بين الجدل والترقب، كان مسلسل "حارة اليهود" مثاراً للحديث في وسائل الإعلامية العربية والغربية، البعض وجد فيه حالة يستعيد فيها ذكريات الماضي الذي لم يعشه إلا في الخيال من خلال بعض الروايات والكتب، وآخرون وجدوا أن العمل يحمل مغالطات تاريخية، وأن ما ظهر من العمل لا يعبر عن واقع الحي الشهير.
في حوار "بوابة الأهرام" مع الكاتب الدكتور مدحت العدل يجيب عن كافة التساؤلات التي أثيرت طيلة الأيام الماضية فيما يتعلق بتحريض اليهود الشيوعيين على الهجرة نافيًا أن يكون تعرض لهذه الفكرة في مسلسله، ومؤكدًا أن الدور الوطني للشيوعيين سيظهر في الحلقات المقبلة، والتي ستكشف أيضًا كيفية ركوب الإخوان على الثورات منذ القدم.
وصنف العدل في حواره مسلسله بأنه "دراما إجتماعية بالأساس هدفها متعة المشاهد" كما كشف عن أسباب عزوفه عن الحديث مع رئيسة الطائفة اليهودية قبل تصوير العمل، مؤكدًا على وجود مراجع تاريخي وآخر للطقوس الدينية، ووجه رسالة إلى النقاد فيما يتعلق بأداء الفنانة منة شلبي، وغير ذلك من التفاصيل في هذا الحوار:
- البعض يتساءل حول مدى جدوى تقديم عمل عن يهود مصر في الوقت الحالي، فما الهدف المباشر من وراء العمل؟
التسامح بين الشعب المصري هو الهدف الأساسي من وراء تقديم "حارة اليهود"، وما جراء ذلك من عدم توضيح العدو الحقيقي لنا والعنف الناتج عنه التطرف الديني وهو موضوع يكتب عنه في أي توقيت، ورغم أننا نناقش أحوال مصر عام 1948 إلا أنه ينعكس على الأوضاع السياسية التي نعيشها الآن أيضاً، وحالة تقطع الأواصل حتى داخل الأسرة الواحدة، فهي مسألة لابد من إعادة النظر فيها، فقد أظهرت الأحداث كيف كان المجتمع المصري يعيش متلاحماً مع بعضه دون التفريق بين ديانة الأشخاص.
- كيف تربط حاث اغتيال النائب العام هشام بركات بمقتل النقراشي باشا كما ظهر بأحداث "حارة اليهود"؟
استخدام الدين ليس في علاقة الإنسان بربه ولكن في استغلاله سياسياً والضحك به على البسطاء كما ظهر في إحدى حلقات العمل، حيث أغتيل النقراشي على يد طالب لا يعي شيئاً بدعوى أنه كافر ويهدم أركان الإسلام بحسب فكر هؤلاء، ونفس منطق العنف الذي تتعامل به الجماعات الإرهابية المتطرفة نستطيع تلقائياً الربط بين الحدثين في الماضي والحاضر.
- هل "حارة اليهود" مسلسل اجتماعي يحمل نكهة سياسية أم أنك تصنفه عملا تاريخيا؟
أساس العمل الفني "المتعة"، وأن يحرص الناس على متابعته، وماوراء الدراما يأتي الحديث عنه في مرحلة تالية، وأعتقد "الحمدلله" أنني موفق في ذلك إلى الآن فالجميع لديه شغف بمتابعة الأحداث بين "ليلي" و"علي" وغيرها، و"حارة اليهود" مسلسل اجتماعي بما يحمله من علاقات إنسانية بين المصريين، فأنا لم أقصد أن يكون عملا سياسيا والدليل أنه لا يوجد مثلاً صورة واحدة للرئيس جمال عبدالناصر رغم أن هناك حديثًا عن الثورة.
- فكرة "حارة اليهود" موجودة منذ 6 سنوات، فهل كان تقديم فكرة مسلسل "الداعية" عليه ملائمة لطبيعة المرحلة الصعبة التي تمر بها مصر إبان حكم الجماعة، حيث إن العملين يظهران جانبا من تاريخ الإخوان المسلمين؟
بالتأكيد، فعندما أقدمنا على تقديم "الداعية" جلسنا سوياً أنا وشركة "العدل جروب" خصوصًا وأن هذه المرحلة انتشرت فيها بكثرة القنوات الدينية التي كان لها خطاب تحريضي في عقول كثير من الناس مما كان له تأثير مدمر، ونحن دائماً عندما نقدم على مشروع نبحث عن هموم الناس، وما الهدف من وراء ما نقدمه، وبالمناسبة " قدمنا مسلسل الداعية في ظروف صعبة في ظل وجود محمد مرسي في الحكم ومعه المرشد، ولم نفلح في بيع العمل لأي محطة تلفزيونية قبل تاريخ 30 يونيو حتى أننا قررنا طرحه على موقع اليوتيوب حينها".
