Close ad

نبيل علي ..أول من أنطق الكمبيوتر بالعربي وآخر فرسان التصدي للانفجار المعرفي

6-2-2016 | 14:43
نبيل علي أول من أنطق الكمبيوتر بالعربي وآخر فرسان التصدي للانفجار المعرفي نبيل علي
الأهرام ـ محمد حبوشة
تبدو المعلوماتية لديه مغزولة بمهارة واقتدار مع طين أرضنا وأحلام شعوبنا وتراثها وفكرها السابق والآنى وتحديات مستقبلها، وممزوجة كلية فى الواقع الاجتماعى الثقافى، الذى يرفعه «نبيل على» إلى مستوى العامل الحاكم والمؤثر فى حركة جميع الانشطة المعلوماتية السابقة والحالية واللاحقة بالمجتمع، وجزء من مركزه الفكرى - بوصف الكاتب الصحفي جمال غيطاس، الباحث في مجال المعلوماتية، والذي كان منذ عام 2005 ضمن فريقه البحثى، - عكس غالبية الباحثين والمخططين والمسئولين الذين يتعاملون مع الكيانات المختلفة داخل المجتمع بمعزل عن اطارها الاجتماعى الثقافى ويقدمون المعلوماتية باعتبارها اداة يمكنها نقل هذه الكيانات من وضع لآخر بطريقة شحن وتحريك الصناديق.

فحينما تقرأ لـ «نبيل على» ستجد بين سطوره نكهة الكتابة والبحث لدى الراحل العظيم «جمال حمدان» عالم الجغرافيا المتفرد، فقد عشق جمال حمدان الجغرافيا وعاشها وفهمها بكل جوارحه وعقله وفلسف الظواهر الجغرافية وقدمها فى كتابات غاية فى أصالتها وتفردها وشمولها ورؤيتها الكلية وادراكها للتفاصيل والتفاعلات البينية بين عناصر الجغرافيا الجامدة، حتى استطاعت هذه الكتابات إنطاق الجبال والسهول والتضاريس الجامدة على الورق واستخلصت منها عبقرية المكان، والشيء نفسه حدث بين الدكتور نبيل على والمعلوماتية وعلومها، فقد عشق نبيل على المعلوماتية ودرسها بعمق وفهمها بشمول وعاشها بكل جوارحه، ثم قدمها فى كتبه وابحاثه بشكل يندر أن نجده لدى الآخرين.

ربما كان سبب ذلك كله كونه يحمل عدة شخصيات في عقل واحد، فقد بدأ حياته فنانا تشكيليا يستهلم جماليات الحرف على المستوى الهندسي، ولعلك تلحظ في لوحاته التشكلية ميلا هندسيا في التشكيل الذي يعبر عنه بأسلوب النحت، وعلى برودة خطوطه التعبيرية في الرسم كان يشعر بجرس اللغة وموسيقاها الآسرة، ونبضها الحي في تشكيل الهوية والثقافة العربية، انطلاقا من قراءاته المتشعبة، كما تقول رفيقة دربة «نبيلة السلمي» الزوجة الحاضنة لأحلامه وطموحاته، ومصدر إلهامه وإبداعه، فلا يخلو اسمها من أي من مقدمات كتبه، كنوع من التقدير للمرأة المصرية العظيمة التي دفعته نحو بناء صروح عظيمة من المعرفة الإنسانية.

تقول عنه: يبقى الجانب الإنساني في شخصية نبيل على هو الأبرز في حياته، بحكم تكوينه الفني والمعرفي الذي استمده أولا من أمهات كتب العربية، فقد كان شغوفا بها ونهما في قراءتها، ثانيا ربط هذا المخزون الثقافي بالبيئة الشعبية المصرية التي عاشها، بحكم نشأته واحتكاكه المباشر بالناس وقراءة وجوههم، من خلال مكوثه طويلا بأتيليه خاص به في «وكالة الغوري»، بعد أن استقال من عمله بالقوات الجوية التي التحق بها بعد تخرجه في كلية الهندسة، وأظن أن شغفه بالرسم قد دفعه يقينا للإحساس بالهم المعرفي الذي يقود للفعل السياسي الرجيم والاقتصاد المعرفي الذي أسس للعرب فيه منهجا عظيما، وهو قادم حتما من قلب المعاناة كما صور ذلك في لوحة رائعة رسمها للمناضل الثوري «تشي جيفارا»، وكان حريصا على تعليم البسطاء ومتوسطي التعليم أسس الكمبيوتر، حتى أن أغلب من كانوا بعلمون ضمن فريقه التقني من حملة المؤهلات المتوسطة، وهم الآن نجوم كبار في الشركات الدولية.

لكن من خلال معاشرتي الطويلة له، يمكن أقول براحة تامة إن الذي دفعه للخوض في غمار هندسة اللغة والتحليق في بحارها العميقة وإخضاعها للكمبيوتر، ذلك الشغف الكبير بالكتابة بحكم علاقات الصداقة التي ربطته بكتاب كبار كالناقد الكبير لراحل «سامي خشبة» والناقد الرياضي «ناصف سليم».
وصديق عمره رسام الكاريكاتير" نبيل السلمي»، وهو ما جعله يوجه ذائقته العلمية والمعرفية نحو قراءة أمهات الكتب، فضلا عن تبحره في كلاكسيكيت الشعر والموسيقى، وحتى الشعر الحديث لصلاح عبد الصبور وأحمد عبد المعطي حجازي وصلاح جاهين وغيرهم، وهو ماترجمه فيما بعد في برنامج متكامل لتحليل الشعر العربي، ومن المفارقات الغريبة في حياته أنه كان برغم حبه الكبير للموسيقى الكلاسيكية العالمية، كان يعشق صوتي «شفيق جلال» و «سيد مكاوي» حتى إن سماع هذين الصوتين كانا من أهم طقوسه الأسبوعية، حيث كان يجلس طوال الجمعة مرتديا جلبابا أبيضا وفي فمه الـ «بايب»، ويظل في حال عشق وهيام معهما في خلوة خاصة بمكتبه، محاطا بكتبه التي أظنها كانت تطرب هى الأخرى لهما من فرط الساعات الطويلة التي كان يقضيها في السماع بحب ومتعة، وكأنهما كانا المنشط الذهني الذي يدفعه نحو البحث والتأمل.

لقد كان طموحه غير محدود في إنجاز مشروع طموح لأمته العربية على مستوى اللغة للحاق بركب التكنولوجيا الحديثة، لهذا اتجه غربا في قراءاته التي تشعبت لتشمل كتب اللسانيات والجينوم والبيولوجي والجولوجي بحكم صداقته للعالم الكبير «أحمد مستجير»، ناهيك عن دراسة الجغرافيا والتاريخ لاستلهام العبر والدروس، والعلوم الإنسانية التي فتحت له آفاقا كبيرا تؤسس لمشروعه الحلم في إنقاذ التعليم بمراحله المختلفة، وكما تجسد أيضا في الشعر والقرآن الكريم والنحو والصرف والترجمة والثقافة واقتصاد المعرفة، وفي آخر أيام ذهب إلى عمق الفلسفة بحثا عن ربط منطقي للغات الحية، انطلاقا من إيمانه الكامل بأن اللغة هى الأب الشرعي للحضارة، ومن ثم كان يتعامل معها على أنها طفل ينبعي رعايته خطوة تلو الأخرى في مراحل النمو، كي تصير عملاقا يقوى على مواجهة صدمات الحضارات التي تضيع على أثرها الهوية العربية.

أما الكتاب الذي كان له أكبر الأثر في حياته هو كتاب «الطوارئ - Emergency « لـ «ستيفن جونسون» وهو الكتاب الأكثر مبيعا من أربعة كتب على تقاطع العلم والتكنولوجيا والخبرة الشخصية، وقد أثرت كتابات هذا الرجل على كل شيء خاصة في الحملات السياسية التي تستخدم شبكة الإنترنت، وحتى الأفكار المتطورة في مجال التخطيط الحضري، إلى المعركة ضد الإرهاب في القرن الـ21.

رحلة عمر طويلة قضتها «نبيلة السلمي» مع الراحل العظيم، مابين لحظات السعادة والأمل، ولحظات أخرى من المرارة واليأس والألم، والأخيرة جاءت جراء ضياع حقوقه المادية التي التهمها «محمد الشارخ» الذي تحمس لفكرة المشروع من البداية - رغم أنه كان تاجرا للأدوات الكهربائية - وذلك بناء على توصية من أستاذه خبير التكنولوجيا - آنذاك - الدكتور «أسامة الخولي»، لكنه فور أن انهالت عليه الملايين بدأ بالمراوغة، واستولى على البرامج التي كانت نتاج عقل ومعرفة عالم أفنى حياته في خدمة اللغة، حاول الشارخ في البداية بيع المشروع للوليد بن طلال، بعد أن نسب لنفسه الحقوق بعقلية التاجر صاحب شركة إنتاج البرمجيات، لكنه فشل في بيع عقل نبيل على - كما تقول زوجته – الذي لجأ للتحكيم الدولي و حصل على حكم قضائي نافذ بأحقيته في نصف أرباح الشركة، باعتباره العقل الحقيقي والمبرمج الوحيد لها، إلا أن الشارخ ظل 15 عاما وحتى الآن يراوغ في رد مستحقاته، وهو ربما تسبب في صدمة أعجزته عن مواصلة المشوار لإنجاز مشروعه الأكبر للتعليم، والذي كان يطمح فيه إلى تطبيقه في المدارس والجامعات من خلال إعادة هيكلة المناهج التي تساعد على الابتكار واستيعاب لغة العصر.

صحيح أنه نال العديد من الجوائز من أوروبا وأمريكا وكافة الدول العربية، ومنها : جائزة «الإبداع في تقنية المعلومات» من مؤسسة الفكر العربي، وجائزة أفضل كتاب ثقافي في مجال «تَحديات عصر المعلومات» من الهيئة العامة للكتاب بوزارة الثقافة المصرية، وجائزة أحسن كتاب في مجال الدراسات المستقبلية من الهيئة العامة للكتاب بوزارة الثقافة المصرية، وآخرها جائزة الملك فيصل العالمية التي سملها له خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، إلا أنها حتى الآن لم يحصل على جائزة الدولة التقديرية من مصر - تقول زوجته – رغم أنه رفع اسم المحروسة على كافة المنصات العلمية الدولية.

