Close ad

أيام "فوزي" الأخيرة.. غنى لـ "أم البلاد".. وأوصى جمهوره بتشييعه من "ميدان التحرير"

20-10-2016 | 21:13
أخر أغنيات محمد فوزي "أم البلاد"
أحمد عادل
"لحظات ويبدأ التسجيل ..استعد يا أستاذ فوزى"، لكن الموسيقار الكبير لن يبدأ التسجيل حتى يلتقط صورته التذكارية مع أوفى أصدقائه، إنه "العود"، ربما كان يشعر بأن الدنيا لن تمهله شهرا آخر..احتضنه كمن يفارق حبيبا، وضمه إلى صدره كمن يوقن أنها "ضمة الوداع"، هو الآن فى الثامنة والأربعين من عمره، ولكن من يراه سيحسبه طفلا لم يبلغ العاشرة، فقد أذبله المرض حتى صار وزنه لا يتجاوز 32 كجم.
موضوعات مقترحة


وقف فوزى يتحامل على جسده النحيل، يستجمع ما تبقى له من امكانات صوتية ذهب المرض بالكثير منها ليؤدى أغنيته الأخيرة، أرادها وطنية لأرض بلاده التى أمضى سنوات مرضه الأخيرة بعيدا عنها .

مأساة مرضه لم تؤثر على ألحانه التى تنبض فرحا ومرحا، أختار لأغنيته الوطنية الأخيرة مقاما موسيقيا سلسا، مبتعدا عن الألحان الملحمية التى طبقها من قبل فى أشهر أغنياته الوطنية"بلدى أحببتك يا بلدى" التى صاغ كلماتها الشاعر صالح جودت.

وكانت أغنية "أم البلاد" التى كتبها الشاعر محمد كمال بدر، تتناسب مع حنين فوزى وشوقه الجارف لأرض وطنه فى أعقاب رحلة علاج لم يكتب له فيها الشفاء، غنى فوزى بفرح، وهو المكلوم بمرضه : "جايلك بشوقى يا بلادى من بعيد..جايلك وحاسس إنى مخلوق من جديد، عديت بحور، خطيت جبال، دوست السحاب، ومشيت على جرحى وأنا فى عز الشباب، عشان أبوس منك بشوق حبة تراب، جاى من بعيد..إنسان جديد..جايلك وأول مرة أحس إنى سعيد يا أم البلاد"، سجل فوزى الأغنية مودعا دار الإذاعة بالقاهرة، ذلك المكان الذى ألفه لربع قرن من الزمان، وعاد إلى منزله بالمعادى.

وطنية فوزى لم تتأثر رغم تضرره من السلطة التى أممت مصنع "مصر فون" الذى أسسه ليكون الأول من نوعه فى انتاج الاسطوانات بمصر والشرق الأوسط، حتى بات مقصد كبار عمالقة الغناء العربى مثل كوكب الشرق أم كلثوم، وموسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، وموسيقار الخلود الأطرش لتسجيل أغنياتهم، وتسبب ضياع مشروع العمر لفوزى فى مرضه، ومن ثم وفاته حسرة على ضياع حلمه الذى أنجزه وحققه بعرقه ودموعه.

وفى صبيحة يوم الخميس 20 اكتوبر 1966، كان فوزى مع شدة مرضه يكتب رسالته الأخيره لجمهوره من سرير مرضه بألمانيا، أراد أن يدفن فى غده بعد صلاة الجمعة بميدان التحرير، فكان له ما أراد.

وكانت هذه هى رسالة فوزى الأخيرة لوطنه وجمهوره، والتى نشرتها الصحف بعد وفاته: "منذ أكثر من سنة تقريبا، وأنا أشكو من ألم حاد فى جسم لا أعرف سببه، بعض الأطباء يقولون إنه روماتيزم، والبعض الآخر يقول إنه نتيجة عملية الحالب التى أجريت لى،كل هذا يحدث والألم يزداد شيئا فشيئا، وبدأ النوم يطير من عينى، واحتار الأطباء فى تشخيص هذا المرض، ولم أستطع القيام من الفراش، وبدأ وزنى ينقص،وفقدت فعلا حوالى 12 كيلو جراما، وانسدت نفسى عن الأكل، حتى الحقن المسكنة التى كنت أحقن بها لتخفيف الألم، بدأ جسمى يأخذ عليها وأصبحت لا تؤثر فى، وبدأ الأهل والأصدقاء يشعرونى بالآمى وضعفى وأنا حاسس أنى أذوب كالشمعة" .

وبيقين مضى فوزى قائلا:" إن الموت علينا حق..إذا لم نمت اليوم سنموت غدا، وأحمد الله أننى مؤمن بربى، فلا أخاف الموت الذى قد يريحنى من هذه الآلام التى أعانيها، فقد أديت واجبى نحو بلدى، وكنت أتمنى أن أؤدى الكثير، ولكن إرادة الله فوق كل إرداة، والأعمار بيد الله، لن يطيلها الطب، ولكنى لجأت إلى العلاج حتى لا أكون مقصرا فى حق نفسى، وفى حق مستقبل أولادى الذين يطلبون العلم فى القاهرة..تحياتى إلى كل إنسان أحبنى ورفع يده إلى السماء من أجلى، تحياتى لكل طفل أسعدته ألحانى، تحياتى لبلدى..أخيرا تحياتى لأولادى وأسرتى".

هنا ارتعشت يد فوزى ليختم رسالته بخط ضعيف"لا أريد أن أدفن اليوم، أريد أن تكون جنازتى غدا الساعة 11 من ميدان التحرير، فأنا أريد أن أدفن يوم الجمعة".

وقد كان ما تمناه، وصدق ما توقعه، فقد جاء فوزى إلى "أم البلاد" التى لحن لها آخر أغانيه مسجى فى نعشه، محمولا على الأعناق، ودون أن يقرأ جمهوره وعشاق فنه رسالته الأخيرة، فقد احتشدوا للصلاة عليه من مسجد عمر مكرم بميدان التحرير، ليبعثوا رسالة أن الفنان متى أخلص لجمهوره وفنه فسينال حبهم وتقديرهم فى حياته وبعد وفاته.
كلمات البحث
اقرأ أيضًا: