ليس الموقع الجغرافي الذي حبا الله به مصر، الرابط الوحيد الذي وطد العلاقات المصرية بدول القارة الإفريقية، ولكن مصر ارتبطت بعشر دول برباط مقدس يسمى نهر النيل، وتشابكت أياديها الخضراء مع باقي أيادي دول القارة، بمشروعات تنموية وثنائية مشتركة، في مجالات التجارة البينية، وأخرى تقي الشعوب الكوارث وغضب الطبيعة.
موضوعات مقترحة
ولعل المشروعات المائية التي ينفذها الشعب المصري لأشقائه في الدول الإفريقية، تأتي كأحد مجالات التعاون البارزة في القارة السمراء، فقد نفذت وزارة الموارد المائية والري، الكثير من مشروعات حفر الآبار الجوفية، لتوفير مياه الشرب لشعوب العديد من الدول الإفريقية، وساعدت مصر دول القارة في حصاد مياه الأمطار التي تهطل على أراضيها، ودرءت مخاطر الفيضانات والسيول المدمرة عن دول أخرى.
تزداد روابط الأخوة بين شعوب القارة، ليراود أفكار التعاون (المصري – الإفريقي) حلم أكبر، هو تنفيذ مشروع الممر الملاحي "فيكتوريا – المتوسط"، ليتحول المشروع من مجرد استخدام نهر النيل كناقل ملاحي، إلى ممر تنموي، تحيا على ضفافه صناعات، وتنتعش بجريانه اقتصادات دول، وترتبط بتنفيذه مشروعات عملاقة، توفر الرخاء للكثير من دول القارة الغنية بمواردها، في صورة لن تغادر ذهن التاريخ، إلى مدى طويل من الزمان.
نواة مشروع "فيكتوريا – المتوسط" وضعت في عام 2013، بين الحكومة المصرية بالتعاون مع مبادرة الشراكة الجديدة من أجل تنمية إفريقيا "NEPAD"، لإنشاء خط ملاحي يربط بين بحيرة فيكتوريا في جنوب القارة السمراء، والبحر المتوسط في شمالها عبر نهر النيل، وأُعلن رسميًا عن تبنى "NEPAD" للمشروع في القمة الإفريقية التي عقدت في يناير 2013 في إثيوبيا، وقيام مصر بدور الريادة في هذا المشروع.
الدكتور محمد عبدالعاطي، وزير الموارد المائية والري، أوضح لـ "بوابة الأهرام" - في تصريح خاص سابق- أن المشروع هو محور للتنمية الشاملة، وليس مجرد ممر ملاحي تجاري تقليدي، لافتا إلى أن المشروع يتضمن طريقًا سريعًا، ومد "كابل بيانات – انترنت" بين الدول المشاركة، وخطوطًا للربط الكهربائي، وأخرى للسكك الحديدية.
وأضاف وزير الري، أن المشروع يتم تنفيذه على المدى الطويل، وأنه حتى الآن لم تنته مرحلة الدراسات للحكم عليه أو التشكيك فيه، مشيرًا إلى أن رئيس لجنة الزراعة بالبرلمان الأوغندي، أوضح خلال لقائه معه، أن الطريق المستهدف لتنفيذ المشروع مازال موجودا، وقد استخدمه المصريون قديما في التبادل التجاري مع أوغندا، ويعرفه المحليون هناك جيدا.
ريادة مصر لتنفيذ هذا المشروع الإقليمي –بحسب تصريحات وزير الري- يعد خطوة هامة نحو تأسيس ممر للتنمية لصالح شعوب حوض نهر النيل، يضفى مزيدا من الأهمية الجيوسياسية لمنطقة دول حوض النيل على وجه الخصوص، والقارة الإفريقية عامة، وفقا للمفاهيم التي يؤكدها دوما رؤساء الدول والحكومات، خلال قمم الاتحاد الإفريقي المتعاقبة، باعتبار المشروع أداة ربط جديدة وفاعلة بين منطقتي جنوب وشمال البحر المتوسط، وبما يسهم في بعد أكثر عمقاً واتساعاً للشراكة (الإفريقية - الأوروبية) مستقبلاً.
الدكتورة تهاني سليط، رئيس الإدارة المركزية للتعاون الخارجي بوزارة الموارد المائية والري، ومدير إدارة وحدة مشروع "فيكتوريا – المتوسط"، قالت إنه تم الانتهاء من دراسات ما قبل الجدوى للمشروع، بتوصيات تتضمن 6 بدائل لتنفيذ هذا الممر التنموي.
وأوضحت مدير إدارة وحدة مشروع "فيكتوريا – المتوسط" -في تصريحات سابقة- لـ"بوابة الأهرام"، أن أحد البدائل المتاحة لتنفيذ المشروع، أن يكون مجرى ملاحيا من بحيرة فيكتوريا إلى البحر المتوسط، فيما أبرزت أحد البدائل الستة، أن يعتمد الممر التنموي على نظام Multi Model Transport"" -أي النقل متعدد الوسائط - بحيث يعتمد على الملاحة النهرية في بعض المناطق، وفي مناطق أخرى يعتمد النقل على الطرق البرية والسكك الحديدية.
وأشارت إلى أن مرحلة دراسة ما قبل الجدوى أعقبها إعداد تقرير لدراسة احتياجات التدريب في دول حوض النيل، ودراسة للإطار القانوني والمؤسسي لإدارة المشروع، ووضع الشروط المرجعية لمرحلة دراسة الجدوى، فضلا عن بناء ورفع القدرات في الدول المشاركة بالمشروع.