قد نحَّى «نبيل على» همومه الشخصية جانبا، وانخرط في عمله البحثي الذي وثقه في عدة كتب ستبقى منارة عربية تحرس اللغة والهوية، في ظل انصهار الكمبيوتر بصورة شديدة ومتزايدة في كيان المجتمعات الإنسانية، وبعين الطائر المحلق رأي أن قضية الحاسوب قد برزت على قائمة الإعداد للنقلة النوعية التي لاحت بوادرها في الأفق، فأيقن أنه منوط به التصدي لمهمة أن ينطق الكمبيوتر باللغة العربية، فكان أول كتبه «اللغة العربية والحاسوب « عام 1988وهو دراسة بحثية لهذه القضية على مستوى اللغة العربية، فمن حق هذه اللغة علينا - على حد قوله – أن تحظى بالتمحيص الدقيق وإعادة النظر في معظم جوانبها ، وذلك لتهيئتها للمعالجة الآلية بواسطة الحاسوب، وأسوة بما اتبع في اللغات الأخرى مثل الإنجليزية والفرنسية والألمانية والفنلندية والعبرية، ولأجل تحقيق هذا الهدف استغرق طويلا في الكشف عن دخائل البنية الدقيقة للغة العربية ، وتحديد خصائصها ذات المغذى لأمور معالجتها آليا، وهى معضلة - بلا شك - حيث أنها تتعامل مع اللغة على اتساعها : فقها وتنظيرا وتأريخا وتعليما واستخداما.

وهو الأمر الذي فرض عليه أن يتحرك ما بين العموميات والشموليات أحيانا ، والتفضيلات والتفريعات أحيانا أخرى ، وبالتالي فرض على الدراسة - الكتاب محور حديثنا – اقتحام كثير من المناطق التي لم يتطرق إليها أحد قبله، أو إعادة طرح لكثير من المفاهيم السائدة التي تعد من قبيل المسلمات اللغوية في «العربية» ، وكان عليه كباحث مجتهد أن يتخذ مواقف محددة تجاه كثير من النقاط التي مازالت محل نقاش وخلاف - وتلك مهمة صعبة للغاية – حيث كان من المتعذر بدونها إلى أن ينطلق عرض تصوراته فيما يخص المعالجة الآلية للجوانب المختلفة للغة العربية.

ولقد جاء هذا الكتاب الذي يعد المرجع الرئيسي في البرمجة العربية، ليس دراسة في اللسانيات، أو في الحاسوب، بل هى دراسة حقل اللسانيات الحاسوبية مطبقة على اللغة العربية، وهو ما جعلها برمتها واقعة في وسط غابة التشابكات التي تغطي منطقة التداخل بين منظومتي اللغة والحاسوب، وكان لابد لها ان تنتقي من اللغة العربية ما يهم من امور معالجتها آليا ، وتنتقي من الحاسوب تلك الجوانب الفنية ذات الطبيعة اللغوية متحاشية الدخول في الجوانب الفنية الأخرى، وما اكثرها في واقع الأمر.

إن هذه الدراسة التي جاءت في شكل كتاب « اللغة العربية والحاسوب» والتي تعكس خبرة المؤلف الشخصية على مدى عشرين عاما في مجال العمل التطبيقي والنظري في حقل المعلوماتية، إدراة وتصميما وتعليما وبحثا، وتتضمن حصيلة مساهماته في أكثر من عشرين ندوة قطرية وإقليمية ودولية أقيمت لمناقشة الجوانب المختلفة لعلاقة اللغة العربية بالمعلوماتيات، تأتي بمثابة حلقة الوصل بين اللغويين والحاسوبيين لتحويل قضية معالجة اللغة العربية آليا في مجال للصراع العلمي إلى موضوع للحوار المنهجي، ومن مجال خصب للانتهازية العلمية والعملية إلى منبع لاينضب للإلهام والإبداع، ولهذا اعتبر المؤلف هذه الدراسة - بداية سبعينيات القرن الماضي - رسالة ودعوة يوجهها إلى العلماء والمتخصصين العرب في مجالات اللغة، والمعلوماتيات والتربية وعلم النفس وعلوم الإنسانيات الأخرى للمساهمة في هذا المجال الحيوي الذي يصعب فيه اللجوء إلى الحلول الجاهزة والمستوردة.

