منذ سنوات قليلة، وبدأ يلامس آذاننا مصطلح جديد، تسبب في ارتفاع درجات الحرارة في بعض المناطق وانخفاضها في مناطق أخرى، وفيضانات وأعاصير، هي ظاهرة التغيرات المناخية، التي أطلق عليها البعض ظاهرة الاحتباس الحراري "الدفين".
موضوعات مقترحة
ما يميز ظاهرة التغيرات المناخية، عن المشكلات البيئية الأخرى، هو كونها عالمية الطابع، تعدت حدود الدول، لتشكل خطورة على العالم أجمع.
تم التأكد من الازدياد المطرد في متوسط درجات حرارة الهواء السطحي على الكرة الأرضي، بمعدل يتراوح بين ٠,٣ حتى ٠,٦ من الدرجة خلال المائة سنة الماضية.
وقد أشارت دراسات الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتغيرات المناخية (IPCC) إلى أن هذا الارتفاع المستمر في المتوسط العالمي لدرجة الحرارة، سيسبب العديد من المشكلات الخطيرة كارتفاع مستوى سطح البحر مهددًا بغرق بعض المناطق في العالم، وكذلك التأثير على الموارد المائية والإنتاج المحصولي، بالإضافة إلى تغير خريطة الأمراض.
فهل تعد ظاهرة التغيرات المناخية.. أمرًا سلبيًا مطلقا أم له جانب إيجابي؟ هذه التساؤلات تعتمد على مصالح الدول والشركات، التي من شأنها تضخيم مخاطر التغيرات المناخية أو التقليل من شأنها.
إلا أن الأكيد في الأمر.. هو استيقاظنا يومًا لنجد أننا غيرنا شكل الأرض التي خلقها الله عليها، بتدخلاتنا السافرة.
للوقوف على أسباب حدوث ظاهرة التغيرات المناخية، قال الدكتور صابر عثمان، مدير إدارة التكيف مع التغيرات المناخية، إن ظاهرة التغيرات المناخية، لا تعني انخفاضا أو ارتفاعا في درجات الحرارة، وإنما هو اختلاف في متوسط الحرارة لسطح الكرة الأرضية، مما يسبب تغيرا في درجات الحرارة من نقطة إلي أخرى على سطح الأرض، وهذا ما يسبب انخفاضا وارتفاعا في الحرارة والأمطار والجفاف والأعاصير.
ويرى صابر، أن كل فرد يضع رأيه لظاهرة التغيرات المناخية بالإيجاب أو بالسلب وفقا لمتطالباته وحساباته الشخصية ومدى المنفعة أو الضرر العائد عليه، مشيرًا إلي أنها تفاقمت بسبب التدخلات الخاطئة للبشر، قائلًا:" تغير المناخ بات حقيقة واقعة لا لبس فيها وفقا للتقارير الدولية ولا مفر منها".
وأوضح، أن معايير التنمية أثرت على الغابات، التي تعد الممص الثاني لغاز ثاني أكسيد الكربون، بعد البحار والمحيطات، حيث قام الإنسان باقتلاعها من جذورها لاستخدامها بصور شتى دون النظر في المردود السلبي على مستقبل الأجيال القادمة.
كما أن الحرق المكشوف للمخلفات يزيد من التغيرات، مما دفع بوزارة البيئة لتوقيع بروتوكول مع وزارة التنمية المحلية لتفادي الأزمة، والحد من عمليات الحرق.
وعن معايير تحقيق التنمية المستدامة، أضاف عثمان، أنها لن تتحق إلا بتطبيق معايير التنمية العادية، مضاف إليها التغيرات المناخية، وكيفية التعامل معها.
حيث يرى أن طريقة بناء المدن الكبرى، بخاصة في مصر، تقام بصورة السطح المُعرض، والذي يمتص درجات الحرارة العالية، بالإضافة إلي الأسفلت الذي بات يملأ الشوارع، وحين يحل المساء، تبدأ كل هذه الأشياء في فقدان الحرارة المخزنة بها، مضاف إليها الملوثات الجوية، وكل هذا يتركز في الغلاف الخارجي، موضحًا أن العمارة في مصر تثبت أنه لا يوجد كلية للهندسة لديها فكر جيد.
تُعد الدلتا، من أكثر المناطق المهددة بالدمار، بسبب ظاهرة التغيرات المناخية، حيث يقول صابر، إن أكبر تهديد قد يواجه البشرية، هو ارتفاع سطح منسوب المياه، إلا أنه لم يؤخذ في الحسبان أن الأحداث المتطرفة التي تعرضت لها مصر في الآونة الأخيرة يجب أن تكون محل تركيز، مطالبًا، بأن يساهم الإعلام في توعية الشعب ورجال الأعمال إلي المخاطر المتوقع حدوثها، وكيفية التعامل معها، قائلًا:" لو غيرنا نظام حياتنا وفكرنا وخططنا هنقدر نساعد بلد حتى في أسوأ المشكلات".
واعترض الدكتور مجدى عبد الوهاب، أستاذ الأرصاد الجوية، على مبدأ ترهيب المواطن البسيط باستخدام العلم، بمخاطر التغيرات المناخية، ومن أبسط الأمثلة على هذا، تلك الشائعة المنتشرة التي تشير إلي اختفاء عروس البحر "الإسكندرية"، وستصبح مدينة طنطا بديلها على الساحل، وهو كلام بعيد تمامًا عن الحقيقة، مطالبًا، الإعلام بالبعد عن الضجة الإعلامية، لأنها أمور قد تؤثر سلبًا على البلاد.
فيما أوضحت الدكتورة هدى مصطفى، مديرة فرع البيئة بالإسكندرية، أن الجهود العالمية حول قضية التغيرات المناخية، باتت واضحة في الآونة الأخيرة، وسببت صدى في المجتمع الدولي في التعامل بجدية مع القضية، حيث تعاملت مصر بقوة مع القضية، وقدمت العديد من المساهمات وصولا لاتفاقات 2015، وهذا يعد أكبر دليل على اهتمامها بالقضية، مشيرة إلى أن توفير المادة العلمية للإعلام بكافة الصورة ستسـهم في توعية المواطن وطمأنته في نفس الوقت.
وأضاف الدكتور سمير طنطاوي، مدير مشروع بناء القدرات لخفض الانبعاث بوزارة البيئة، أن أسباب ظهور التغيرات المناخية، وأنواع الغازات التي تسببت فيها، وتركيزاتها بالغلاف الجوي، قائلًا: بعد توقيع مصر على اتفاقية باريس للتغيرات المناخية أصبحنا ملزمين بخفض الانبعاث قدر المستطاع، وفقًا لقدراتنا وإمكاناتنا الاقتصادية، ومن ثم بدأنا التركيز على المواد ذات التركيز الأعلى، موضحا أن أمريكا والصين من الدول صاحبة الانبعاثات الأعلى في العالم، لأنهما من الدول الصناعية الكبرى، أما مصر ففي المنتصف بين الدول العظمى والنامية.
وأوضح سمير، أن تركيز غازات ثاني أكسيد الكربون والميثان والنيترون، المتسببة في ظاهرة التغيرات المناخية، كانت في معدلاتها الطبيعية حتى عام 1900، والتي كانت تقاس بجزء في المليون، ثم بعد الثورة الصناعية انفلتت معدلات التركيز بصورة متفاقمة للغاية، بعدما بدأت التدخلات البشرية.
وقال، إن عدم توفر البيانات بالدول النامية سبب في تباعد الفترة الزمنية بين حصر الانبعاثات وتوقيت تسليم التقرير للجهات المعتمدة دوليا، موضحًا أنه ليس هناك إلزام قانوني يجبر الجهات على الإبلاغ عن انبعاثاتها.
وأضاف: أن الباحث البيئي المعني بقراءة معدل الانبعاث لكل مصنع لا يقابل بالترحاب عند أداء وظيفته، مشيرًا إلى أن حصر معدل الانبعاث يتم وفقًا لبرامج إلكترونية تستقبل استهلاكات الطاقة، وهى تحدد نسب الانبعاثات لكل صناعة.
وتابع: أن تقارير البلاغ الوطني الثلاثة، التي تم تقديمها لسكرتارية الأمم المتحدة لاتفاقية التغيرات المناخية، أثبتت تفاقم معدل الاحتباس الحراري، حيث كان المعدل في التقرير الأول، عام 1990، 117 فقط لا غير، وعام 2000، وصل إلي 193، لنصل بالتقرير النهائي لعام 2005، الذى تم تسليمه عام 2016، إلى 248.
ورغم كل هذه الأفكار وتعدد العلماء والخبراء البيئين بمختلف تخصاصتهم، فإن ظاهرة التغيرات المناخية ما زالت محل اختلاف وجدل على الصعيد الدولي والمحلي، ولن تكون مسيرتها خالية من العقبات، ولكنها بحاجة جادة إلي توحد الأفكار والمعتقدات، والعمل الجماعي الجاد لنضع يدنا على حلول قابلة للتنفيذ، قبل أن يتأثر كوكبنا سلبًا، وقت لا ينفع علم ولا تطبيق.