- هل مخاوف التسويق راودتكم أيضاً في "حارة اليهود" باعتباره عملا مثيرا للجدل؟
إطلاقاً بالعكس "حارة اليهود" من الأعمال التي سوقت بالأسم، لوجود اسم الجهة المنتجة بالتأكيد، وهنا أعيد وأكرر أننا ندرس خطة ما نقدمه جيداً في كل عام، فمثلاً مسلسل "تحت السيطرة" الذي نقوم بإنتاجه أيضاً هو فكرة المنتج جمال العدل، وكانت موجودة لديه منذ 5 سنوات، وكان لديه تصميم كبير على تنفيذها، حتى أنه أحضر لها كثيرا من المدمنين المتعافيين الذين جلسوا مع السيناريست مريم ناعوم لنقل صورة أقرب للواقع، وذلك لإحساسه بمدى خطورة هذه المشكلة بالمجتمع.
- هناك حديث عن طلب قنوات أجنبية لشراء العمل.. فما حقيقة ذلك؟
بالفعل هناك يهود مصريون مقيمون في أمريكا، سويسرا، وفرنسا أيضًا طلبوا شراء المسلسل، وقالوا لنا أن العمل قدم لهم ما يحاولون تعريفه للعالم حول منذ حوالي 50 سنة وكيف أنهم ضد فكرة الصهيونية، ومن المقرر أن تتم الاتفاقات عقب انتهاء العرض في شهر رمضان.
انتقل إلى مرحلة الجدل عن بعض الأحداث والتواريخ المذكورة، والتي ثارت مساراً للحديث طيلة الفترة الماضية..
- البعض نفي ماورد في الحلقة الأولى من وقوع غارات على حارة اليهود خلال عام 1948؟
هناك غارة حدثت في هذا العام من قبل الإسرائيليين بعد الحرب على منطقة عابدين ثم على القاهرة بحسب ما ورد في أحد مؤلفات الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل.
- هناك انتقاد كبير لمسألة تحريض اليهود الشيوعيين على الهجرة لإسرائيل؟
البعض تفهم الأمر خطأً، فأنا لم أقل ذلك تماماً في أحداث العمل، وكل ما حدث أن جملة وردت على لسان بنت تعمل في شيكورييل "ثقافتها على قدها" عندما قالت "أصله ملموم على شوية شيوعيين"، والحلقات المقبلة ستظهر الدور الحقيقي للشيوعيين في مصر منهم هنري كوريل، وشحاته هارون نجل ماجدة هارون.
- تردد أيضاً أن هناك أخطاء بالصلوات داخل المعبد التي ظهرت بالأحداث؟
فيما يتعلق بالطقوس اليهودية، فقد صاحبني أحد أطراف الطائفة وهو هاني عبد الكريم وقد راجع معي جميع ما يتعلق بالعبادات والصلوات، وحتى في طريقة الأكل والشرب، وطقوس الأفراح كما ظهر في رقصاتهم في فرح "ليلى".
- هل للمبدع حقه في استخدام الخيال الذي قد يجعله يخلق صورة جمالية تبتعد عن الواقع كما حدث في "حارة اليهود" التي قال البعض عنها إنها لم تكن بهذا الجمال؟
بالتأكيد الخيال يتدخل، لأنني في النهاية لا أقدم عملا تسجيليا فأنا أقدم حارة تجمع كافة الأديان والطوائف، وأهالي "حارة اليهود" ذاتهم أكدوا أن العمل يرصد حياتهم بواقعية في الزمن القديم بما فيها من تدرجات في المستويات الإجتماعية وتجار "الماني فاتورة" وقد اخترت شريحة معينة من الطبقة المتوسطة للحديث عنها بالمسلسل.