وبحسب «محند الركيك» المدير السابق لمختبر البحث في العلاقات الثقافية المغربية المتوسطية، فإن نبيل على أدرك بحسه الفطري صعوبة معالجة اللغة العربية بالنظر إلى اللغات الأوروبية، لأن العربية في اعتقاده أعقد اللغات السامية وأغناها صوتا وصرفا وعجما، كما عزا تأخر دراسة اللغة العربية آليا إلى طبيعة هذه اللغة نفسها، مما أدى إلى ظهور مواقف متباينة ومتضاربة تتأرجح بين مؤيدين يرون في هذا التعقد والغنى تحديا حضاريا وعبقرية استثنائية، ومعارضين (مستشرقون بالخصوص) يتهمونها بالقصور والعجز. وفي هذا النطاق عمل نبيل علي على دحض هذه المزاعم وتجاوز هذه الأحكام المجانية، فقام بإبراز خصائص اللغة العربية وخلص إلى فكرة مؤداها أن اللغة العربية لغة طبيعية قابلة للحوسبة والمعالجة الآلية شأنها في ذلك كشأن اللغات الطبيعية الأخرى.

العرب وعصر المعلومات

لقد وعى الراحل العظيم في وقت مبكر إلى أهمية أن يتحدث الكمبيوتر اللغة العربية بطلاقة فقرر أن يهجر- إلى حين- معقل تخصصه في مجال هندسة اللغة Language pengineering ليتناول قضية انشغل بها كثيرا، وهى موقف أمتنا العربية إزاء التحديات الجسام التي يطرحها عصر المعلومات، من خلال كتابه «العرب وعصر المعلومات « والصادر عن سلسلة عالم العرفة 1994 ، وهو في الواقع كتاب يعد المعادل الموضوعي لـ «مقدمة ابن خلدون» في عصر العلم والتكنولوجيا، وكان دافعه إلى ذلك شعوره بأن المعلومات قد أصبحت شريدة بيننا، يتنازعها أهل الكمبيوتر، وأهل الاتصالات، وأهل الإعلام، وأهل المكتبات، وينأى عن الكتابة في أمورها مثقفونا من أهل الإنسانيات، ظنا منهم غالبا أن المعلومات هى صناعة الفنيين، وهؤلاء بدورهم حصروا أنفسهم في أمورها التكنيكية دون الجوانب الأخرى لهذه القضية شديدة التشعب، ذلك على الرغم من كونها في رأي ورأي كثيرين غيرى - هكذا يقول : قضية سياسية – اجتماعية – ثقافية في المقام الأول.

لقد كان الهدف الرئيسي من وراء هذا الكتاب - يقول «على» في مقدمته – هو استنهاض همة المثقفين وقادة الرأي والفعل في وطننا العربي، لكي يدلو بدلوهم في هذه القضية المصرية بما يتجاوز حدود العموميات والوصايا الأبوية التي سادت خطابنا التنموي من قبيل : ضرورة تنمية القدرات الذاتية وسد الفجوات الحضارية، وامتصاص الصدمات المستقبلية، ولقد سعى الكاتب إلى أن يختصر لهم الطريق بأن يضع ايديهم على العديد من القضايا المجتمعية المعلوماتية، وكذلك المفاهيم المحورية والتوجهات الرئيسية لتكنولوجيا المعلومات بمنأى عن «كومفلاج» المصطلحات ومتاهات التفاصيل الفنية - وقد قصد هنا نوع من الاستثارة لهم، كي يحاجوه ويعارضوه ويفندوا أراءه ومزاعمه – كي يحدد موقفة وبحسم إزاء كثير من القضايا الخلافية التي تشغي بها منطقة التداخل بين منظومتي المعلومات والمجتمع، وذلك رغم إدراكه أن كثيرا من هذه القضايا لم يستقر الرأي بشأنها بعد، لقد سعى إلى ذلك إيمانا منه بأن بلورة رؤية عربية بشأنها لن تتأتي دون توسيع دائرة الحوار وتأجيل حدة التفاعل بين وجهات النظر المتعارضة بحثا عن مواضع التوازن بينها.

وتكمن خطورة هذا الكتاب الموسوعي في كونه يتوجه لغير المتخصصين في جانبه المعرفي الذي يؤسس لموقف العرب من عصر التطلعات الكبرى، أما المهندسون والعلماء وغيرهم من الفنيين العرب المتخصصين في مجال الكمبيوتر والمعلومات، فالكتاب هو بمثابة دعوة وصرخة لتجاوز حدود الجوانب الفنية، فلم يعد يكفينا حديث عن الإمكانات الهائلة لتكنولوجيا المعلومات وإنجازاتها الباهرة، وبلايين العمليات الحسابية في الثانية الواحدة، وسرعة النانو ثانية، وذاكرة الكمبيوتر ذات الميجا بايت، وعبقرية نظم البرامج، ومعجزات الذكاء الاصطناعي، والاحتمالات البعيدة والمرتقبة لهندسة المعرفة، بل الأهم في رأيه هو إبراز مغزى كل هذه الأمور والحقائق والتوقعات لاقتصادنا وإعلامنا وتعليمنا وثقافتنا ولغتنا، وما أثرها في علاقاتنا وصراعاتنا مع أنفسنا ومع غيرنا، وبفكرنا وتراثنا، وما انعكاساتها على تضاريس واقعنا: على مصانعنا ومدراسنا ومكاتبنا وحقولنا ومنازلنا وخيامنا، وعلى مدننا وقرانا وساحتنا، وماذا تعنيه هذه التكنولوجيا الساحقة بالنسبة لرجالنا ونسائنا واطفالنا، واجيالنا الحالية والقادمة.

