لم تدرك وزارة التربية والتعليم حتى الآن، أن أزمة تسريبات امتحانات الثانوية العامة لن تنتهي بتغليظ العقوبات على الغشاشين ومسربي الامتحانات، أو حتى من خلال طباعة الأسئلة في إحدى الجهات السيادية بعيدًا عن المطبعة السرية التي تسربت منها امتحانات العام الماضي.
وتظل مشكلة التسريبات التي بدأت قبل 5 سنوات من الآن، أن الطلاب يستخدمون أجهزة إلكترونية حديثة في عملية تصوير أوراق الأسئلة، والوزارة لا تتوصل إلى هذه الأجهزة بسهولة، حيث تتنوع بين نظارات طبية وأقلام تحوى كاميرات وآلات حسابية متطورة وهواتف متعددة المزايا، ولا توجد آلية واضحة للقضاء على هذه الظاهرة.
وقال عدد من خبراء التعليم، إن اقتصار الأمر على إصدار قرار من الحكومة بتغليظ عقوبة الغش أو المساعدة عليه، بالحبس من 3 إلى 7 سنوات، مع غرامة مالية قدرها 300 ألف جنيه وطباعة الأسئلة في جهة سيادية لن يحل الأزمة كلها.
ودليل ذلك أن العقوبة العام الماضي كانت بالحبس 3 سنوات، ولم يتم ردع مسربي الامتحانات، سواء من الطلاب أو من المعلمين، وحدثت وقائع تسريب للامتحانات بالجملة من داخل اللجان من خلال وسائل التكنولوجيا الحديثة باعتراف الوزارة نفسها.
وأمام غياب رؤية الوزارة لمواجهة التسريب بشكل أعمق، تزداد التوقعات بأن تشهد امتحانات العام الحالي موجة جديدة من التسريبات، لا تقل عما حدث خلال العام الماضي.
وقال طارق نورالدين، الخبير التربوي لـ"بوابة الأهرام" إن خلال تغليظ العقوبات لن يجدي نفعًا مع الطلاب، ولن يتم التوصل إلى كل المسربين، والعقوبة وحدها غير كافية، وبدون حلول تربوية لن تنتهي الأزمة.
واقترح أن تكون الامتحانات مشفرة أو تكون مركزية عن طريقة الإنترنت ويتم بثها للجان بحيث تخرج للطالب داخل اللجنة على سبورات ذكية بحيث لا يتم استخدام الأوراق نهائيا.
والمشكلة الأكبر في امتحانات الثانوية العامة، أنه لا يتم وضع آلية صارمة لمنع دخول الهواتف المحمولة، حيث ثبت على مدار 3 سنوات فشل إجراءات التفتيش التي تتم على بوابات المدارس التي فيها لجان ثانوية عامة، إما لتقاعس الأمن الإداري أو تخوفه من ردود فعل الطلاب.
حتى المراقبين أنفسهم داخل اللجان، في أحيان كثيرة يكونوا سببا رئيسيا في إتاحة الفرصة للطالب لتصوير ورقة الأسئلة، إذ حدث خلال العام الماضي أن قام طالب بتصوير الورقة رغم أنه كان الوحيد داخل اللجنة وعليه اثنين من المراقبين، وكان ذلك في امتحانات الدور الثاني.
وقال أحد رؤساء الكنترولات لـ"بوابة الأهرام" إن مراقبي اللجان أنفسهم يمثلون نسبة 80 % من أسباب الغش والتسريب، لأنهم يتعاملون باستخفاف مع الموضوع، إما لأنهم خائفون من رد الفعل، أو أنهم غير مهتمين بأن يكونوا رقباء بصرامة داخل اللجنة، والكارثة أنه خلال العام الماضي قام أحد المراقبين بتصوير ورقة الأسئلة ونشرها على فيسبوك.
وهناك مشكلة أخرى، تكمن في قيادات الثانوية العامة أنفسهم، بعد اختيار الوزير رضا حجازي رئيسًا للامتحانات، وخالد عبدالحكم نائبًا له، على الرغم من أن حجازي حدثت في عهده موجة التسريبات التي وقعت خلال العام الماضي، وعبدالحكم لم يشارك في أعمال الامتحانات بالكنترولات منذ سنوات طويلة ولم يكن مسئولاً نافذًا من قبل في امتحانات الثانوية العامة، مما يعني أنه لا يمتلك الخبرة في هذا الملف.
وبالتالي فإن الأزمة متشعبة رغم تغليظ العقوبات، لكن تظل طريقة اختيار مراقبي اللجان كما هي دون تعديل، بحيث يتم الاختيار من بين المتقدمين فقط، وأن إجراءات التفتيش تبدو أنها ثابتة دون تطوير، والمشكلة الأكبر أن مسئولي الثانوية العامة أنفسهم لم يتدرجوا في شغل وظائف تتعلق بالثانوية العامة منذ سنوات أو لديهم خبرة التعامل والتكيف مع المشكلات والأزمات اليومية في هذا الملف، ما قد ينذر بموجة جديدة من التسريبات لا تجد عقولاً وكفاءات تتعامل معها داخل الوزارة، وهو ما يوحي بهزيمة مبكرة للتربية والتعليم مقابل انتصار مبكر للمسربين والغشاشين.