Close ad

تراجيديا الصعود ومأساة الرحيل .. 50 عامًا على ذكرى فوزى .. موسيقار ظلمه الفن ودمرته الثورة

20-10-2016 | 15:12
تراجيديا الصعود ومأساة الرحيل   عامًا على ذكرى  فوزى  موسيقار ظلمه الفن ودمرته الثورة محمد فوزى
أحمد عادل

سبقت ألحانه عصره، نافس عمالقة التلحين فكان أولهم وصولا لمستقبل الأغنية العربية، نقش اسمه على جدران الفن بأسلوب "السهل الممتنع"، هو كما وصفه موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب بقوله : "كلما نظر هذا الرجل إلى القمر، أتأكد أن لحنًا جديدا سيبصر النور ببساطة تصل إلى حد التعقيد" ..إنه الموسيقار الكبير محمد فوزى الذى تحل اليوم الذكرى الخمسين لوفاته.

موضوعات مقترحة

ولد محمد فوزي عبد العال الحو فى 15 أغسطس 1918 بقرية كفر أبو جندى بمحافظة الغربية،لأسرة كبيرة كان ترتيب فوزى بها الواحد والعشرين قبل أن تلحق به شقيقتاه اللتان احترفتا العمل الفنى، وهما هدى سلطان، وهند علام.

تجلت قدرات فوزى الموسيقية أثناء دراسته، فغالبا ما كان يشدو بأغانى عبد الوهاب مثل "خايف أقول اللى فى قلبى"، "وكلنا نحب القمر" ، فضلاً عن أغانى أم كلثوم مثل "يا ما أمر الفراق" .

ولطالما كانت عبارات الاستحسان التى يطلقها زملاؤه واساتذته على السواء تدفع فوزى للانطلاق نحو احتراف الغناء، فطاف بالموالد الكبرى مثل "السيد البدوى" و"إبراهيم الدسوقى" مغنيا نظير جنيه فى الليلة الواحدة، وهو مبلغ كبير لم يكن يحلم شاب فى مثل سنه أن يحصل عليه.

اصطدمت رغبة الابن الفنان بالتقاليد الصارمة للأب المحافظ فكانت المواجهة المحتومة، ليتخذ فوزى طريقًا إلى مصر قاصدا معهد الموسيقى العربية، وهناك كان الصدام حاضرا على المستوى الموسيقى بين فوزى الطامح للتجديد، ومصطفى بك رضا مدير المعهد الذى يتمسك بالتراث والتقليد.

قدم فوزى أول الحانه، "يا نور جديد فى يوم سعيد..عيد ميلادك أحلى عيد"، وحكم مصطفى بك رضا آنذاك على اللحن بالفشل، إلا أن فوزى قدمه بعد سنوات عديدة فى فيلم "نهاية قصة" مع مديحة يسرى ونجح نجاحا كبيرا.

وأثناء دراسته بدأ فوزى مزاحمة كبار المطربين آنذاك مثل عبد الغنى السيد، إلا أن إعلان شهرة فوزى لم يكن ليتحقق ما لم يلتحق بمدرسة "كازينو بديعة مصابنى"، حيث تخرج بصحبة عمالقة الموسيقى مثل فريد الأطرش، ومحمود الشريف، ومحمد عبد المطلب.

وبمرور الوقت لم يعد فوزى مطربا وحسب، بل بات يضع الموسيقى للاسكتشات الغنائية التى كان يؤديها بمصاحبة راقصات من أمثال تحية كاريوكا وسامية جمال ، تمامًا كصديقه الموسيقار فريد الأطرش .

وعبر خشبة المسرح الغنائى صار فريد وفوزى أشبه بفرسى رهان قادمين بقوة لاقتحام السينما عبر الأفلام الغنائية الاستعراضية، وهو ما تحقق بالفعل خلال فترتى الأربعينيات والخمسينيات.

إلا أن فوزى كان يدرك تماما أن "ليالى بديعة الصاخبة" لم تكن لتحقق له الانتشار ما لم يقصد دار الإذاعة، وبالفعل طرق بابها عام 1940، وهناك تلقفه صانع النجوم الموسيقار مدحت عاصم، المشرف على البرنامج الموسيقى بالإذاعة آنذاك، وأتاح له الفرصة مثلما أتاحها لصديقه فريد الذى سبقه إلى الإذاعة بعامين.

