Close ad

بالصور.. جميل راتب لـ"بوابة الأهرام": الشباب انكسرت أحلامه.. والفنانون المثقفون نادرون

4-10-2016 | 11:18
بالصور جميل راتب لـبوابة الأهرام الشباب انكسرت أحلامه والفنانون المثقفون نادرونجميل راتب
حوار - سارة نعمة الله
يرحل من بلاده مغامرًا.. تجذبه أحلامه للإصرار على تحقيقها، فالتحديات كبيرة والعوائق تزداد لكن يبقى الطموح شمعة مضيئة وسط كثير من الضبابيات، هكذا تتشكل ثقافة الحياة.. هكذا تتحقق الأحلام.. هكذا تكون رحلة الفنان الكبير جميل راتب.
موضوعات مقترحة


جميل راتب..الرجل الذي كسر القاعدة في كل شىء، فالجميع يذهب إلى الخارج بحثًا عن حياة أفضل، لكنه ذهب راغبًا للفن ومؤمنًا بموهبته التي تحدى بها قيود الأهل ورفضهم للأمر، وأجواء الشهرة التي تنطلق من المحلية إلى العالمية دائمًا، ليبدأ الفنان تجربة فنية ثرية ومميزة في فرنسا ويعود للقاهرة محملاً بكثير من الخبرات الحياتية والثقافية.

في حوار "بوابة الأهرام" مع الفنان المخضرم، يروي لنا كثيرا عن عمله بتجربته المسرحية الفرنسية بعد أن كرمه مهرجان القاهرة الدولي للمسرح المعاصر والتجريبي في دورته الأخيرة، ويتحدث عن علاقة الفنان بمجتمعه، وبعض كواليس رحلته بما فيها من نجوم ومخرجين مهمين بحياته، ويتحدث كذلك عن أهم أدواره، وغيرها في السطور القادمة..

في البداية سألنا الفنان عن "الطموح" الذي صاحبه في شبابه، ودفعه للعمل في سوق الخضار وغيرها من الأعمال الحياتية بفرنسا للإنفاق على دراسته للفن بعد أن قاطعه الأهل، ومدى الانكسار الذي ضرب الشباب المصري في السنوات الأخيرة، وقال: الطموح والعزيمة في واقعنا قلت كثيرًا بسبب التخبط السياسي، فهناك أحلام وطموحات انكسرت لدى الشباب وهي مسألة سياسية وإجتماعية لابد أن يستغلها الوسط الفني، فالمخرج المهم هو المثقف الواعي الذي يربط بين قضايا مجتمعه السياسية والإجتماعية، والحقيقة أنه ما كان يقلقني خلال فترة ما بين ثورتي يناير، و٣٠ يونيو هو حالة الشعب المصري لأن الحكام لم يعملوا من أجلهم، وأؤكد هنا أن ثورة يناير من قام بها هو الشعب وليس المثقفون الذين قاموا بمتابعتها فيما بعد، والمصريون ربما لم يمتلك كثير ثقافة كبيرة إلا أنهم أذكياء ولديهم إحساس بالمسئولية، ومازلت أنتظر من هذا الشعب العظيم الكثير والكثير.

جميل راتب

يتحدث راتب عن شكل المسرح المصري بعد ثورة يوليو، ويقول: قبل سفري إلى فرنسا كان هناك مسرح قائم بالفعل على يد كثير من العظماء مثل المخرج الراحل يوسف وهبي لكنه كان معتمدًا على الأعمال المترجمة من المسرح العالمي، لكن بعد العودة من فرنسا اختلفت الحياة المسرحية في مصر حيث نشأ كثير من المؤلفين المسرحيين مثل نعمان عاشور، وميخائيل رومان وغيرهم، والحقيقة أن جميعهم قدموا مسرح واقعي يتحدث عن المشاكل المصرية والمجتمع، لذلك هناك فرق كبير قبل وبعد ثورة يوليو في تغيير شكل المسرح المصري.

ويضيف: تجربتي في الخارج زادتني ثقافة وتنوير، وكنت أميل للاهتمام بالحياة السياسية والاجتماعية، واشتركت مع فرق صغيرة كانت تكتشف المخرجين والمؤلفين الجدد مثل يونسكو وغيرهم، ثم عملت بالمسرح التجريبي كثيرًا قبل تجربتي في المسارح الكبرى والكوميدي فرانسيز، وبعد الحرب العالمية الثانية بدأ يظهر مؤلفون جدد بالإضافة للمجموعة التي ظهرت في نهايتها مثل جان أنوي مع وجود مخرجين أجانب بدأوا في فرنسا مثل صمويل بكيت وبعضهم كان مهتما بالحالة السياسية وآخر بالحالة الاجتماعية.

جميل راتب

ويتذكر جميل راتب تجربة عمله بالمسرح المصري بعد عودته من فرنسا بعد رحلة عمل امتدت إلى ثلاثين عامًا، هذا المسرح الذي نجح من خلاله في تقديم أعمال مسرحية وثقافية هامة رغم قلة عددها بسبب عمله المتواصل بالسينما والتلفزيون والذي يأخذ فترة زمنية كبيرة، ويقول: لم يكن لدي أي علاقة بالمسرح المصري قبل السفر، وعندما عدت للقاهرة عام ١٩٧٧ تلقيت عرضا من الراحل كرم مطاوع للعمل معه، وبالفعل قدمنا معًا مسرحية "دنيا البانولا".

ويستكمل: بعد ذلك قدمني صديقي الراحل صلاح جاهين إلى عدد من المخرجين، ورغم تجاربي المحدودة هنا إلا أنني اكتسبت عالمية خصوصًا في الدول العربية، وهذه مرحلة هامة جدًا بحياتي بما حدث فيها من تبادل ثقافي حيث قدمت أعمال فرنسية في مصر والعكس بفرنسا، وأتذكر أنه كان هناك مهرجان بعنوان الثقافة المصرية في فرنسا قدمت خلاله على مدار شهر أعمال هامة منها "شهرزاد" ل توفيق الحكيم، ثم في مصر بعد ذلك بمسرح الهناجر، رغم أن الحكيم كان مؤمنًا بأن أعماله تقرأ ولا تقدم على خشبة المسرح.
والحقيقة أننا لدينا جيل مميز من المخرجين كانوا يملكون الوعي الكامل والقيمة الهادفة من المسرح ومنهم كرم مطاوع، ومحمد صبحي خصوصًا وأن الأول كان يذهب إلى بعثات تعليمية في الخارج فيتعرف على تجارب مختلفة، وهذه مسألة يفتقدها المخرجون الجدد، وفي الحقيقة الدولة لم تعط اهتمامها ودعمها الكامل للمسرح، بعكس الحال في التلفزيون فمكاسبه أهم للمنتجين والفنانين وهو ما يضعف من موقف المسرح واهتمام الدولة به أكثر.

ويرى راتب أن السينما رغم تراجعها إلا أنها تحمل تجارب هامة ومتفاوتة الخبرات من أجيال مختلفة، يقدمون مضامين سياسية واجتماعية مهمة لكن في التلفزيون المسألة أصبحت "كسب فلوس" حتى أن هناك بعض النجوم الذين يعاب على وجودهم، ويضيف: هناك أزمة حالية تتمثل في بعض الشباب الذين يعتقدون بنجوميتهم لمجرد دور واحد قدموه، وهم بالفعل يصبحون ممثلين ضعاف ولن يصمدوا كنجوم.

جميل راتب

ويتذكر: قديمًا قال لي الفنان العالمي أنتوني كوين، إن أمامي ثلاثين عامًا حتى أصبح فنانًا حقيقيًّا، وهناك بعض فنانين يمارسون العمل على أنفسهم لكنهم قلة، والمهم أن يكون الفنان مثقفا ومطلعا على العالم الخارجي والداخلي وسياسته، وهناك فنانون ليس لهم أي علاقة بالسياسة، والأغلبية من المثقفين في الوسط من الرجال، ويضحك.."وقليلاً من النساء تهتم بالثقافة لأن أغلبهم يهتمون بالموضة، ومن هؤلاء محسنة توفيق فهي مثقفة بشكل رهيب، وقارئة مطلعة ومثقفة كبيرة، ولكن ليس لها مكان في هذا المجال".

ويشير راتب إلى وجود عدد من المخرجين الذين يحرصون على تقديم تجارب مختلفة مثل يسري نصر الله، وأسامة فوزي، وهدفهم تقديم أعمال هادفة بعيدًا عن فكرة أصحاب الأسماء الكبيرة، وعلى مستوى الفنانين الشباب فلدي إعجاب بتجربة بمنة شلبي لأنها فنانة مجتهدة وتعمل على ذاتها كثيرًا.

"الفنان لابد أن يكون لديه علاقة بالسياسة والمجتمع"، هكذا يؤكد جميل راتب في حديثه مشيرًا أن الثقافة الذاتية تمنح الفنان تفاصيل خاصة تساعده داخل العمل في صورته كاملة، ويقول: هناك ممثلون جاءوا من خلفية المسرح اهتموا بتنوير ذاتهم خصوصًا عند الرجال، فصحيح الموهبة مطلوبة لكن لابد من إثقالها.

يؤكد راتب أن أكثر أعماله إرهاقًا والتي استنفزت منه طاقات كثيرة، شخصية "الشيطان" التي قدمها في مسلسل "الكعبة المشرفة"، ويضيف: عمل أرهقني كثيرًا، وأعتبره من أهم المحطات في حياتي رغم أن الناس لا تتحدث عنه، وكنت أقدم دور شيطان أظهر في كل مرحلة بشخصية مختلفة وهذا ما كان يسعدني كثيرًا، والحقيقة أن الماكيير الذي عمل معي في "الكعبة المشرفة" كان يساعدني في الدخول في كل شخصية من خلال المكياج بالإضافة إلى الملابس، وبجانب ذلك المسلسل كان باللغة العربية وهو ما ساهم في معرفة الناس بي بصورة أوضح خصوصًا وأن الجميع كان لديه فكرة عني أني "خواجة"، ويضحك قائلاً: أفضل تمثيل أدوار بعيدة عني ويضحك "مانا بشوف نفسي في المرايا" فأين الاختلاف إذن؟

أما عن الممثلين المهمين والذين كان يفضّل راتب العمل معهم، يتذكر الفنان الراحل نور الشريف معتبرًا أياه واحدًا من أهم الممثلين، وهناك فنانون مهمون ظهروا حينما كنت فى الخارج منهم محمود المليجي وهو ممثل كبير، كان لي الشرف أن أعمل معه، فعندما أقف مع ممثل كبير أحاول أن أكون على قدر إبداعه.

كذلك الراحلة سناء جميل، وعنها يقول: سناء من أهم فنانات المسرح، وأعتبر أن من أهم تجاربي المسرحية في مصر مسرحية "رقصة الموت"ل ستيف بيرج التي قدمنها معًا بالفرنسية وكان مقرر أن نقدمها بالعربية في مصر إلا أنه كان هناك مشاكل فلم نقم بذلك ثم سافرنا بها لفرنسا، وهناك أيضًا مسرحية "زيارة السيدة العجوز" التي قام بإخراجها الفنان محمد صبحي تجربة هامة حققنا بها نجاحًا كبيرًا، لأن الإخراج كان مميزا، بالإضافة لوجود النجمة الراحلة وما تحمله من أداء خاص.

وفي سؤال حول الفنانة التي كان يعظم لها الحسابات قبل وقوفه أمامها، يؤكد أنها الراحلة فاتن حمامة دون مجادلة، لكونها كانت تهتم بجميع التفاصيل في العمل من ملابس، وديكور وغيرها، ويتذكر: في إحدى مشاهدي مع الراحلة كنّا نجسد عودتنا بالسيارة من السويس، فقالت لي شيئا وظللت صامتًا، وقالت لي "انت مبتردش عليا ليه" فأجبتها قائلاً: بفكر في الإجابة اللي ممكن أقولها في الحالة دي، فردت: صحيح معك حق.

وبرغم من الخبرات المسرحية التي تعلمها جميل راتب بفرنسا، وعمله بواحدًا من أهم مسارحها "الكوميدي فرانسيز" إلا أن يؤكد أن دراسة روح الشخصية مسألة تعلمها هنا في عمله بمصر، حيث كان يحاول منافسة ممثلين آخرين، منوهًا أنه لابد من دراسة تصرفات وفكر الشخصية التي يقدمها الفنان، وهو الأمر الذي جعله يتمرد على ملامحه القوية والحادة التي لربما حصرته في أدوار الشر فقط.

ويتذكر راتب أحلامه في الفن، ويشير إلى أن شخصية "عطيل" التي قدمها بتونس كان يحلم بتقديمها هنا بمصر، كذلك "المشير عبد الحكيم عامر" وهنا يعلق ضاحكًا: خلال تحضير المخرج أنور القوادري لفيلم "جمال عبد الناصر" كنت أحدثه في تقديم شخصية المشير لكونها تحمل درامية شديدة فقال لي لكن هذا يتطلب شخص أصغر في العمر، وطلب مني تجسيد دور الرئيس محمد نجيب فوافقت.
أما حقيقة انسحابه من فيلم "الكرنك" يرويها جميل قائلاً: صلاح جاهين هو من رشحني للدور أنا وأحمد زكي في "الكرنك" لكن الإنتاج كان يشعر أننا لسنا نجومًا، فجاءوا بكمال الشناوي بديلًا عني، ونور الشريف بدلاً من أحمد زكي، والحقيقة المنتجين كان عندهم عقلية غريبة وقتها لأن أحمد زكي كان لديه شهرة واسعة.

تجربة الفنان مع المخرج صلاح أبو سيف في فيلم "البداية" تحمل له كثير من الأهمية بمشواره الفني، وهنا يقول: خلال تصويري هذا الفيلم كنت أجلس بجوار أبوسيف بعد كل مشهد وأسأله "كنت كويس" فيرد هو"كويس كويس"، لكن خلال عرض الفيلم وجدت تمثال لي أمام دار العرض وجميع التترات على صورتي في النهاية فشكرته كثيرًا على ذلك إلا أنه قال لي "مش أنت دا دورك".

وفي سؤال حول الحياة اليومية للفنان الكبير، يقول: حاليًا أشاهد التلفزيون، وأتابع السياسة المصرية والعالمية، وبالطبع هناك محدودية في أنشطتي بحكم تقدم العمر.

رسائل مقتضبة إلى المرأة، والفن، والشباب طلبت "بوابة الأهرام" منه أن يوجهها من خلال حواره معها، فقال: رسالتي للمرأة أن تكون على قدر الرجل من مستواه ثقافته على جميع المستويات، وأؤكد أنني معها في كامل حقوقها، أما الشباب فلابد أن يكافحوا ويجتهدوا كثيرًا، ويبتسم:"كما يقول أنتوني كوين ٣٠ عامًا"، وأخيرًا رسالتي للفن أن يكون ثقافة تخدم الدولة والمجتمع، وليس مجرد مازاحًا كما نرى مثل هذه الأيام.
كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة