 21 عاماً، قصة هذا الشاب تشبه قصة الآلاف من "مجهولي النسب" والأطفال الأيتام، الذي تجمع باسمهم مبالغ مالية كبيرة، ويذوقون العذاب داخل "دور الأيتام"، وفي النهاية ينتهي بهم الحال في الشارع بدون مأوي.

ذكريات كثيرة تزدحم بها مخيلة " عيد"، أولها عندما ظهر لأول مرة في إعلان علي شاشات التليفزيون، بهدف استعطاف المشاهدين وجمع التبرعات، وهو يقف وسط مجموعة من أطفال الدار اليتامي، ويقول عبارة "تعالوا زورونا"، لم يكن وقتها الطفل الصغير الذي لم يتجاوز عمره العاشرة، يعرف ماذا يفعل فقد كان عليه تنفيذ ما يطلب منه.

وبالرغم من ذلك كانت هذه الفترة، من أفضل الفترات التي عاشها "عيد" في حياته، يقول وهو ينظر للأرض ويسرح بعيدًا:" كانت علاقتي وقتها جيدة جدًا بصاحبة الدار والمشرفين، وكانت المعاملة والرعاية التي أحصل عليها أنا وأخوتي من الأيتام علي أعلي مستوي إلا أن تغير الحال، وأصبح الضرب والتعذيب والشتيمة شيئا عاديا في حياتنا".

لم يكن الطفل الصغير يستطيع أن يتكلم ليقول ما يحدث له، فقط يتألم ويصرخ دون أن يسمعه أحد، يقول عيد:" كنت أشتم وأوصف بأبشع الألفاظ، وكانوا يعذبونني أنا وأخواتي الأيتام، ويربطوننا في الأسرة ونحبس في غرف النوم، ويقولون لي أنت (ابن حرام) وجدناك في مقلب قمامة"، لايزال الشاب العشريني يتذكر هذه الأيام السوداء في حياته، ويتأثر وتدمعه عيناه وهو يسترجعها.

وكان من الممكن أن تستمر حياة الطفل الصغير علي هذه الوتيرة، إلي أن حدثت الصدفة التي غيرت حياته، وأدخلته مستشفي الأمراض العقلية العصبية، عندما حضر للدار رجل الأعمال "الكويتي"، الذي كان يتبناه ويتابع حالته ويتبرع له، ورأي عيد هو يعذب علي يد أحد المشرفين بالدار، هو ما أثار حفيظة وغضب رجل الأعمال الذي استاء بشدة مما رأي، وقرر وقف التبرعات التي يقدمها للدار، واتخاذ الإجراءات القانونية ضد القائمين عليها، بالتقدم بشكوي للتضامن الاجتماعي عما يحدث ورآه بعينه.

لم تجد إدارة الدار وقتها طريقة لحل الورطة التي ألمت بها، سوي الإدعاء أن "عيد" الطفل الصغير، يعاني من حالات صرع واضطرابات نفسية وعقلية، للتهرب من المسئولية القانونية، وتم إيداعه إحدي مؤسسات ذوي الاحتياجات الخاصة، لإثبات أنه مختل عقلياً، ولكن بعد وضعه تحت الملاحظة لمدة 10 أيام كاملة، ثبت أنه طفل سليم ولا يعاني من أي أعاقة ذهنية، وأكد التقرير الصادر بحالته أنه لا يمكن قبوله بين نزلاء المؤسسة.

مرة أخري تجد الدار نفسها أمام نفس الورطة، وهي التخلص من الطفل اليتيم، الذي سيفضح استمراره بين نزلاء الدار، ما يحدث له ولأخوته الأيتام من تعذيب وتعدٍ بدني ولفظي، وللخروج من هذه الورطة، تم إيداعه مصحة الدكتور جمال أبوالعزايم بمدينة العاشر من رمضان لمدة عامين من 2004 وحتي 2006 يقول عيد:" بعد أن تم تزوير التقارير الطبية بحالتي وإيداعي المستشفي، قضيت معظم فترات إقامتي نائما في غيبوبة بسبب الأدوية وجلسات الكهرباء".

يصف الشاب هذه الفترة من حياته بـ"السوداء"، فقد كان حبيس المصحة النفسية، يظل نائما لمدة طويلة تصل ما بين أربعة أو خمسة أيام متواصلة، ويستيقظ بين الحين والآخر لأكل لقمة أو شرب كوب لبن للبقاء علي قيد الحياة، وعندما يستفيق، كان يتلقي جرعة دواء جديد وجلسة كهرباء تفقده الوعي مرة أخري.