سجل فوزى للإذاعة أكثر من 300 أغنية، منها على سبيل المثال:"تملى فى قلبى،عوام، أحلفلك ميت يمين،ياليالى الشوق، وحياتك انت، العشرة هانت، القمر وانت،افتكرلك ايه، اللى حسبته لقيته، بعد بيتنا ببيت كمان، وغيرها...".

آمن فوزى بمدى قدرة المسرح الغنائى بتجديد الموسيقى العربية فلم يتردد فى قبول العمل بفرقة" فاطمة رشدى" المسرحية، وكان نجاحه سببا فى أن يسند إليه يوسف بك وهبى دورا بارزا فى فيلم "سيف الجلاد" عام 1944، حيث تعرف الجمهور للمرة الأولى على فوزى.

ومن خلال دوره فى "سيف الجلاد" شق فوزى الطريق نحو تقديم مسيرة حافلة من الأفلام الغنائية، فالتقى بالمخرج محمد كريم، الذى كان ينظر اليه باعتباره أيقونة لنجاح أفلام عبد الوهاب، لكن كريم اشترط اجراء فوزى لعملية تجميل لشفته العليا حتى يسند إليه بطولة فيلم "ابطال السعادة" ، فوافق فوزى ونجح الفيلم.

مهد نجاحه فى أفلامه الأولى لنجاح قرابة 35 فيلما غنائيا من انتاجه تصدر خلالها ساحة الأفلام الغنائية والاستعراضية، معتمدا على الأوبريتات منها على سبيل المثال لا الحصر، أوبريت "ابطال الغرام" مع صباح واسماعيل يس فى فيلم "الآنسة ماما"، وأوبريت"نبع الهنا" الذى غناه بمشاركة فايزة أحمد فى فيلم "ليلى بنت الشاطئ" عام 1959، والدويتوهات، ولعل أبرزها "شحات الغرام" بمشاركة ليلى مراد بفيلم "ورد الغرام" عام 1951.

وفى عصر لم يكن يؤمن إلا بالأغانى الطويلة ، أظهر فوزى تحديه واعتمد على الألحان السلسة البسيطة التى تجمع بين رشاقة النغمات والايقاع السريع والحس الكوميدى فى الوقت ذاته، وهى معادلة من الصعب تحقيقها ،مثل أغنيات :"يا جميل ياللى هنا، جانى اللى بحبه، تعب الهوا، حبيبى وعينيا، مال القمر، يا عينى على قلبى، أيوة الله، الشوق الشوق، طير بينا يا قلبى، يا حلو زمان، اللى يهواك اهواه، ليا عشم وياك يا جميل، صعبان عليا، السعد واعدنى، الزهور،دارى العيون داريها، ياجارحة القلب بعيونك، وغيرها الكثير...".

وكان فوزى صاحب السبق فى انتاج أول فيلم بالألوان وهو فيلم "الحب فى خطر" التى شاركته صباح فى بطولته، وكان الأول أيضا فى تلحين أغنية بدون آلات موسيقية، معتمدا على أصوات الكورال لتحل مقام الآلات الموسيقية مثل التشيلو والكمان، وهى أغنية "كلمنى طمنى"، كما سبق فوزى الجميع إلى تلحين أغانى الفرانكو آراب، مثل "يا مصطفى يا مصطفى" و"فطومة" التى غناها المطرب بوب عزام شقيق داليدا، والتى حققت نجاحا كبيرا فى أوروبا، وكذا كان الأكثر انفتاحا على الموسيقى الغربية بايقاعات مثل السامبا والرومبا، كما الحال فى أغنية "مين اللى شغل بالى".

وأصبح محمد فوزى أيضًا أول مسحراتى للإذاعة سابقًا بذلك الموسيقار سيد مكاوى، وكانت محنة مرضه سببا فى خروج روائع الأغانى الدينية، حيث باتت تلك الأغانى علامات مضيئة فى تاريخ ذلك الغناء.

وباتت الأغانى الدينية القصيرة لفوزى،والتى تمتزج بدموعه ومناجاته تنافس القصائد الطويلة لرياض السنباطى، وهو أعظم من لحن هذا النوع على الإطلاق، ونذكر من تلك القصائد، قصيدة"آلهنا ما أعدلك" لأبى نواس، واغنيات "ربى سبحانك" و"اللهم حمدا"، ,"الله يا وهاب"، و"يارب يا سند الضعاف"،و "قف بالخشوع" وكلها للشاعر عبد الله شمس الدين" .