ألم أقل إنه كتاب يعدل مقدمة ابن خلدون؟ ، فهو ليس بالمرة كتابا في التبسيط العلمي لبعض الجوانب الفنية في مجال الكمبيوتر ونظم المعلومات، كما أنه ليس دراسة مسحية للوضع الراهن للمعلومات في وطننا العربي، فقد اكتفى بملامحه العامة، وقواسمه المشتركة بقدر ما احتاج في طرح رؤية محددة بهدف الانتقال بهذا الوضع الراهن إلى نقطة أكثر تقدما.

لم يكن نبيل علي- الذي يقول عن نفسه: بدأت جولتي المعرفية كمهندس طيران هجر تخصصه الأصلي الي عالم الكمبيوتر والمعلومات, ثم الي مجال هندسة اللغة فحسب , بل غير وجهته طبقا للضروة العلمية إلى هندسة الثقافة, بعد أن باتت الثقافة - في نظره- منظومة شديدة التعقيد, وفي أمس الحاجة الي دعم يأتيها من الهندسة, باعتبار أن الهندسة ستظل دوما فن التحكم في النظم المعقدة- لم يكن بعيدا أو منعزلا عن المشهد الثقافي- المصري العربي العالمي- كما يقول عنه الشاعر الكبير فاروق شوشة ، فبعد أن ألقى في البحيرة الراكدة حجرا. وكان هذا الحجر كتابه الرائد «العرب وعصر المعلومات -1994» الذي حركت دواماته وردود أفعاله فكر الكثيرين- علي مستوي العالم العربي- منبهة الي حجم ما يحيط بنا من أخطار, والي أهمية تأمل موقعنا الراهن علي خريطة التقدم ثقافيا وحضاريا, وأبعاد الصراع الذي لا مفر من خوضه في عصر ثورة المعلومات أو المعلوماتية كما يطلق عليه الآن، فقد استثمر معرفته النظرية وخبرته العملية في توظيفها, مجددا عتاده المعرفي, ليضعنا أمام حقائق الواقع الثقافي وجها لوجه, وليطرح علينا تصوره للثقافة من منظور هندسي, باعتبارها منظومة شاملة مكونة من منظومات فرعية تتناول الفكر الثقافي واللغة والتربية والاعلام والابداع الفني والقيم والمعلومات عبر كتابه «الثقافة العربية وعصر المعلومات» الصادر عن سلسلة عالم المعرفة عام 2001.

والدليل على صدق نبوءته أن هذه الدراسة الخطيرة أسرت الشاعر فاروق شوشة فور قراءتها للوهلة الأولى، فقال: إن الدكتور نبيل علي لايتردد في وخزنا بكل عناصر المشهد كما يراه ويتابعه, وتحت عنوان ماذا جري لنا يسوق كثيرًا من الحقائق المزعجة, محذرا من أن البعض قد يري فيها نزعة تشاؤمية متطرفة, ومتسائلًا: هل يجدي دفن الرؤوس في الرمال في عصر شفافية المعلومات؟ ولأنه يري أن أداءنا أدني بكثير من قدراتنا, وما حققناه أقل بكثير مما أنفقناه, بينما حماس الأغلبية العربية لإحداث التغيير لايحتاج الي دليل فهو يصرخ بأعلي صوت مدويا لافتا الي إيقاظنا وفتح عيوننا علي المشهد الذي نعيشه. هذه الصرخات أو التساؤلات هي أخطر ما يحمله هذا الكتاب القنبلة, الذي يفجر فينا وعي الذات والعالم, وعي وجودنا المصري العربي في اطار كينونة عالمية تتغير وتتشكل باستمرار.

وبالتالي فإن التفجير يحدث في كل اتجاه. كيف يقف المثقف العربي الآن في عصر المعلومات وأين جوهر العلاقة بينه وبين هذه التكنولوجيا؟ بل أي نوع من المثقف نحتاجه الآن؟ كيف تنصرف جهودنا الي البنية اللغوية العميقة التي ليست مجرد ألفاظ وعبارات ونصوص؟ لقد قال دريدا: إن اللغة هي الهواء الذي نتنفسه, فمتي تصبح سياساتنا اللغوية في مستوي التحديات المطروحة فلا تكون مجامعنا اللغوية هزيلة أو ضامرة وتعليمنا تلقينيا هشا وتعريبنا متعثرا وثقافتنا اللغوية غائبة ووعينا بخطورة المسألة اللغوية مغيبا أو غير متحقق؟

