لم تكن تسعى أسرة أول أم مثالية فى مصر عام 1956 للشهرة أو الحصول على تكريمات رسمية على قدر حرصها على إتمام تعليم أبنائهم من البنات والأولاد والتحاقهم بوظائف مرموقة لتحقيق رسالتهم السامية فى الحياة بتقديم النفع لأكبر قدر ممكن من أبناء الوطن، حتى هذا اليوم فى العيد الـ62.
موضوعات مقترحة
وتعود فكرة الاحتفال بالأم المثالية في مصر والعالم العربي إلى الكاتب الصحفي على أمين، ووصف كثيرون هذه الفكرة آنذاك بأنها نقطة تحول في الحياة الاجتماعية، وهى الفكرة التي لاقت حفاوة شديدة من قبل المصريين اعترافا بقيمة الأم وتقديرا لها في يوم خاص بها.
وكان المعيار الذى يتم على أساسه اختيار الأم المثالية لأول مرة فى مصر، أن تكون امرأة أحسنت خدمة بيتها وزوجها وأبنائها، وجعلت منهم مواطنين صالحين يفيدون بلادهم بخلقهم ومبادئهم وشخصياتهم المتميزة، ولا يقتصر الأمر على أن تكون من تلد أكبر عدد من الأبناء، وألا يقل عمر أبناء الأم المثالية عن 15 سنة، حسبما دونت الكاتبة الكبيرة الأستاذة أمينة السعيد في عمودها بعدد مجلة "المصور" الذي احتفل بالأم المثالية عام 1956.
وجاء اختيار السيدة زينب الرفاعى أول أم مثالية فى مصر، بعد أن تقدم ابنها الأكبر عبد المحسن الكرداوى، بما يفيد انطباق كافة الشروط على والدته لوزارة المعارف "التربية والتعليم حاليا"، حيث كانت تقطن بمدينة المنصورة مع زوجها الشيخ إبراهيم الكرداوى، وهو من أقدم المدرسين بوزارة المعارف، الشيخ إبراهيم محمد الكرداوى أقدم مدرس بوزارة التربية والتعليم- والذى كان يعمل بها منذ عام 1911 حتى وقت الاحتفال بمنطقة المنصورة التعليمية- من محافظة الدقهلية، وأبنائها الاثنى عشر؛ 3 أولاد و9 بنات. وعلى الرغم من أنها كانت ربة منزل لا تقرأ ولا تكتب، فإن ذلك لم يعوق دون إنجازها رسالتها على أكمل وجه، ولم يقلل أيضا من إصرارها على أن يتعلم كافة أبنائها، وبالفعل وفى عام 56 كان 2 من أولادها الثلاثة قد بدأوا حياتهم العملية بعد استكمال دراستهم وعملا بالتدريس، كما تخرج 7 من بناتها التسع من مدرسة المعلمات وعملن بالتدريس أيضًا، وأطلق على عائلة زينب الرفاعى آنذاك "أسرة المعارف".
ولم تبخل السيدة زينب الرفاعي وزوجها الشيخ إبراهيم الكرداوي على أبنائهما وبناتهما في سبيل تعليمهم جميعًا حتى لو اضطروا للسفر خارج المنصورة بلدتهم، فسافرت إحداهن للزقازيق ثم للقاهرة للتعليم وأخرى للقاهرة للدراسة بمعهد الموسيقى العربية. فهى لم تحصل على اللقب من فراغ فقد آمنت بحق بناتها في التعليم، ولم تحرمهن منه بل يسرته لهم في زمن لم تكن للفتاة هذا الحق، وكان على أقصى تقدير يتعلمن الكتابة والقراءة وكفى، حتى أصبحت أمًا لسبعة من المدرسين والمدرسات وحماة لستة من المدرسين والمدرسات.
ولم يتوقف عطاء الأم المثالية الأولى بمصر عند هذا الحد، حيث حرصت على أن تكون كل ابنة لها هي بمثابة الأم لأختها الأصغر، فخرجن للدنيا متحملات المسئولية، وفي الإجازة الصيفية من الدراسة المدرسية والجامعية، تجعلهن يقمن بإعداد جهازهن بأنفسهن قبل الزواج، فكنا يقمن بتطريز ملاءات الأسرة والمفارش، فأصبحن على دراية كبيرة بالحرف اليدوية وبارعات فيها. وعندما أنهت إحداهن دراستها وحصلت على ترتيب الثانية على المملكة آنذاك، وكان لابد من السفر للعمل بمدينة أسيوط، وهنا كان اعتراض العائلة على سفرها فحسم الأب الشيخ الأزهرى الأمر ووافق على السفر لأنه يعلم كيف تربت ابنته وما تحمله من أخلاق وأنها لابد أن تؤدى دورها تجاه بنات مجتمعها وألا تبخل بعلمها عليهن وسافرت تؤدى رسالتها وكان ذلك سنة 1944.
وبلغت قيمة جائزة "الأم المثالية" عام 1956، عن 500 جنيه وشهادة تقدير، واحتفالية في نادى المعلمين بالدقهلية تلتها احتفالية كبرى وتكريم رسمي من قبل وزارة التربية والتعليم، ثم احتفت مجلة "المصور" بها بعمل تقرير مفصل عنها من داخل منزلها وسط أبنائها وأحفادها الذي كان عددهم في ذلك الوقت 28 حفيدا. وفى تمام الخامسة مساءً يوم 21 مارس 1956، وفى نادى المعلمين بالجزيرة بالقاهرة، أقيمت فعاليات الاحتفال بأول عيد للأم وتكريم الأم المثالية الحائزة على جائزة وزارة التربية والتعليم آنذاك-المنظمة للحفل والمسابقة- وافتتح الاحتفال بآيات من الذكر الحكيم، ثم أنشد الحاضرون نشيد الأم وبعض القطع الموسيقية من مدرسة العباسية الثانوية للبنات، وبعد ذلك قدم المسرح التوجيهى بإدارة الشئون العامة بالوزارة مسرحية عيد الأم.
بنات زينب الرفاعى يتذكرن لها، كيف كانت مثال أيضا للزوجة المثالية، حيث إنها لم تجعل زوجها الشيخ الأزهرى يشعر يوما بأن هناك عجزا ما فى مصروف البيت، أو تعيره همًا، واستمرت فى تحمل المسئولية برغم سوء ظروفها الصحية، وكانت تعقد اجتماعا عائليا أسبوعيا يعرض خلاله كل فرد بالأسرة مطالبه وتناقشها معهم وتقسمها كالتالى: الضرورى العاجل، غير العاجل، جزء يمكن تجزئته، جزء غير ضرورى، وتبدأ التنفيذ وفقا لبنود الميزانية.
وعقب الحفل سلمها الصاغ كمال الدين حسين، وزير التربية والتعليم آنذاك، جائزة مالية، وهنأها باسم رجال التعليم على هذا الاختيار. وأشرفت إدارة الشئون العامة بوزارة التربية والتعليم على إعداد شارات تعبر عن مكانة الأم وهى عبارة عن قلب يضم ولدين وتم توزيعها على جميع الطلبة والطالبات.
جدير بالذكر أن أول من فكر في عيد للأم في العالم العربي كان الصحفي المصري الراحل علي أمين – مؤسس جريدة أخبار اليوم مع شقيقه مصطفى أمين- حيث طرح علي أمين في مقاله اليومي "فكرة"، فكرة الاحتفال بعيد الأم قائلا: "لماذا لا نتفق على يوم من أيام السنة نطلق عليه "يوم الأم" ونجعله عيداً قومياً في بلادنا وبلاد الشرق. ثم حدث أن قامت إحدى الأمهات بزيارة للراحل مصطفى أمين في مكتبه وقصت عليه قصتها وكيف أنها ترمَّلت وأولادها صغار، ولم تتزوج، وكرست حياتها من أجل أولادها، وظلت ترعاهم حتى تخرجوا في الجامعة، وتزوجوا، واستقلوا بحياتهم، وانصرفوا عنها تماماً، فكتب مصطفى أمين وعلي أمين في عمودهما الشهير “فكرة” يقترحان تخصيص يوم للأم يكون بمثابة يوم لرد الجميل وتذكير بفضلها، وكان أن انهالت الخطابات عليهما تشجع الفكرة، واقترح البعض أن يخصص أسبوعا للأم وليس مجرد يوم واحد، ورفض آخرون الفكرة بحجة أن كل أيام السنة للأم وليس يومًا واحدًا فقط، لكن أغلبية القراء وافقوا على فكرة تخصيص يوم واحد، وبعدها تقررأن يكون يوم 21 مارس عيدًا للأم، وهو أول أيام فصل الربيع ؛ ليكون رمزًا للتفتح والصفاء والمشاعر الجميلة.
عبد المحسن الكرداوي الابن الأكبر للسيدة زينب الرفاعي يقبل يدها جانب من تكريم الأم المثالية السيدة زينب الرفاعي تتسلم جائزة الأم المثالية الأولى من الصاغ كمال الدين حسين