- في "حارة اليهود" يظهر أعضاء الطائفة اليهودية ينتسبون للمذهب الرباني وليس القرائي، وهناك أقاويل تعارض ذلك وتشير إلى العكس؟
هناك معبد رباني في الحارة يسمى "موسي بن ميمون"، ومن يسكنون حوله ويذهبون إليه، ومن الطبيعي أن يكونوا منتمين للربانيين.
- هناك أقاويل تشير إلى أن بيوت الدعارة ألغيت عام 1945، ورغم ذلك فأنها تظهر في العمل الذي تدور أحداثه في الفترة من 1948 إلى 1952؟
هناك رواية غير معتمدة تشير إلى أن سيد جلال عضو مجلس النواب هو الذي اثار هذا الأمر الذي اتخذت بعده الدولة قراراً بالإلغاء، لكن الثابت تاريخياً بحسب تأكيد أغلب الروايات يشير إلى أن بيوت الدعارة أغلقت بأمر من جمال عبد الناصر بعد عام 1952.
- ملاحظات رئيسة الطائفة اليهودية ماجدة هارون ربما كانت سريعة مع بداية عرض الحلقات، فما تعليقك عليها؟
في الحقيقة لم أتصور أن يكون هناك خلاف على "وجود ثلاجة أو أن فتحة الفساتين لم تكن قصيرة هكذا" بحسب ملاحظات رئيسة الطائفة، وكنت أتوقع ترحيباً منها بالصورة الطيبة التي يظهر بها اليهود في أحداث العمل، وربما يكون هناك بعض التحفظ منها على فكرة العمل باعتبار أنني لم أجلس معها، والحقيقة أنني قصدت ذلك حتى يصبح الموضوع طبيعياً دون "زعامة" فأنا لا أحب من يريدون إعطاء صبغة للموضوع من وجهة نظرهم خصوصاً وأن هناك كثيرا من المصادر الآخرى التي يمكن الاعتماد عليها.
- ما هي أهم المصادر والكتب التي اعتمدت عليها في كتابتك لحارة اليهود؟
كتاب محمد أبو الغار "يهود مصر من الازدهار إلى الشتات"، والموسوعة اليهودية والذي يضم عدة أجزاء، و"عن يهود مصر" لجمال حمدان، وأسرار ثورة يوليو، ديوان الحياة المعاصرة وغيرها كما أن هناك مراجعة تاريخية من الجامعة التاريخية لازمتني طيلة أحداث العمل، والتي قامت بإحضار أفلام تسجيلية لي عن المستعمرات الإسرائيلية خلال هذه الفترة.
- من الترحيب إلى الغضب والاستياء تقف إسرائيل أكثر ترقباً لـ "حارة اليهود"؟
كنت على وعي تام بما سيحدث، ولايهمني غضب إسرائيل فأنا أقدم الواقع كما قرأته وتخليته فقد كان هناك يهود وطنيين مثل ليلي مراد ويعقوب صنوع وآخرون في حين أن هناك بعض من يؤمنون بالصهيونية، والمشكلة أن إسرائيل تريد تحويل الصراع بينها وبيننا على كونه دينياً وليس سياسياً، فالأول إذا كان حقيقياً سيتطلب ذهاب اليهود جميعاً إلى إسرائيل دفاعاً عن الدين لكن إذا أصبح سياسياً فالأمر سيختلف.
- هل سيختفي دور الإخوان من الأحداث بعد مقتل حسن البنا؟
لا أفتح "قوس" للإخوان ولا أغلقه، فالإخوان دورهم انتهى بعد عام 1954، والحلقات القادمة ستظهر كيفية ركوبهم على ثورة يوليو وغيرها.
- من وجهة نظرك..هل الأنظمة السياسية كانت سبباً في إعطاء صورة سيئة عن اليهود المصريين وإفساد العلاقة بينهم وبين المصريين؟
لاشك أن قيام دولة إسرائيل كان الحدث الأهم في إفساد هذه العلاقة، وهناك روايات بحسب ما قرأته تشير إلى أن ليس الإخوان وحدهم هم المسئولون عن تفجيرات حارة اليهود ولكن الإسرائيلين أيضاً كانوا سبباً في ذلك حتى يشجعون على فكرة الهجرة، هذا بالإضافة إلى أن هناك بعض اليهود ضحك عليهم مثل ما حدث مع شباب الإخوان في الوقت الحالي والذين قاموا بعمل فضيحة لافون، وحدوث انقلاب في مصر لضرب علاقاتها مع أمريكا عام 1954 كما أن شباب الثورة ذاتهم كانوا يريدون حمايتها وحدثت بعض التصريحات المرتبكة بسبب ما عليهم من ضغوط، كل هذا بجانب ضرب المصالح اليهودية والضغط الدولي مما ساهم في وجود صورة ملتبسة بين اليهود والصهاينة لدى المصريين.
- من تحارب مصر الآن؟
نحن نحارب مخطط يريد تحويل مصر إلى عراق وسوريا بما فيها من خلافات وصراعات دينية "سنة وشيعة" وكل هذا يتم بتخطيط أكثر من جهة مثل أمريكا وإسرائيل وقطر وغيرها، فنحن في حرب كبيرة ومخططات قوية، والحقيقة أن رئيس الجمهورية يعي كثيراً ذلك لكن ما يحزنني هو أن بعض الشباب يتحدثون في الأمور دون وعي فالوقت الذي لابد أن نتوحد فيه على الأفكار.
- ماذا عن غضب الإخوان واستيائهم من "حارة اليهود"؟
طبيعي أنهم يدينوا المسلسل، لأنني أكشف حقيقة ركوبهم على الثورات، وكيف كان العنف السياسي مصاحب تاريخهم منذ البداية، وهذه ليست المرة الأولى التي يهاجمونني فيها.
- تميل في أغلب أعمالك مهما كانت الصراعات أن يكون لقصص الحب مكاناً في أحداثك؟
أريد أن أؤكد أن الحب موجود طول الوقت طالما أن هناك مشاعر، وفي الزمن الذي ظهرت فيه "مدرسة أبولو" للشعر لابد أن نتحدث عن الحب، وأنا أميل إلى هذه الرؤية في أغلب أعمالي فمثلاً عندما قدمت مسلسل "قصة حب" أظهرت العلاقة بين المنتقبة والناظر الذي وقع في حبها.
- كيمياء الأداء بين منة شلبي وإياد نصار خلقت متعة كبيرة في المشاهدة رغم وقوفهم معاً للمرة الأولى، فكيف تقيم أدوار كلاً منهما؟
بداية إياد نصار يمثل الشخصية بوعي شديد لأنه فاهم سياسة، فلديه حرفية بالدور "وماسك أدواته جيداً" سواء في إلقائه الشعر أو حديثه عن السياسة. أما منة شلبي فأعتبرها بعد هذا الدور كارثة تمثيل، وأنا أثناء كتابتي للشخصية قلت إن هذا الدور لن تقدمه إلا منة شلبي حتى أننى زعلت منها في البداية لأنها لم تكن واعية جيداً بأبعاده، فقد نجحت في نقل الصراع الداخلي بها بين الدين والحب والسياسة، وهذا أمر ليس سهلاً، وقدمته منة بإبداع واجتهاد شديد، وأقول للنقاد "إذا كنتم تعرفون بالتمثيل، أقول لكم أنها قدمت دوراً عالميا فليس كل من يقدم الصعب يصرخ ويصوت" ولم أحلم بممثلة غيرها تقدم الدور.
- بين الجدل واختلافات وجهات النظر..كيف ترى "حارة اليهود"؟
يضحك..الجدل دا جميل، "أنا كان ممكن أبطل كتابة سنتين لو مكنتش الحالة دي حصلت بعد كل هذا المجهود"، فالتبادل في وجهات النظر عظيم لكن السىء هو تسطيح الأمور وألا نتحدث في أشياء هامة بالعمل.
- إلى أى مدى تطورت الدراما في السنوات الأخيرة؟
هناك كتيبة من الكتاب يتفوقون من العام إلى آخر في الفترة الأخيرة، يطرحون موضوعات وقضايا جديدة ومميزة بطرق مختلفة منهم مريم ناعوم، محمد أمين راضي، محمد الحناوي، هالة الزغندي هذا بالإضافة إلى التطورات على المستويات الآخرى كالإخراج والتصوير وغيرها.
- ماذا عن مصير فيلم "الراهب" الذي توقف تصويره منذ فترة كبيرة؟
أتمنى أن يخرج العمل للنور، وسنحاول استئناف التصوير سبتمبر المقبل، فهناك ثمة خلافات في وجهات النظر بين هاني سلامة والمخرجة هالة خليل كانت في البداية ثم أصبحت تضارباً في المواعيد بين الطرفين بعد ذلك.