ويضيف شوشة: نبيل على يرفع شعارا مفزعا: لحاقا أو انسحاقا. إما أن نمتلك أسباب اللحاق بالآخرين وإلا فالانسحاق هو المصير! وكيف نلحق بهم ونحن مازلنا نفضل المونولوج علي الديالوج ونلغي بذلك الحوار الذي هو أساس المعرفة والتقدم, ومازلنا نشغل أنفسنا بقضية تشخيص العقل العربي والتعرف علي علله ونواقصه دون أن نتقدم خطوة الي ساحة الابداع الحقيقي والتجديد فكرا ورؤية وتنظيرا. ومازلنا لا ندرك أن الثقافة هي ما يبقي بعد زوال كل شيء وأن المعلومات هي المورد الانساني الوحيد الذي لا يتناقص بل ينمو مع زيادة استهلاكه. لقد كان لهذا العالم الجليل فضل تنبيهنا إلي ما تمارسه اسرائيل علي شبكات الانترنت من تحرشات بنا وبثقافتنا ولغتنا. وأخطر ما تقوم به الآن أنها تتولي نيابة عنا مهمة معالجة اللغة العربية آليا واخضاعها لنظم المعلومات بينما يعجز كثير من علمائنا اللغويين- حتي الآن- عن إدراك الجوانب العديدة لإشكالية اللغة خاصة في جانب علاقتها بالفكر.

وبالرغم من أن اللغة العربية- كما يقول نبيل علي من واقع المعرفة والخبرة العملية- هي لغويا وحاسوبيا فئة عليا, أي تتفوق في إمكاناتها ونظامها علي غيرها من اللغات, فإننا لم نحسن استثمار ذلك حتي الآن. وفي مواجهة حيرتنا بين ما تثيره قضايا العولمة والعوربة المطروحة علي نطاق واسع بين مفكري الوطن العربي, ينحت نبيل علي مصطلحه الدال: عولمحلية مشيرا إلى احتياجنا الشديد الي الأفقين والمستويين معا, والمتمثلين في العولمة والمحلية. فمن الكل إلى الجزء، ومن العام الي الخاص والعكس تتمثل حقيقة الموقف الثقافي والحضاري الذي ينبغي علينا التمسك به والدفاع عنه, فلا ننعزل ولا نتقوقع, ولا نضيع ولا ننماع.

وأجمل ما قاله ساخرا: هل هناك تناقض أكثر حدة وسخرية بين ما يدعيه الاعلام من كونه أداة للترفيه والترويح عن النفس وما يثيره من عنف ترفيهي وفزع معنوي وبينما ينتظر منه أن يكون وسيلة للترابط الاجتماعي والوفاق العالمي, نجده وقد استخدم من أجل اشاعة التعصب والعصبية والتفرقة الطبقية والعنصرية, وتنمية نزعات الكراهية تجاه الآخرين سواء كانوا أجانب أو أصحاب فكر مناهض. فالمنظومة الاعلامية بصورتها الحالية تعد مثالا صارخا لاساءة استخدام التكنولوجيا,ويكفي دليلا علي ذلك تلك الهوة الفاصلة بين غايات الإعلام وواقعه, وبين زيف أقنعته وحقيقة دوافعه!.

الفجوة الرقمية

انطلاقا من شعوره الدفين بخطر التجليات المرعبة، بعد أن باتت تخيم بظلال على عالمنا العربي، والتي تهدد هويتنا وتراثنا وثقافتنا التي أصابتها عناصر التجريف، فقد ذهب الدكتور نبيل على بمشاركة الدكتورة نادية حجازي، في عام 2005، إلى ضرورة التصدي لهذا الخطر المحدق بالأمة من خلال كتابهما «الفجوة الرقمية»، والذي يعد أول محاولة عربية شاملة ومعمقة في العالم العربي، تقترب من موضوع الفجوة الرقمية باعتبارها مصطلحا جديدا وليد أدبيات التنمية المعلوماتية - على حد قول الدكتورعمر مهديوي عبيد المهدي، أستاذ باحث في اللسانيات الحاسوبية بالمغرب - فقد طرح الكاتبان أسئلة وتحديات كبرى فرضت نفسها على واقع اللغة العربية، وحاولا الإجابة على بعضها،و غضا الطرف عن البعض الآخر، قصد استنفار العقول، وحشد جميع القدرات، لغاية التنبيه الى خطورة الوضع الراهن الذي يفرض علينا جميعا، أفرادا وجماعات،التسلح بالترسانة المعرفية والعلمية القوية و الرصينة لحماية لغتنا من أخطار العولمة الغاشمة، و ما أدراك ما العولمة.

لقد وضع المؤلفان أيدينا على أسباب الفجوة الرقمية، الأسباب التكنولوجية، والتطورات المذهلة للتكنولوجيا الحديثة، وتنامي الاحتكارية،وشدة الاندماج المعرفي ،وتفاقم الانغلاق التكنولوجي.والأسباب الاقتصادية التي تتجلى في ارتفاع كلفة ثقافة المعلومات، وتكتل الكبار(مجموعة الدول الثمانية، الاتحاد الاوروبى..) والضغط على الصغار، وفرض عقوبات اقتصادية على دول نامية، واحتكار الشركات الكبرى و المتعددة الجنسيات لأسواق التجارة العالمية، وكذلك تكلفة الملكية الفكرية، وانحياز التكنولوجيا اقتصاديا إلى جانب الأقوى على حساب الأضعف، في حين تتمثل الأسباب السياسية في عوائق وضع سياسات التنمية المعلوماتية،وانحياز المنظمات الدولية إلى صف الكبار،وتفرد الولايات المتحدة الأمريكية بالمحيط الجيومعلوماتي.

