Close ad

الفنان سيد زيان.. الراحل الباقي في مواجهة مسارح "التيك أواي"

13-4-2016 | 17:52
الفنان سيد زيان الراحل الباقي في مواجهة مسارح التيك أوايسيد زيان
سارة نعمة الله
لا أحد يجادل في أن الفنان الراحل سيد زيان، كان حالة كوميدية شديدة الانفراد والتميز، فقد نجح في خلق "كاركتر" خاص له، بين كثير من النجوم الذين ظهروا في مصاف جيله فكان هذا "الكاركتر" حلقة الوصل والقرب بينه وبين جمهوره.

ولعل التخبط الذي نعيشه حالياً مع مسارح الفضائيات والتي باتت تلهث وراء تقديم المسرحيات المعلبة، تدفعنا للمقارنة بين المسرح التجاري الذي كان يقدمه الراحل سيد زيان ويتمتع بمقومات المسرح الأصيل، وبين الأوضاع التي نشاهدها حالياً من المسرحيات "التيك واي" التي تحضر في يوم، أواثنين أو أسبوع على الأكثر.

ولعلنا أيضاً نطرح تساؤلاً تخيلياً عما إذا كان الراحل في مصاف المواجهة مع مسارح الفضائيات ويقدم أمامهم مسرحياته وإلى أي مدى كانت هذه المسرحيات تلاقي نجاحها لدى الجمهور الذي لاشك وأن ذوقه تغير في السنوات الأخيرة.

الأهم من ذلك، أننا سألنا المتخصصين عن السمات الخاصة لشخصية الكوميديان الراحل والتي خلقت له طريقاً خاصاً لا ينافسه فيه أحد.

الفنان مجدي صبحي، مدير المسرح الكوميدي، والذي سبق له العمل مع الراحل سيد زيان ضمن أحداث فيلم "البيه البواب" أكد لـ"بوابة الأهرام" أن زيان كان يتمتع بتلقائية شديدة، وقال عنه: إنه رجل بسيط، كان مخلصاً لفنه وتشرفت بالعمل معه في بداياتي، وكنت حريصا على متابعة أعماله التليفزيونية "الأبيض والأسود" مع الكوميديان الراحل محمد رضا، والحقيقة أن أعماله كانت مسارا للاحتفاء من الجمهور بصفة مستمرة.

ويستكمل: لا توجد مقارنة بين المسرح التجاري الذي كان يقدمه سيد زيان وبين ما نشاهده الآن على مسارح الفضائيات والذي أصفه بالمراهقة المسرحية، فهو لا يتعلق بما درسناه عن مقومات وتكنيك المسرح، فالراحل كان يقدم فكراً خاصاً، ويهتم بالشكل الأصيل لمسارحه من إضاءة، وديكور، ونص درامي، وهذا ليس له علاقة بما نشاهده حالياً، ولا أعتقد أن الراحل كان من الممكن أن تستمر أعماله في مواجهة ما نعيشه من عبث مسرحي لأن الجمهور ذوقه تغير وأن السوق أصبحت "لا تشغل إلا الهايفيين".

ويرى الناقد طارق الشناوي، أن زيان كان له درجة تواصل عالية مع جمهوره بسبب الكاركتير الذي خلق لنفسه، لدرجة أن فؤاد المهندس خلال عمله معه بمسرحية "سيدتي الجميلة" ترك له تقديم مشهد طويل يؤديه على المسرح لإيمانه الكبير بموهبته، وهو ما دفع لانطلاقته فنياً.

ويضيف الشناوي متحدثا عن مقومات الراحل، فيقول: سيد زيان كان يتمتع بطاقة، ولياقة بدنية عالية وهو ما يعتبر إحدى دعائم الفنان الكوميدي التي ساعدته على تطويع جسده بصورة أكبر، ورغم أنني لا أعتقد أن الراحل إذا كان في مواجهة مع مسارح الفضائيات كان سيقدم قيمة فكرية لكن هذا لا يتنافى مع قدرته الخاصة على موهبته التمثيلية الفاذة والتي جعلت الكثيرين يختارونه خصيصاً لأدوار بعينها مثل اختيار المخرج يعيد مرزوق له بفيلم "أريد رجلاً"، وهو ما يعني أن وجود سيد زيان بالمسرح في حد ذاته قيمة كبيرة، إضافة إلى حضوره القوي لدى جمهوره.

الفنان يوسف إسماعيل مدير المسرح القومي، نوه في مطلع حديثه، إلى الاختلاف الكبير في شخصية الكوميديان الراحل وحدده في اتجاهين بحسب وصفه حيث قال: سيد زيان خلق لنفسه كاريكاتر لا يشبهه فيه أحد، إضافة إلى الطريق الذي اتخذه منذ ظهوره بداية من المسرح العسكري وصولاً إلى النجومية التي كافح من أجلها في زمن كان محاطاً فيه بأسماء العمالقة.

ويؤكد يوسف أن هناك فرقا كبيرا، بل إن المقارنة صعبة وغير واردة بين مسرح زيان، وما نعيشه اليوم بمسرح الفضائيات لأن جيل الراحل وزملائه كانوا يهتمون بالمسرح ولم تكن هناك مسرحيات تخرج في أسبوع؛ حيث كان العمل يستمر التحضير فيه لشهور ويضيف: المسرحيات كانت مثل التجارب المعملية، ومبدأ التعليب لم يكن موجوداً، والعرض كان يأخذ من أربعة شهور إلى عام في العرض وليس مسرحية في كل أسبوع، وهنا أنا لا أقصد مسرح أشرف عبد الباقي الذي خرج في شكل تجربة مختلفة لكن أقصد من جاءوا بعده وأفسده هذا المشروع.

ولمسرح سيد زيان مذاق خاص، فالرجل الذي بدأ عمله في المسرح العسكري مروراً بتجارب مسرحية عظيمة وقف فيها أمام هؤلاء مثل العظيم فؤاد المهندس، وهو ما يعني أن الراحل تربى وسط حالة خاصة لا يمكن لنجوم المسرح التجاري اليوم الوصول إلى الفتات منها والحقيقة أن مسرح زيان كان يقدم فكراً حتى إن كان هدفه تجاريا بل إنه كان يحمل بين سطوره إسقاطات على قضايا وأحداث مجتمعية، وربما إذا كان الراحل لم يمر بظروفه مرضه الأخيرة التي بدأت منذ أكثر من عشر سنوات عقب إصابته بجلطة في المخ أحدثت له شللاً عاما، كان من الممكن أن نراه في مصاف النجوم الذين يقدمون عملاً على مسرح الدولة حالياً، فالرجل الذي يتربى داخل المسرح العسكري يعي تماماً قيمة أن يقف أمام جمهور مسرح الدولة، وهو ما قد يفسر عمل الفنان في التسعينيات من القرن الماضي في المسارح التجارية في الوقت الذي شهد انهياراً جماً بمسارح الدولة حتى إن كثيرا منها تحول لخرابات.

وإذا كنّا نحتفي بالفنان القدير الذي رحل عن عالمنا صباح اليوم الأربعاء مسرحياً، فإن هذا لا ينكر اختيار كثير من المخرجين له لتقديم مجموعة من الأعمال السينمائية والتليفزيونية الهامة، بل إن أدوار الراحل فيها، تمثل اكتمالاً للحالة والقيمة التي يفرضها صناعها على العمل من تقديم دراما جادة تحترم عقل وفكر المشاهد.
كلمات البحث
الأكثر قراءة