"الرئيس عبدالفتاح السيسي يستقبل الرئيس الفلسطيني ورئيس الوزراء الإسرائيلي في القاهرة لبحث عملية السلام".. هذا ليس خبرا بثته وكالات الأنباء العالمية، ولكنه "جس نبض" أطلقته الصحافة الإسرائيلية، وأقلع من منصة "يديعوت أحرونوت"، ولم يجد صدى في الدوائر الرسمية المصرية والفلسطينية، بل وأيضا في الدوائر الرسمية الإسرائيلية، التي تمتلك "أبراج مراقبة" حساسة للرد الفوري على ما تعتبره مهما، أو تريده أن يكون كذلك.
موضوعات مقترحة
الرئاسة الإسرائيلية تجاهلت ما بثته وسائل الإعلام العبرية اليوم الثلاثاء أن لقاءً ثلاثيا مرتقبًا في القاهرة سيجمع الرئيسين المصري عبدالفتاح السيسي والفلسطيني محمود عباس مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نيتنياهو للبحث في إمكان إحياء عملية السلام المتوقفة منذ أكثر من عامين، بما يوحي أن هناك تفاعلا مع الدعوة المصرية التي أطلقها الرئيس عبدالفتاح السيسي بهذا الخصوص.
الخبر الذي نشرته وسائل الإعلام العبرية ونقلته عنها صحف ومواقع عربية ودولية يحمل في طياته عديدا من نقاط الغموض والالتباس، لاسيما أنه لم يتم تأكيد الخبر من أي جهة رسمية في أي من الدول المعنية بالعملية أو حتى تلك التي تقوم بدور الوسيط، وبدا الأمر وكأنه محاولات "جس نبض" يدفعها التشكيك في نوايا كل طرف ومدى جديته في التعامل مع محاولات الوساطة واستعداده لتقديم تنازلات في هذا الإطار.
ساهم في الترويج للخبر وعرض مساحة كبيرة له في وسائل الإعلام أنه جاء بالتزامن مع زيارة للقاهرة – يفترض أنها غير معلنة- قامت بها مديرة إدارة الشرق الأوسط بوزارة الخارجية الإسرائيلية "افيفا راز شيختار"، وهو ما فرض على المهتمين بالقضية –خصوصا في ظل فقر المعلومات الرسمية - استدعاء تصريحات الرئيس السيسي والاجتهاد في ربطها بزيارة المسئولة الإسرائيلية، رغم أنها ليست المرة الأولى التي تستضيف فيها القاهرة مسئولين إسرائيليين في إطار بحث الملفات المشتركة في القضايا الإقليمية.
حالة من الالتباس والتشويش شهدتها وسائل الإعلام العربية والدولية في الفترة الأخيرة بشأن مسارات القضية الفلسطينية، وصلت في بعض مراحلها إلى التضليل –غير المقصود أحيانا- بسبب تعدد الوسطاء وتداخل المسارات بين السلام الإسرائيلي- الفلسطينى، والمصالحة الفلسطينية، بالإضافة إلى تشابك الوضع الإقليمي الذي تعتبر القضية الفلسطينية محركًا أساسيًا فيه.
التغييرات في الحكومة الإسرائيلية لعبت هي الأخرى دورًا في زيادة ضبابية المشهد، حيث يستعد اليميني المتطرف أفيجدور ليبرمان لتسلم حقيبة الدفاع، وهو المعروف بمواقفه المتشددة من عملية السلام، وله توجهات عدائية من القاهرة على خلفية تصريحات سابقة تجاه مصر، وهو التحرك الذي عكس تناقضا في مواقف تل أبيب بشأن تعاملها مع المبادرة المصرية – إن صحت تسميتها بالمبادرة- ويشكك في جاهزية الكيان العبري للتفاوض.
الحراك المصري في عملية السلام توازى مع آخر فرنسي غير واضح المعالم، ورغم عدم التوافق بين كل مكونات العملية بين الرفض والقبول إلا أن باريس تبدي إصرارا على المضي في هذا الطريق، فإسرائيل سارعت إلى رفض المبادرة الفرنسية، وحركة حماس التي لا يمكن إغفال وضعها في القضية رفضتها هي الأخرى، بينما السلطة الفلسطينية أبدت انفتاحها على كل الجهود واستعدادها للتعامل مع أي حراك في هذا الإطار، وهو ما يؤكد فكرة الالتباس بشأن التنسيق بين الجهود الفرنسية والمصرية وموقف دولة الاحتلال والسلطة الفلسطينية منهما.
المصالحة الفلسطينية تشكل هي الأخرى بعدا آخر في المأساة، فلم يعرف حتى الآن إلى أين وصلت جهود المصالحة التي تمت في الدوحة، فرغم تمسك حماس بالدور القطري الذي توقفت مساعيه لأسباب خلافية بين فتح وحماس إلا أنها الحركة الإسلامية التي تسيطر على قطاع غزة، تؤكد استعدادها للتعامل مع الطرح المصري بصفته اللاعب الأساسي في الملف ولا يمكن الوصول إلى تفاهمات بدون القاهرة، بالإضافة إلى دخول تركيا على خط الأزمة بين حركة حماس وإسرائيل ومحاولة توظيفها في إطار الصراع الإقليمي والإيديولوجي مع مصر، وكلها أمور تزيد الموقف التباسا، يفاقمه تأخر الإعلان الرسمي من القاهرة حتى الآن لتأكيد أو نفي اللقاء الثلاثي المزعوم.
القاهرة التي استقبلت مطلع هذا الأسبوع وفدًا من حركة الجهاد الإسلامي في إطار مساعيها لتحريك ملف المصالحة الفلسطينية كخطوة للتفرغ لعملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وهو مانتج عنه تكليف القاهرة لحركة الجهاد بتجميع الفصائل الفلسطينية ونقل مطالبهم في إطار الترتيب مع الجانب المصري –وهو ما أكده اللواء محمد عبدالمقصود عضو المجلس المصري للشئون الخارجية لـ"بوابة الأهرام".
الدكتور جهاد الحرازين القيادي في حركة فتح ، يؤكد أنه في حالة تلقي دعوة من الجانب المصري لعقد لقاء ثلاثي سيتم الاستجابة من الجهات الفلسطينية- وهو ما يعني أن الجانب الفلسطيني لم يتلق دعوة رسمية حتى الآن- حيث كان هناك تفاهم بين الرئيسين السيسي و أبو مازن حول إستراتيجية جديدة تتعلق بعملية السلام، مؤكدًا أن الرئيس السيسي كان واضحا فى دعوته واستعداده للوصول لحل للقضية.
الحرازين قال إن الانقسام الفلسطيني بين فتح وحماس لا يجب أن يقف عائقا أمام المصلحة العامة للوطن وعملية السلام، لأن القضية الفلسطينية أكبر وأعم من عجلة الانقسام.
وأوضح أن أهم الملفات المطروحة هي وقف الاعتداءات على الشعب الفلسطيني، والاعتراف بحدود الدولة الفلسطينية، وحقوق الشعب الفلسطيني ووقف دماء الاستيطان، مؤكدًا أنه إذا كانت هناك رغبة حقيقية لدى إسرائيل فعليها أن تقدم دليلا على حسن نواياها.