قليلون من يدركون هفواتهم في سن صغيرة ويلحقون بقطار المنافسة قبل أن تسرقهم دوامة الشهرة والانتشار من أجل صناعة أعمال وهمية، فالفرصة الحقيقية تأتي لصاحبها مرة واحدة ليضع ذاته بعد ذلك في محك الاختيار بين أن يبقى متفردًا في عمله أو أن يكون شبيهًا بآخر يخلو من صناعة بصمة حقيقية له، وهذا ما يلخص حالة المخرج محمد جمال العدل الشهير بـ "ماندو العدل".
موضوعات مقترحة
ربما كان الحظ والفرصة الحقيقة حليفين لمحمد العدل هذا العام مرتان الأول عندما خاض مسئولية تقديم الجزء الأول من رواية "أرض النفاق" في مسلسل تم عرضه برمضان الأخير خاض فيه تحدي الحفاظ على الروح التي بدأ بها المخرج سامح عبد العزيز المشروع الذي تركه مبكرًا بخلاف تمسكه بروح وقوام الأعمال التليفزيونية صاحبة العبق القديم تماشيا مع أحداث الفيلم الذي لعب بطولته الراحل فؤاد المهندس والرواية التي كتبها الأديب يوسف السباعي التي صدرت منتصف القرن الماضي ما كان دافعًا رئيسيًّا لنجاح المشروع الذي تصدر قائمة الأفضل والأكثر تميزًا بالنسبة للمسلسلات الكوميدية صاحبة الاختلاف والتفوق.
الآن "ماندو العدل" يتجاوز سباق الزمن ومحدوديته كمخرج خضع لتحكمات الصورة التلفزيونية والدراما الاجتماعية التي يقدمها بعدد من المسلسلات والتي غلف بعضًا منها بطابع سياسي على سبيل المثال وكان من بينها: لأعلى سعر، والداعية، حارة اليهود وآخرى لكن المخرج الثلاثيني تجاوز هذه المرحلة وتخطى ما هو أبعد من هذه المحدودية ضمن فيلمه الأخير "البدلة" الذي يلعب بطولته الفنان تامر حسني وأكرم حسني ويعرض حاليًا بدور العرض السينمائية متصدرًا شباك الإيرادات.
في هذا الفيلم يثبت محمد العدل قدرته على دخول السينما منافسًا بقوة لمخرجيها الذين لم يضع البعض منهم بصماته فيها إلا قليل، يقدم صورة مريحة للعين تمزج بين مشاهد قليلة تحمل جمال الطبيعة وتكثف التعبير عن مضمونه كما في مشهدي "الريف" عندما ذهب الأبطال لتقديم عرض عرائس هناك أو في مشهد زواج ابنة القاتل المأجور "ماركوس" الذي يلعب دوره الفنان ماجد المصري بحركة "زووم واسعة" بالكاميرا أظهرت جمالية المكان الذي يمثل الدولة الأجنبية التي يقيم فيها من خلال جبل متسع يتخلله الزرع والأشجار.
لكن التحدي الأهم الذي يخوضه هنا يتمثل في صناعة مشاهد الأكشن باحترافية واضحة ومقبولة كما في مشاهد المطاردات التي جمعت بطلي الفيلم تارة بينهم وبين رجال الشرطة تارة وبينهم وبين القاتل "ماركوس" تارة أخرى ربما كانت الأصعب من خلال مطاردات السيارات واقتحامها للمول التجاري بشكل غير مبالغ فيه ومغلف بإطار الكوميديا في نفس الوقت وهو تحدي صعب لا تحققه غالبًا إلا الأفلام الأجنبية التي يمكن أن تنتزع ضحكات المشاهد في مشهد يمتلئ بالأكشن والعنف.
ويزداد وهج محمد العدل الإخراجي في فيلم "البدلة" في إدارته لفريق عمل الفيلم واختياره للحصان الكوميدي الرابح في الوقت الحالي الفنان أكرم حسني ليكون هو العنصر المساعد والجاذب أيضًا مع البطل الأساسي تامر حسني لتكتمل المعادلة بين الثالوث الشهير مطرب جاذب وكوميديان وفتاة رومانسية لعبت دورها الفنانة أمينة خليل ويكتمل جمالية هذا الثالوث بوجود الفنانة دلال عبد العزيز على مقعد القيادة حيث تقدم دور الأم والشقيقة معًا للبطلان.
المميز في تجربة محمد العدل هنا كمخرج لثاني أعماله السينمائية بعد فيلم "الكبار" الذي عرض في ٢٠١٠ الخبرة والنضج اللذان بدى على منتجه المكتمل والمريح للصورة البصرية للمشاهد الذي اختنق من صناعة الأفلام قليلة التكلفة التي يتم تصوير أغلب مشاهدها في ديكورات داخلية لا تحقق متعة المشاهدة بالرغم أن السينما وظيفتها الأساسية تحقيق متعة المشاهدة هذا بخلاف تعلمه من بعض الهفوات الإخراجية التي سبق ووقع فيها في بعض أعماله التلفزيونية ليكون فيلم "البدلة" نقطة تحقق ونجاح جديد له يقر به مرحلة عمرية جديدة وهامة في مشواره الفني المقبل ويؤكد أن المخرج يحمل بداخله العديد من الإمكانات التي ستخرج للنور خلال الفترة المقبلة.
وإن كان "ماندو العدل" بتجربتيه هذا العام سواء في مسلسل "أرض النفاق" وفيلم "البدلة" يؤكد ذكاؤه في وعيه بمعرفة تقديم مشروع فني "على نار هادئة" يحمل بصمته ويجعل اسمه بين المخرجين البارزين للمرحلة المقبلة.