Close ad

خمس حكايات من داخل عش النمل

9-3-2017 | 12:45
خمس حكايات من داخل عش النملغلاف كتاب عش النمل
أحمد سعيد طنطاوي

لأن "الحكاية تموت إذا رويت بطريقة واحدة"، فكان لابد من مواجهتها وترويضها وإدخالها فى دفتي كتاب.. ليتم رواية الحكاية عن نفس الموقف بأكثر من طريقة وأسلوب ومن خلال عدة شهود.. ولأن الكتاب مجموعة من الحوارات فقد كان لابد أن تباغت الكاتبة محاوريها بالأسئلة التى تتسرب فى ثنايا الحوار بطريقة طبيعية أثناء الحديث.. على حد قولها.

ليلة كاملة قضيتها فى قراءة هذا الكتاب الجميل السهل الأسلوب والرشيق العبارة، والسليم فى التبويب «عش النمل» للكاتبة سهير حلمي، التى أدهشتنى بتنوع الحوارات فى السياسة والأدب والفلسفة والشعر، مثلما أدهشتنى وهي تسرد فى بداية الكتاب مقدمة رائعة تشع نوراً، وتفيض أدباً لما في المقدمة من استدلالات بما قاله الفلاسفة والشعراء والمشاهير.

موضوعات مقترحة

وتقول حلمى "هذه كوكبة رفيعة اندمجت فى الحكى عن مدارج الصبا والشباب وأصداء العمر والانعطاف الذى أحدثه كل منهم فى مجاله، الحوار مع الرواد وشهود العيان يشبه المشى فوق الزجاج المكسور.. لم يكن أفضل من (عش النمل) عنواناً ليغمس روح هذا الكتاب وغزارة سرده هو النمل بعزمه ونظامه وقرون استشعاره وعمله فى صمت وحكمة وشجاعة غيرت مسار جيش سليمان.

الحكاية الأولى.. عبدالعزيز حجازى: خدمنا مصر أكثر من زويل.

عبدالعزيز حجازى


يبتسم دكتور عبدالعزيز حجازى رئيس وزراء مصر الأسبق ويقول بنبرة أسي: لقد خدمنا بلدنا وبذلنا أقصي ما نستطيع ودائما أقول أننا خدمنا مصر أكثر من الدكتور أحمد زويل، فقد عهد إلى السادات بإنشاء بنك ناصر الاجتماعي عام 1971 عندما كنت وزيراً للمالية وأخبرني أنه عاني كثيراً أثناء فترة طرده من الجيش وتنقله فى مهن عديدة.. ففكرة التكافل الاجتماعي كانت تشغله، وأعطاني مليون جنيه من حساب التبرعات الذى يخص الرئيس عبدالناصر وكان يبلغ ثلاثة ملايين جنيه، وبالرغم من صغر المبلغ إلا أنني قمت بتدبير التمويل اللازم.

كما قمت بالسفر إلى الخليج وحصلت على مليار دولار استثمارات، وكانت تربطني علاقة طيبة بالقائم بالأعمال الإيراني فى القاهرة.. فعرض على زيارة إيران رسمياً تمهيداً لعودة العلاقات، فعرضت الأمر على السادات فوافق.. ومن الطريف أنه سألنى: كيف سأسافر؟! فأجبت على طائرة مصر للطيران!.. فقال: هل ستقابل الإمبراطور بطائرة مصر للطيران يا عبدالعزيز!.. خذ طائرتى الخاصة وسافرت بصحبة عثمان أحمد عثمان وكمال أبو المجد وطاهر أمين.

وكلفنى بالتوجه أولاً إلى السعودية لمقابلة الملك فيصل، وعرض الموقف عليه نظرًا للحساسية بين السعودية وإيران آنذاك، كان فيصل رحمه الله له مواقف مشرفة مع مصر ويحظي باحترام السادات وهو شخصية فريدة، دمث الخلق، قليل الكلام، تحدثت أمامه فى الموضوع فهز رأسه وقال كلمات مقتضبة، ولم تكن موافقة صريحة، فسألت الأمير فهد بن عبدالعزيز.. فأجاب: مادام صمت إذن فهو موافق.

ثم سافرت إلى إيران وكانت الأحوال بدأت تسوء فى البازار وفى الشارع والجامعة، وقلت للشاه إننا حصلنا من الخليج على مليار دولار، فوقعت معه بروتوكول تعاون بـ 800 مليون دولار، وحصلنا على قرض وصفقة ألف أوتوبيس نقل عام والتى اتهمت فيها بالرشوة وبرأني القضاء وأسست بنك مصر إيران... وفى النهاية يكفينى فخراً أنني وفقت فى تمويل معركة اكتوبر وتجهيزها دون الإفلاس.


الحكاية الثانية: جيهان السادات تحب الطعمية المقلية بزيت العربيات.

جيهان السادات


تقول جيهان السادات: "أحب الأماكن الشعبية جدا.. وأعشق منطقة القاهرة المملوكية والحسين وخان الخليلى وباب زويلة.. بل إنني لا أجد غضاضة فى الأكل من الشارع.. فأثناء رئاستى للمجلس المحلى بشبين الكوم، كنت أنتهي من عملى فى الرابعة بعد الظهر وأكون مجهدة فكنت أوصى أن توضع فى سيارتي ساندويتشات الطعمية الشهية والتى تصنعها "أم سيد" فى شبين الكوم وتبيعها على عربية يد.. وكان الرئيس السادات يداعبنى -عندما يراها - قائلا: إنها مصنوعة من زيت العربيات.. فكنت أرد عليه: لذلك أتذوقها.. فقد كانت بحق أشهى طعمية تذوقتها فى حياتي".

الحكاية الثالثة: كن نفسك يا شوشة.
فاروق شوشة


كان فاروق شوشة الشاعر والإذاعي الشهير قد انهمك فى عمله مذيعاً وراء الميكروفون لدرجة أنه كان يعمل ويقيم فى الإذاعة ما يقرب من 24 ساعة يومياً.. حتي قابله مصادفة د. على الراعي وكان ضيفاً فى ندوة من الندوات ومعه د. لطفية الزيات، فجلس بجوار شوشة فى استراحة الإذاعة وباغته بسؤال: "يبدو أنك انغمست فى مهنة التفاهات اللذيذة، تلك الحياة التى تعج بالندوات والتليفونات والمعجبات والرسائل، إنك تذكرنى بشبابى يا ابنى، كنت مثلك كبيراً للمذيعين بالإذاعة ولكن حين أعلنت الجامعة عن البعثات الدراسية انتشلت نفسي وذهبت إلى إنجلترا وحصلت على الدكتوراة عن برناردشو.. فالتفاهات اللذيذة لن تترك لك مجالاً.. أنت خُلقت عن جدارةٍ للكتابةِ والإبداع.. لا الاكتفاء بالبرامج والندوات وقراءة الشعر".. فقال شوشة: "كانت النصيحة غالية صادقة.. وصحوت من غفوتي واكتشفت أن كتابتى الشعرية تأخرت، لذلك صدر أول دواويني "إلى مسافرة" عام 1966.. فلم أكن محتاجاً لحالة شعرية أنتج أشعاري.. لأننى كنت ممتلئاً بقراءة أشعار الآخرين".


الحكاية الرابعة: خيري شلبي: علقني النجار مقلوباً فى السقف رأسي لأسفل.
خيرى شلبي


يقول خيرى شلبي الكاتب والروائي الكبير إنه بدأ تعلم النجارة ومنها استلهم قصة (عَدل المسامير).. ويقول: كانت مهمتي فى بداية تعلمي النجارة عدل المسامير، فالنجار قد يشترى أنقاضا من الأبواب والشبابيك ويقوم باستخراج المسامير ويعهد إلى مساعديه باستعدالها بالشاكوش.. لم أكن أتجاوز الحادية عشر حين تعلمت هذه الصنعة وكنت أخرج مع النجار فى بعض الأعمال وذات يوم صحبته فى مهمة لتركيب شقف لدار فى القرية ومن أساسيات الصنعة تركيب لوحين من الخشب طوليا لكي يجلس عليها النجار ومن يعاونه ويستكمل من خلالها بقية السقف.

