منذ تولى الرئيس عبدالفتاح السيسي مهام المسؤولية، عكف على نقل تجارب تعليمية دولية متميزة إلى مصر، لتحقيق طفرة ملحوظة في المنظومة التعليمية، وبرغم أن هذه التجارب قوبلت في بادئ الأمر ببعض التحفظ لغياب ثقافة التعامل معها، لكنها أثبتت قدرة الدولة على التطوير والحداثة ومجاراة العصر والاستثمار في المعرفة، كما تفعل باقي البلدان المتقدمة.
موضوعات مقترحة
تمثل المدارس المصرية اليابانية انعكاسا لهذه الرؤية، فقد ولدت فكرة هذه المدارس أثناء زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى طوكيو في فبراير من 2016، وبعد أن تجول بين مبانيها واطلع على التجربة هناك، قرر نقلها إلى مصر، ووجه ببناء 100 مدرسة مصرية يابانية على أحد الطرز العالمية، مع تدريب معلميها على مستوى متقدم على أيدي خبراء يابانيين لتكون التجربة متكاملة الأركان.
تصل كثافة الفصل الياباني إلى 35 طالبا، ويتم تخصيص مقعد لكل طالب كما يحدث في كبريات المدارس، حتى أن كل عوامل الرفاهية موجودة، من حيث الملاعب الرياضية وغرف الموسيقى والرسم والمساحات الواسعة للتجول والتنزه أثناء فترات الاستراحة المدرسية.
وتبلغ مساحة المدرسة اليابانية الواحدة حوالي ثلاثة أضعاف نظيرتها الحكومية أو حتى الخاصة، حيث أن الرئيس السيسي كان يريد أن تكون التجربة نموذجا للمحاكاة لما يجري في المدارس داخل دولة اليابان في كل شيء، لتحقيق الغرض منها، حيث تهدف إلى تحسين مستوى المدارس، عن طريق التوسع في تطبيق أنشطة التوكاتسو اليابانية، التي تركز على سلوكيات الطلاب والمدرسين وزيادة الاعتماد على الأنشطة بما يسهم في تخريج أجيال على درجة عالية من الكفاءة.
يمكن بسهولة اكتشاف التطور الحاصل في عقلية الطلاب الذين التحقوا في المدارس اليابانية، إذ أن هناك فوارق واضحة في البنية الشخصية للطفل، المتمثلة في سلوكياته ومهاراته وقيمه واتجاهاته بنفس درجة الأهمية لتنمية معارفه ومعلوماته ومهاراته العقلية.
وأراد الرئيس السيسي بالأساس من هذه التجربة، خلق مواطن صالح متزن منتج يحترم نفسه والآخرين ويقوم بأدواره في المجتمع لما فيه صالحه الشخصي وصالح المجتمع ككل على حدٍ سواء، ويتحقق ذلك من خلال مجموعة من الأنشطة المرتبطة بالمهارات الحياتية التي تدرج في الممارسات اليومية داخل المدرسة.
وتتميز المدارس اليابانية، بمناهج دراسية متطورة ولغة أجنبية متميزة وبناء شخصية وتعليم متميز، وتركز على أن يكون المكان نفسه مبعثا على السعاة، في ظل الكثافة القليلة والفصول الواسعة والأنشطة الكثيرة والمعلم المتميز والمنهج المتطور.
وبسبب الضغط المجتمعي على التقديم في المدارس اليابانية، سرعت وزارة التعليم من وتيرة بناء المزيد منها، بناء على رغبة أولياء الأمور، بحكم السيرة الحسنة عنها، حيث تم افتتاح 41 مدرسة في 20 محافظة، وجاري الانتهاء من 55 مدرسة أخرى سيتم افتتاحها تباعا العام المقبل، وتم قبول 13 ألفا و240 طالبا لرياض الأطفال والأول والثاني الابتدائي.
لم تغفل التجربة اليابانية، العنصر البشري، حيث تم الاستعانة بمدربين يابانيين لتدريب المعلمين، على أحد الطرق، وبعدما تم تعيين 697 معلما بالإضافة إلى المديرين والوكلاء، وكل هؤلاء خضعوا لاختبارات قاسية، على المستوى التربوي والنفسي والسلوكي، بحيث ينعكس أدائهم على الطلاب، وتنجح التجربة في تحقيق الهدف منها.
يصعب فصل نجاح هذه التجربة، عن توسع وزارة التربية والتعليم في إنشاء المدارس المصرية الدولية الحكومية، لتقديم خدمة تعليمية نموذجية ومعاصرة بأسعار مخفضة، ومنافسة المدارس الدولية الخاصة، التي تغالي في المصروفات المدرسية ويلتحق بها أبناء الفئة المقتدرة، لكن وزارة التعليم قررت دخول تجربة المدارس الدولية الحكومية مسار المنافسة بقوة، حتى وصل الإقبال عليها لأرقام فلكية.
أصبح بإمكان أيّ أسرة متوسطة أن تلحق ابنها في مدرسة دولية حكومية، بمصروفات لا تزيد على 15 ألف جنيه، في حين أن هذا الرقم يصل لعشرة أضعاف في نظيرتها الدولية الخاصة.
والميزة أن مدارس الحكومة تطبق مناهج ذات طبيعة دولية، وهناك خطة شاملة لتعميم التجربة في مختلف المحافظات، وبالتالي تستطيع الحكومة تقديم أكثر من نظام مدرسي لكل الفئات، المقتدرة وغير المقتدرة، دون ترك الساحة للمدارس الخاصة تحتكر فكرة التعليم المتطور، فقد أصبحت هناك مدارس حكومية أكثر تميزا وعصرية من التعليم الخاص.