وتتابع "سليط" حديثها لـ"بوابة الأهرام"، لافتة إلى مخاطبة وزارة التعاون الدولي لتوفير التمويل اللازم للمرحلة الحالية، في عدد من المحافل، كان آخرها أسبوع القاهرة للمياه، بعمل جلسة ترويجية للمشروع، لحث الجهات المانحة على تمويل المشروع، وذلك لدراسة الجدوى الاقتصادية لمشروع "فيكتوريا – المتوسط".
وأكدت مدير إدارة وحدة المشروع، أن تنفيذ ممر "فيكتوريا – المتوسط" يعد مثابة حلم لكل سكان حوض نهر النيل، فالمشروع سيوفر متنفسا للدول الحبيسة، وإنعاشا للملاحة النهرية لأغراض السياحة والتجارة البينية، وهي ما تعد أثارا إيجابية للمشروع على دول حوض النيل خاصة، والقارة الإفريقية عامة.
وشددت على ضرورة دراسة المشروع دراسة متأنية ومستفيضة، قائلة: "إن نهر النيل كأحد أهم أنهار العالم وأطولها، يستحق من أبنائه دراسة الملاحة عبره، والبدائل المختلفة لتنفيذ هذا المشروع التنموي عبر نهر النيل"، لافتة إلى وضع البدائل التي تم التوصل إليها في دراسة الجدوى، لاختيار أفضل البدائل للمشروع، وللدول المشاركة فيه.
عقب اختيار أفضل بدائل تنفيذ المشروع، ستبدأ بعدها مرحلة التصميم التفصيلي للبديل الأفضل، ثم تأتي بعدها مرحلة التنفيذ، وبحسب تصريحات "سليط"، فالمشروع طويل المدى، ويجب التخطيط له جيدا، ودراسته دراسة مستفيضة، خاصة وأن المعلومات والبيانات المتاحة لتنفيذ هذا المشروع، تعد ثروة.
"مصر تحملت تمويل دراسة ما قبل الجدوى كاملة"، هذا ما أكدته مدير إدارة وحدة المشروع، حيث تكفلت مصر ببدء تنفيذ دراسات ما قبل الجدوى بمبلغ 500 ألف دولار، وموّل المرحلة التالية بنك التنمية الإفريقي بمبلغ 650 ألف دولار، لافتة إلى أن مرحلة دراسات الجدوى تستلزم تمويل يصل لنحو 6.5 مليون دولار.
لم تكن دراسات ما قبل الجدوى، الجهد الوحيد الذي أخذته مصر على عاتقها، لخدمة أشقائها الأفارقة في تنفيذ المشروع، فقد نظمت في فبراير من العام 2017 برنامجا تدريبيا لـ 20 فنيا متخصصا من حكومات دول حوض النيل، لرفع قدراتهم في مجال الهيدرولوجيا، وتصميم الأعمال الهندسية ذات الصلة، وتكنولوجيا النقل النهرى، وأطر تشغيل المنشآت اللوجيستية التي تخدم التجارة البينية بين دول حوض النيل، من خلال الممر الملاحي الذي سيربط بين بحيرة فيكتوريا والبحر المتوسط.
جون قاتيس، رئيس إدارة البنية التحتية واللوجستيات في منظمة الكوميسا، قال إن هناك 10 بلدان أعضاء في الكوميسا، تعمل لتحسين التجارة البينية بينها من خلال نهر النيل، وفقا لفلسفة الكوميسا، وهذا لن يتم إلا من خلال بنية تحتية قوية، ولن تتوفر هذه البنية التحتية القوية إلا من خلال التعاون مع الدول الأعضاء.
وأشار مسئول الكوميسا - خلال الجلسة الفنية لمناقشة مشروع الربط الملاحي في أسبوع القاهرة الأول للمياه- إلى أن المشروع وصل إلى إصدار مسودة لحالته، والبحث عن أفضل الحلول من قبل الكوميسا، لوضع حلول أفضل لأعضائها، بالإضافة إلى البحث عن التكلفة، والعمل على حشد الموارد، لتنفيذ المشروع، مؤكدا رصد بعض الجهود الملموسة في هذا الصدد.
"المشروع الماثل أمامنا يربط دولا مثل إفريقيا الوسطى وتشاد -رغم أنها ليست دولا أعضاء في الكوميسا"- مع دول الكوميسا الأعضاء، هذا ما أكده "قاتيس" في كلمته، لافتا إلى أن تعاون الكوميسا مع منظمة تنمية غرب إفريقيا، سيتيح دخولهم في التحالف، ومنوها بأن المشروع من شأنه رفع مستوى التبادل التجاري بين البلدان والأعضاء، وأن مثل تلك المشروعات من شأنها حل الكثير من المشكلات المتعلقة بقضايا المياه، خاصة مع تشارك الموارد ووسائل الموصلات في إطار هذه المشروعات.
إصرار مصر على المضي قدما في تنفيذ مشروع الممر الملاحي "فيكتوريا – المتوسط"، يدل على عزيمة في وضع دول القارة السمراء على درجات سلم التنمية والرخاء، بما يعكس رؤية مصرية نابعة من جوار جغرافي، وتقارب تاريخي، وتعاون اقتصادي، ومشروعات مشتركة، في إذابة الحدود والفواصل، ليصبح "إفريقيا بلاد حدود" شعارا لتنفيذ الممر، يتحقق من خلاله رؤية إفريقية تقطن قلبها النابض عنوانها "قارة واحدة – نهر واحد – مستقبل مشترك".