وكان لابد من الانتهاء من التركيب فى نفس اليوم وأدركنا الوقت فاستعان النجار بكلوب جاز برتينه.. وكنت معه فى ذلك اليوم أناوله العدة المطلوبة بسرعة أربكتني فخبطت يدى رتينة الكلوب وانكسر وظللننا ساعتين بدون إضاءة نبحث عن رتينه .. وبعد أن انتهينا من تركيب السقف، فوجئت به يمسكني من طرف الجلابية ويقوم ببرمها حول قدمي ودق مسامير فى أطرافها وغادر المكان وتركني مقلوباً معلقاً فى السقف رأسي متجهة إلى الأرض والناس حولى خائفون من سقوطي على رأسي.. فقد أصبحت منذ ذلك اليوم، وحتي هذه الساعة أشعر أنني معلق فى السماء فى نفس هذا الوضع وأهوي دراسة الأوضاع المقلوبة رأسا على عقب، فهي تشدني وتجتذبني بغرض عدلها.. فالحياة حولنا مليئة بأناس يستحقون أوضاعا معدولة فلماذا يعيشون هذه الحياة ورءوسهم منكسة فى الأرض وأرجلهم فى السماء"


الحكاية الخامسة: صافيناز كاظم هربت من صدام حسين.

صافيناز كاظم


قالت الكاتبة صافيناز كاظم: "بعد حبسي عام 1975 قررت السفر إلى العراق بصحبة ابنتي لكي أتمكن من تربيتها.. وتزوجت عراقيا وكنت أُدرس مادة النقد المسرحي بجامعة المستنصرية ذهبت فى عهد القائد أحمد حسن البكر ولم يكن صدام حسين رئيسا بعد، وبمجرد توليه تركت البلاد وأذكر أثناء قيامي بمراجعة أسماء الطلاب فى المحاضرات أنني كنت أفاجئ بغياب طالب وراء آخر على أيام متفاوتة فترد إحدي الطالبات نال شرف الشهادة يا أستاذة!!.. أى تم اعتقاله واغتياله وبالرغم من مهاجمتي للسادات وعبدالناصر وحزني الشديد على إعدام سيد قطب.. ورفضي لاتفاقية كامب ديفيد، إلا إنني رددت على كاتب عربي هاجم مصر.. وقلت له إن عبدالناصر والسادات لم يجرؤا على ترحيل 16 ألف مواطن مصري وإلقائهم خارج الحدود لأنهما ليسوا من أصل غير مصرى، كما فعل صدام حسين مع العراقيين الذين كانوا يحملون هوية عراقية من أصل إيراني وكان شائعا هناك وضع السم فى اللبن الرايب وإعطائه للقتيل وإرساله مرة أخرى إلى اهله لكى يموت بينهم"
الكاتبة سهير حلمي
 


الحكايات لا تنتهي بين متن هذا الكتاب الذى يضم فصولاً خمسة الأول تحت عنوان «بدنيا السياسة .. تاج الشوك» والثاني نجوم الشعر والأدب والفن، والثالث: (محترفون فى كل الفنون) والرابع : (رواق الفلسفة والعلم) والخامس: (ظلال الحكايات).. وبقى أن نشير إلى نقطة سلبية يمكن تداركها فى الطبعة الثانية من الكتاب وهي عدم تذييل كل حوار من الـ 25 حواراً الذى يضمهم الكتاب بالوقت الذى أُجري فيه الحوار.

والكتاب يضم العديد من الأسرار الشخصية ويلقى الضوء على أحداث وتفاصيل جديدة عاصرتها شخصيات الكتاب، وهو الخامس للمؤلفة صاحبة كتاب "فاروق ظالما ومظلوما" الذى طبع ثمان مرات، "عش النمل" من إصدارات "نيو بوك للنشر والتوزيع".

كلمات البحث
اقرأ ايضا:
الأكثر قراءة