وكذلك فيما يتعلق بالأسباب السوسيوثقافية، فقد أشارا إلى أنها تتجلى في تدني مستوى التعليم،وعدم تكافؤ الفرص، الأمية،والفجوة اللغوية، والجمود المعجمي، والجمود التنظيمي والتشريعي، وغياب الثقافة العلمية والتكنولوجية. وهكذا، ليخلصا إلى أن التصدي للفجوة اللغوية يعد مطلبا أساسيا، ونقطة الانطلاق الحقيقية، ذلك أن مصير الشعوب والأمم قد أصبح رهنا بمصير لغاتها القومية، وقدرة هذه اللغة على الصمود و المواجهة في ايكولوجية لغوية عالمية مليئة بالتحديات، وعلى هذه اللغات أن تتلاءم مع تواصل إنساني، وتواصل مابعد التخاطب، وتواصل ما فوق اللغة.

ويخلص الكتاب إلى حقيقة أننا في حاجة ماسة، أكثر من أي وقت مضى إلى الحث على تداول اللسان العربي على جميع المستويات والأصعدة، مع عقلنة دراستنا اللغوية، مستفيدين من التطبيقات المعلوماتية المتطورة، و الحالة هذه، تجدر الإشارة إلى أن الدرس اللساني الحاسوبي العربي قد قطع مراحل مهمة وأساسية على مستويات حوسبة الحرف العربي ، والكلمة، و الجملة، ونأمل أن يتفرغ المتخصصون في هذا الميدان إلى الفقرة، والنص، فالخطاب من وجهة نظر معلوماتية، ولا سبيل أمامنا للخروج من الأزمة الراهنة بدون اللحاق بركب مجتمع المعرفة، بعبارة أخرى، إن الإصلاح اللغوي المطلوب، لابد أن يتم بأقصى سرعة ممكنة ، حتى لا تتسع الفجوة اللغوية التي تفصل بين العربية ولغات العالم المتقدم على حد عبارة المؤلفين.

يبدو التاثر التكنولوجى واضحا فى معظم لوحاته.

العقل العربي ومجتمع المعرفة
ومن الفجوة الرقمية يضغط «نبيل على» على العصب العاري في حياة العرب تجاه صناعة المعرفة، والتي يرى أنها مثلها مثل الصناعات الأخرى، تقوم على ثلاثية مكونة من الآلة والآليات التي تستخدمها هذه الآلة في تصنيع منتجاتها، يتمثل شق الآلة بثلاثية : العقل الإنساني، والعقل الآلي، والعقل الجمعي، فلم يعد إنتاج المعرفة حكرا على العقل الإنساني، بل يتقاسم معه العقل الآلي هذه المهمة بفضل الذكاء الاصطناعي وهندسة المعرفة، أما العقل الجمعي فيحتشد فيه جماع العقول الإنسانية والآلية مكونة ما يعرف بالذكاء الجمعي الذي يمثل قدرة المجتمع على المنافسة في مجتمع المعرفة، أما شق الآليات فيشمل أطوار التفكير الخلاق أو الإبداعي.

ومن هنا كان كتابه «العقل العربى ومجتمع المعرفة»، الصادرعن المجلس الوطنى للثقافة والفنون والآداب من سلسلة كتاب عالم المعرفة بجزءيه الأول والثاني عام 2009 ، والذى يتناول فيه قضية إنتاج المعرفة، مشيرا إلى أنها ليست حكرًا على العقل البشرى وحده، فهو يرى أن المعرفة مثلها مثل الصناعات الأخرى، التى تقوم على ثلاثية مكونة من الآلة والآليات التى تستخدمها هذه الآلة فى تصنيع منتجاتها، ويتمثل شق الآلة بثلاثية العقول: العقل الإنسانى والعقل الآلى والعقل الجمعى.

ويرى المؤلف أن مطالب اللحاق بركب هذا العصر أوضحت مدى العجز الذي يعانيه العقل العربي في مواجهة التعقد الشديد الذي أصبح السمة الغالبة للمجتمع الإنساني المعاصر، وأبرزت مدى قصور أدواتنا الذهنية ووسائلنا التقنية في مواجهة ظاهرة الانفجار المعرفي التي تتفاقم حدتها يوما بعد يوم، وإذا كنا نعترف بأننا مستهلكون للتكنولوجيا، فإن الكاتب يحذر من عدم قدرتنا حتى على استهلاكها في ظل تلك التبعية المترسخة في منظومتنا التنموية، وعلى الرغم من سوداوية الصورة فإنه يرى أن لدى العرب من الدوافع والموارد ما يمكنهم من اللحاق بركب مجتمع المعرفة، بشرط استغلال هذه الدوافع للمشاركة في هذه الموارد، وترشيد استغلالها على أساس من إدراك عميق للفرص الكثيرة التي تتيحها تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لإسهام عربي فعال في إنتاج المعرفة، وهو ما يتطلب ضرورة التخلص من أسر خطاب التنمية المعرفية الراهن.