كان من الممكن أن يستمر حال عيد هكذا لفترة طويلة، حتي نما أمره إلي رجل الأعمال "الكويتي" الذي كان يتبناه ويتبرع له، فتقدم بعدة شكاوي للجهات المختصة، حتي وصل الأمر لوسائل الإعلام وإحدي الجرائد الخاصة، التي فضحت المعاناة التي يعيشها "الطفل عيد" بالمصحة النفسية، حاولت الدار وقتها لم الفضيحة ونجحت في ذلك، وأكبر دليل علي ذلك استمرارها في العمل حتي الآن.

أثبتت تقارير اللجان التي أطلعت علي حال "عيد" من الشئون الاجتماعية، والمركز القومي للطفولة والأمومة، ومراكز حقوق الإنسان والأطباء النفسيين، أنه سليم ولا يعاني من أي مرض نفسي أو عصبي، وعلي أثر ذلك قضى فترة لعلاجه من آثار أدوية الاكتئاب وجلسات الكهرباء.

بعد أن تماثل "عيد" للشفاء التام، تم إلحاقه بدار لذوي الاحتياجات الخاصة، يقول :" كانت هذه الدار علي أعلي مستوي"استثماري" تقبل حالات من الدول العربية، يقيم بها ذوو الاحتياجات الخاصة والمعاقون ذهنيا، وكان بها كل إمكانات الإعاشة بشكل آدمي"، ظل الطفل اليتيم في هذه الدار لمدة عشر سنوات كاملة، و كل ما كان يؤلمه عدم قدرته علي التواصل مع المحيطين به.

عندما اقترب سنه من الوصول لمرحلة الشباب، أوصت إحدي لجان الطفولة والأطباء بإخراجه لأنه سليم، ولا يعاني من أي إعاقة ذهنية أو نفسية، وكانت صاحبة الدار الاستثماري وتدعي مدام "مني شداد"، قد وافقت علي إلحاقه بالدار وهو صغير، خوفا عليه من الضياع في مستشفيات الصحة النفسية، وأوصت صاحبة الدار في خطاب للشئون الاجتماعية، بوضعه في دار مناسبة تتمتع بمستوي عالٍ من الرعاية.

ودع "عيد" حياته في الدار التي قضي بها عشر سنوات من عمره، وتم إلحاقه بدور "التربية بالجيزة"، وهناك وجد الشاب الذي قارب من العشرين نفسه، وسط المتناقضات والتجاوزات، لم تكن موجودة في حياته طوال عشر سنوات يقول:" شهدت في دور الرعاية بالجيزة ما لا يصدقه عقل، تعديات جنسية وشذوذا، وضربا وإهانات وتعذيبا للأطفال، ومستوي متدنٍ من التعامل والمعيشة".

يعدد الشاب المساوئ التي شاهدها، داخل دور الرعاية بالجيزة، وهي بمثابة "إصلاحية" يلتحق بها الأطفال الذين يرتكبون جرائم، وهو ما أشعره مرة أخري بالغربة والضيق، في مكان ليس مكانه لأنه كما يقول لم يرتكب جرما في حياته، وقادته الصدفة مرة أخري للتحدث عما يحدث في وسائل الإعلام، في نهاية عام 2014 ليحكي علي شاشات التلفاز المأساة التي يعيشها الأطفال في دور الرعاية.

عادت مشكلة "عيد" مرة أخري لتطفو علي السطح، وتسبب مشكلة للمسئولين في الشئون الاجتماعية، والقائمين علي دور الرعاية بالجيزة، ووجهت له اتهامات بالجنون والمرض النفسي، فتم عرضه علي النيابة، واستصدار قرار بإيداعه تحت الملاحظة لمدة 45 يوما بمستشفي "العباسية"، لمعرفة مدى قواه العقلية يقول:" قضيت 75 يومًا بمستشفي "العباسية" لم أر فيها الشمس، تعرضت خلالها لمحاولة القتل مرتين، علي يد المرضي المحتجزين معي وفي النهاية أثبت الأطباء أنني أتمتع بكامل قواى العقلية".

بعد أن حصل عيد علي قرار رسمي من "الطب الشرعي"، ومستشفي الأمراض العقلية يثبت أنه سليم وبكامل قوه العقلية، قرر الاعتماد علي نفسه والعمل وبدء حياته، بعيدا عن دور الرعاية وما رآه بداخلها، يقول وقد ارتسمت علي وجهه علامات الضيق والتحدي:"مفيش جمعية في مصر محترمه كلهم عايزين فلوس والمستفيد أصحاب دور الأيتام".

