حين سقط عرش النظام بغالبية أعمدته الفاسدة، خلال 18 يومًا فقط، ظن كثيرون أنه من السهل الحصول على الحرية بثمن بخس، وبأقل الخسائر، وكان مبرر ذلك، أن بعض الدول الأوروبية حصلت علي الحرية بعد ثورات استمرت لسنوات، بينما كشفت الأيام التى تلت سقوط النظام، أن مخلفات الثورة مازالت "داخل جسد الثوار"، فمنهم من أصيب بالشلل، سواء نصفى أو كلى، وآخرون أصيبوا بالعمى، وبات يظهر على الساحة كل فترة، "أحمد حرارة جديد".
كان مطار القاهرة مساء أمس الخميس، على موعد مع وصول أحد الثوار الذين فقدوا "النور" من أجل أن ينال شعبهم حريته بعد 30 عامًا من الظلم والقهر.. إنه رضا عبد العزيز، أحد مصابى الثورة، حيث عاد بعد رحلة علاج فى ألمانيا.
حصل "رضا" على لقب "أحمد حرارة 2"، بعدما فشلت كل المحاولات الطبية لاستعادة بصره مرة أخرى، لكنه لم يبدٍ حزنه لمن كانوا فى استقباله بمطار القاهرة، بينما ظهرت على وجهه ملامح الفخر والاعتزاز بكونه شريكًا رئيسيًا فى شراء ثمن الحرية، مقابل "عينيه".
لم يبخل المئات فى أن يتحملوا برودة طقس الليل، من أجل أن يحتضنوا "رضا"، الذى غاب عن وطنه فترة طويلة استغرقت عدة أشهر، عاد بعدها إلى دفىء وطنه الذى بات يكن له، ولأمثاله أسمى آيات الفخر.
ولم يكن غريبًا أن "أحمد حرارة الحقيقى" فى مقدمة مستقبلى "حرارة 2"، وكان المشهد المؤثر فى نفوس من كانوا متوجدين بالمطار، أن قام "البطلان" بتبادل الأحضان، وسط تصفيق وتهليل من الجميع، ثم ضاعف هذا المشهد من الهتافات التى تنادى بالقصاص من قتلة الشهداء، الذين تسببوا فى فقدان بصر عددٍ ليس بقليل من الثوار، فى غالبية ميادين مصر.
كان هتاف "ياميدان ياميدان..إنت وحشنى ياميدان" أولى الكلمات التى هتف بها "حرارة 2"، وحين طالب جميع من كانوا متواجدين فى صالة الوصول رقم "3" بالمطار بأن يصمتوا، صرخ فجأة وقال "أنا كده استريحت"، فما كان من الجميع إلا أن تتجمع فى أعينهم دموعًا، بدت وكأنها تأبى النزول على الوجنتين.
وفور انتهاء "رضا" من إنهاء إجراءات خروجه، تحرك الجميع للاحتفال بـ"حرارة 2" فى منطقة المهندسين، حيث يقيم بها، بينما غاب عن المشهد جميع الرموز الثورية والسياسية، فيما عدا "حرارة الحقيقى".