ومن خلال ثلاثية صناعة المعرفة، يخلص نبيل على إلى نتيجة مؤداها : أن عدم تحقيق الاقتصادات العربية درجة من النضج تؤهلها لمناطحة القوى السياسية، هو دافع أدّى بالاقتصاد العربي إلى أن يتشكل وفقا للهوى السياسي، وربما يفسر ذلك فشل إقامة الوحدة الاقتصادية العربية على الرغم من عظمة المنافع التي يعد بها التعاون الاقتصادي الإقليمي.

والنقطة الأخطر التي وضع أيدينا عليها عندما تطرق الكتاب إلى إساءة استخدام المعرفة، فيقول بأن تاريخ البشرية هو تاريخ المعرفة، وهو تاريخ حافل بما يثبت أن المعرفة، كما يمكن أن تبني وتعمر وتنظم، يمكن لها بالقدر نفسه أن تدمر وتخرب وتبعث على الفوضى، ومعظم ما كابدته البشرية من محن يرجع إلى إساءة استخدام المعرفة من قبل من بيده القوة، جاعلا منها سلاحا لفرض إرادته وترسيخ سطوته.

كما يلفت النظر إلى ضرورة فهم العرب أننا بصدد عصرً جديدً تماماً، لكننا ما زلنا نتعامل معه بعقل قديم غاية في القِدم، وقد أوضحَتْ مطالب اللحاق بركب هذا العصر مدى العجز الذي أصبح السمة الغالبة للمجتمع المعاصر، وأبرزت مدى قصور أدواتنا الذهنية ووسائلنا التقنية في مواجهة ظاهرة الانفجار المعرفي التي تتفاقم حدّتها يوما بعد يوم.

ليتنا اهتممنا منذ سنوات بمشكلة تكوين العقل النقدي العربي, يقول خبير الدراسات السياسية والاستراتيجية الشهير «السيد يسين»، استنادا لرؤية الدكتور نبيل، في كتاب «العقل العربى ومجتمع المعرفة» ، والذي قدم من خلاله استعراضاً عميقاً لتعريفات التفكير النقدي ومعاييره وحضارته من المنظور العربي.

ولو تأملنا المشهد المعرفي العربي الراهن كما نبهنا «نبيل على» لاكتشفنا أننا لم نستطع كعرب أن نجتاز عتبات الحداثة الفكرية كما فعلت أوروبا وأعلنت أن العقل هو معيار الحكم علي الاشياء.. وإخفاقنا في تحقيق الحداثة علي النمط الأوروبي, وتركيزنا علي تجارب التحديث العشوائية التي نجحت أحيانا وفشلت أحيانا أخري, هو الذي أدي إلي هيمنة النص الديني علي جنبات المجتمع, وشيوع التأويلات الجامدة له والتي وصلت إلي درجة الانحراف في بعض الأحيان, مما أدي إلي تكوين الفكر الديني المتزمت,الذي عوق الحركة السياسية والاجتماعية, وشيوع الفكر المتطرف الذي أدي في نهاية المطاف إلي الإرهاب.

والواقع أننا لو ألقينا نظرة شاملة علي مسيرة التنمية العربية منذ الخمسينيات حتي اليوم, لاكتشفنا أنه تم التركيز علي الابعاد الاقتصادية والتي عنيت بالنهوض بالمجتمعات العربية, علي حساب التطور السياسي والتقدم المعرفي، ولايمكن للمجتمع العربي المعاصر الانتقال من مرحلة مجتمع المعلومات العالمي إلي مرحلة أرقي هي مجتمع المعرفة, وهو التطور الحادث اليوم في المجتمعات الصناعية المتقدمة, بغير القضاء النهائي علي آفة الأمية، وإذا صدقت التقديرات التي تذهب إلي أن معدل الأمية في العالم العربي لايقل عن40% فمعني ذلك أننا أمام كارثة ثقافية قبل أن نكون أمام عقبة معرفية!, وذلك لأن الأمية تعني أساسا الانخفاض الشديد في الوعي الاجتماعي العام, مما يؤثر سلبيا علي اتجاهات الجماهير العريضة وقيمها وحتي علي سلوكها الاجتماعي.، ولذلك ليس غريبا في الواقع أن تسود اتجاهات الفكر الخرافي, وأن يصبح الفكر الديني المتزمت هو المسيطر علي عقول الناس!.

كثيرة هى البحوث والدراسات والإنجازات العلمية التي قدمها نبيل على للغة العربية والثقافة والفكر والاقتصاد والسياسة بهدف توسيع قاعدة المحتوى العربي على الشبكة العنكبوتية، وكان آخر الفرسان الذين تصدوا بشراسة العالم العربي المسلم لظاهرة الانفجار المعرفي، ومع ذلك لم ينل في حياته حظا من تكريم على كل تلك الإنجازات .. فهل نراه ميتا كعادتنا العربية في التعامل مع العلماء والأمة والعظماء الذين أثروا حياتنا بعد فوات الأوان؟.

كلمات البحث
الأكثر قراءة