لعبت الصدفة للمرة الثالثة دورها في حياة "عيد"، عندما تمكن من التواصل مع أشقائه الأيتام، الذي بدأ معهم حياته بدار" بنت مصر"، ليشاهد آثار الضرب والتعذيب علي أجسادهم، بعد أن وجهت لهم مشرفات الدار اتهامات بالشذوذ أو السرقة، ودخل بعضهم بناء علي هذه الاتهامات إصلاحية الأحداث، أما الفتيات فقد تم القذف بهن خارج الدار بعد اتهامهمن بسوء السلوك، وهو ما عرضهن لمحاولات اغتصاب في الشارع.

ما سمعه "عيد" من أشقائه في الدار، وما تعرض له هو شخصيًا، دفعه لرفع قضية للحصول علي مستحقاته، وهي عبارة عن دفتر توفير وشقة من الإسكان الاجتماعي، يقول:" في البداية أنكرت صحابة الدار معرفتها بي، ولكن معي جميع المستندات التي تثبت حقوقي لدي الدار، ووعدتني بالحصول علي مستحقاتي عند وصولي السن القانوني 21 عاما، والآن أعيش في الشارع بدون مأوي".

كل ما يطلب به عيد هو الحصول علي مستحقاته، التي جمعتها الدار باسمه ويختم حديثه قائلاُ:" الأيتام في مصر مهدورة حقوقهم، تجمع باسمهم التبرعات عبارة عن شاشات التلفاز ويستفيد بها أصحاب الدور والقائمين عليها فقط".

قام عيد بتوكيل شبكة الدفاع عن الأطفال بنقابة المحامين، للحصول علي مستحقاته من دار "بنت مصر"، وقامت الشبكة بدورها بالتقدم بالبلاغ رقم 4515 لسنة 2016 إداري قسم النزهة، اتهمت فيها إدارة الدار بإدعاء أن عيد مختل عقليا، وهو ما كلفه سنين من عمره في مراكز ذوي الاحتياجات الخاصة، وطالب البلاغ بحصوله علي مستحقاته لدي الدار، وهي عبارة عن شقة بالإسكان الاجتماعي ودفتر توفير.

وقال أحمد مصلحي رئيس الشبكة، إن عيد أصبح الآن شابا في مقتبل حياته، ومن حقه الحصول علي مستحقاته لدي الدار، وهي عبارة عن شقة حصلت عليها الدار باسمه في الإسكان الاجتماعي للدولة، ودفتر توفير به مبالغ مالية كان يضعها له المتبرعون منذ أن كان طفلا صغيرا.

وأضاف مصلحي في تصريحات لـ "بوابة الأهرام" إن الشبكة اتخذت كل الإجراءات القانونية لضمان حق الطفل عيد، وتقدمت بشكوي لوزارة التضامن الاجتماعي بهذا الشأن، وطالب في بلاغ تسليم ملف الطفل للنيابة العامة للتحقيق في الواقعة، مشيرا إلي أن هناك الكثير من الحالات الأخري التي تعرضت لنفس مصير عيد.

وفي المقابل قالت عصمت الميرغني، رئيس دار أيتام بنت مصر، والمحامية بالنقض والدستورية العليا، إن علاقة الدار انقطعت بـالطفل "عيد" منذ عام 2006، وذلك بعد أصابته بمرض نفسي "انفصام في الشخصية"، وهو ما استدعي دخول مستشفي أبو العزايم للطب النفسي، مشيرة إلي إن الدار قامت بتسليمه للشئون الاجتماعية وهي المسئولة عنه الآن.

وأضافت عصمت الميرغني في تصريحات لـ "بوابة الأهرام"، إن الشقة التي يدعي "عيد" أنها تخصه، حصلت عليها الدار ضمن 28 شقة، وقامت بدفع 25% بهدف تأمين مستقبل الأطفال الأيتام، مشيرة إلي أن هذا النظام أثبت فشله وتوقفت الدار عن العمل به، مؤكدة أن حقوق "عيد" كلها عند الشئون الاجتماعية، لانقطاع علاقة الدار به منذ إصابته بالمرض النفسي وحذرت من التعامل معه نهائيا.

وأكدت عصمت، إن دار "بنت مصر" رفضت طلب "عيد" برجوعه لها مرة أخرى، بالرغم من المحاولات والاتصالات المتكررة التي يقوم بها "عيد" بها شخصيا، مشيرة إلي أنها ستتخذ كل الإجراءات القانونية، ضد كل من يحاول استغلال هذه القضية ومن يقومون بتحرير البلاغات ضد الدار، مطالبة بعدم الاعتماد علي الكلام المرسل.
عيد حسني
كلمات البحث