وقد أثبت فوزى ريادته بحق فى تقديم الأغانى للأطفال، وهى فكرة لم يسبقها إليه أحد، وقد خامرته الفكرة أثناء تلقيه العلاج بألمانيا، حيث سمع ضحكة وبكاء الطفل الشهير فى أغنية "ماما زمانها جايه"، فرجع الى مصر وسجل بكاء وضحكات 100 طفل لكنه لم يجدها مثل ماسمع، فاحتفظ بالأسطوانة بعد اجراء المونتاج ووضع الألحان لكلمات حسين السيد، وتبع هذه التجربة بأغانى مثل "ذهب الليل"، و"أحن قلب انتى يا أمى"، بل ونوع فى أغانى الأطفال فجعل منها الدينى، مثل " هاتوا الفوانيس يا ولاد" ، والوطنى مثل "إن وكان" والذى يشرح لهم فيه مقاومة الاستعمار وتاريخ الثورة.

غنى من ألحان محمد فوزى العديد من المطربين والمطربات لعل أبرزهم محمد عبد المطلب ، ليلى مراد، نور الهدى، هدى سلطان، نازك،نجاح سلام، شادية،فايزة أحمد، وكان مثاليا محبوبا فى الوسط الفنى، فقد كان الموسيقار الوحيد الذى يسمح فى أفلامه الغنائية أن تتغنى المطربات بنغمات ملحنين آخرين، كما الحال فى فيلم "ليلى بنت الشاطئ" حين سمح لفايزة أحمد أن تغنى أغنية "ليه يا قلبى ليه" من ألحان محمد الموجى، وهو مالم يقبل به موسيقار سبقه مثل عبد الوهاب، أو آخر عاصره مثل فريد الأطرش.

وبلغ من مثاليته أنه تنازل عن تلحين أغنية "أنساك" التى غنتها كوكب الشرق أم كلثوم للموسيقار بليغ حمدى، حيث رأى بليغ الكلمات فى مكتب فوزى فلحنها، فعرفه على أم كلثوم باعتباره أحد الملحنين الشباب، قائلا لها :" انه لحن الأغنية أفضل منه".

تزوج الفنان محمد فوزى 3 مرات الأولى من السيدة هداية عام 1943، قبل أن يطقها ليتزوج من سمراء النيل الفنانة مديحة يسرى عام 1952 ليستمر الزواج حتى عام 1959 قبل أن يقع الطلاق، ليرتبط بفاتنة المعادى كريمان والتى لازمته خلال فترة مرضه وحتى وفاته.

فوزى، ذلك الموسيقار العصامى الذى بنى نفسه من الصفر، حتى إنه كان لا يجد ما يأكله سوى حلوى أحد جيرانه بـ"الشُكُك"، جمع من حصيلة أعماله الفنية ثروة هائلة دفعته لتأسيس شركة "مصر فون" لانتاج الاسطوانات فى الشرق الأوسط عام 1958، وما أقبل عام 1961 حتى أصبح فوزى مطاردًا من الضرائب، ثم صدر قرار بتأميم شركته من الرئيس جمال عبد الناصر ، استقبله فوزى بشئ من التماسك والهدوء، وكان الأشد سوءا على نفسه تعيين مدير للشركة، جلس على كرسيه، بينما أصبح فوزى مستشارًا براتب 100جنيه شهريًا، وتم تخصيص غرفة له كانت تستخدم من قبل فى عمل الشاى، اعتذر فوزى وانسحب بهدوء.

كان قرار تأميم شركته من أقوى الصدمات التى تلقاها فوزى، وبدأت معها مآساته الصحية، ومرضه الذى احتار أطباء العالم فى تشخيصه، وظل متنقلاً بين أمريكا و بريطانيا وألمانيا، دون جدوى، إلا أن المستشفى الألمانى أصدر بيانا قال فيه إنه لم يتوصل بعد لمعرفة مرضه الحقيقى، ولا كيفية علاجه، وأنه خامس شخص فى العالم يصيبه هذا المرض، الذى تم توصيفه بأنه أحد سرطانات العظام، وقد أطلق عليه الأطباء بمرض "فوزى" ليرحل عن عالمنا فى مثل هذا اليوم قبل 50 عاما ، لتنطوى واحدة من ألمع صفحات الفن والموسيقى العربية.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: