المتحدث الرئاسي ينشر صور الرئيس السيسي أثناء افتتاح البطولة العربية للفروسية العسكرية بالعاصمة الإدارية | إشادة دولية.. الهلال الأحمر يكشف كواليس زيارة الأمين العام للأمم المتحدة والوفد الأوروبي إلى ميناء رفح | قرار من النيابة ضد بلوجر شهيرة لاتهامها بنشر فيديوهات منافية للآداب العامة على المنصات الاجتماعية | الهلال الأحمر المصري: إسرائيل تعطل إجراءات دخول الشاحنات إلى قطاع غزة | "الحوثيون": استهدفنا مدمرة أمريكية في خليج عدن وسفينة إسرائيلية بالمحيط الهندي بطائرات مسيرة | الطرق الصوفية تحتفل برجبية "السيد البدوى" فى طنطا | الإسماعيلى .. برنامج تدريبي جديد لتجهيز اللاعبين استعدادًا للقاء الأهلي الأربعاء المقبل باستاد برج العرب | رئيس تنشيط السياحة: الخزانة العامة تستفيد بـ 35% من تذاكر الحفلات العالمية بمصر | حزب "المصريين": حضور السيسي فعاليات البطولة العربية العسكرية للفروسية رسالة مهمة للشباب العربي | أستاذ علوم سياسية: المساعدات الأمريكية لإسرائيل وأوكرانيا وتايوان تزيد من تفاقم الحروب |
Close ad

فاروق الدمرداش غادر الحياة مبتسما.. وصلاح منصور معلم «شكسبيري».. شهادات «فى صحبة الممثلين»

15-2-2021 | 13:58
فاروق الدمرداش غادر الحياة مبتسما وصلاح منصور معلم «شكسبيري شهادات «فى صحبة الممثلينصلاح منصور ومشهد من فيلم الزوجة الثانية.. إبداع في تجسيد الأدوار على مدار مشواره
الأهرام اليومي نقلاً عن

«الدكتور عبد الرشيد محمودى، ناقد وكاتب ومترجم مصرى كبير، مزج بين معرفة الفلسفة ودراسة أحوال الشرق الأوسط، قدم للمكتبة العربية تراجم فارقة كما فى «برتراند رسل.. فلسفتى كيف تطورت؟» و «الموسوعة الفلسفية المختصرة».

موضوعات مقترحة

وله كتابات فى مجال الشعر والرواية وتاريخ الأدب، من أبرزها «طه حسين الأوراق المجهولة .. مخطوطات طه حسين الفرنسية»، و«فلاسفة الأندلس.. سنوات المحنة والنفى والتكفير». فازت روايته «بعد القهوة» بجائزة الشيخ زايد للكتاب. وزاد نصيب محمودى من المعارف بفضل خبرته العملية التى كان من أهم محطاتها، عمله مترجما بمنظمة «اليونسكو» فى باريس، وتدرج بالمناصب هناك حتى بات مستشارا ثقافيا للمنظمة الدولية. وشغل العمل الإذاعى جانبا من مسيرته، إذ التحق فى مرحلة من حياته بالقسم العربى فى هيئة الإذاعة البريطانية « بى.بى.سى».

كانت هذه بعضا من وافر معارف وخبرات الناقد والكاتب الكبير الذى قادته سنوات حياته إلى جانب آخر من المعارف يجهله كثيرون عنه، وقد تعمد الكشف عنه على صفحات «الأهرام»، فكتب عما شاهده وعايشه «فى صحبة الممثلين».

لست من أهل التمثيل، وليس لى مواهب تمثيلية تذكر. ولكن شاء الحظ أن أتعرف على عدد من الممثلين والمخرجين، وأصبح لى من بينهم أصدقاء. حدث ذلك أولا فى القاهرة قبل السفر إلى لندن عندما أسهمت بالكتابة من الخارج فيما كان يسمى «البرنامج الثانى» الثقافى.أما التجربة الثانية، فجرت فى لندن فى الستينيات من القرن الماضى، إذ بدأت حينذاك أتعاون مع القسم العربى بهيئة الإذاعة البريطانية (بى. بى. سى). وتعرفت هناك على مخرجين شابين هما السودانى الطيب صالح الذى لم يكن قد كتب بعد روايته الشهيرة «موسم الهجرة إلى الشمال»، والمصرى عبدالرحيم الرفاعى الذى تخرج فى قسم الفلسفة بكلية الآداب، جامعة القاهرة، وهاجر إلى لندن، وانتهى به المطاف ليعمل فى الإذاعة السويسرية. وكان ذلكما الشابان صديقين حميمين دامت صداقتهما الوثيقة طيلة الحياة. وكانا فى الفترة التى عرفتهما فيها يخرجان برنامجا يذاع تحت عنوان «فى الإطار»، ويتألف من اسكتشات فكاهية أصبحت واحدا ممن يكتبونها، رغم أنى لم يكن لى سابق عهد بهذا النوع من الكتابة. اشترك بالتمثيل فيه عدد من المصريين من بينهم أحمد عبدالحليم (وكان حينذاك طالبا بالأكاديمية الملكية للفن الدرامى وأصبح بعد عودته إلى مصر مخرجا مسرحيا مرموقا)؛ وزوجته عايدة عبدالعزيز. وكان هناك أيضا أحمد زكى (المخرج، وليس نجم التمثيل المشهور). ويخيل إلى أن فاروق الدمرداش الذى وفد من باريس فى وقت لاحق شارك فى برنامج «فى الإطار». وكان الثلاثة، عبدالحليم وزكى والدمرداش من خريجى معهد التمثيل وتلاميذ زكى طليمات. ثم حدث فيما بعد أن صرت أمثل - وبطريقة من المفترض أن تكون فكاهية – أنا الذى كنت حينذاك طالبا للفلسفة، وليس بينى وبين الفكاهة أى رابط.

البداية مع «عالم الظهيرة»

كيف دخلت عالم التمثيل؟.. كانت نقطة البداية فى دعوة رئيس قسم الأخبار – الفلسطينى المرحوم يعقوب مسلم –إلى كتابة حديث أراد أن يأتى خفيفا فى فترة ما بعد نشرة الأخبار فيما كان يسمى «عالم الظهيرة». واقترح عليّ أن يكون الحديث تعليقا على رسم من رسوم الكاريكاتير التى تنشر فى الصحف البريطانية. وكانت المهمة صعبة، إذ كيف أعلق على نكتة بنكتة أو بعدد من النكات؟ ومع ذلك، فقد وفقت فيما يبدو فى أداء تلك المهمة، لأن الرجل الطيب يعقوب كان يطلب المزيد من تلك الأحاديث.

ولا أذكر الآن كيف أو متى على وجه التحديد أخذت أؤدى أدوارا ثانوية فى بعض التمثيليات، ولكن حينها تعرفت على عدد كبير من الممثلين المصريين الذين كانوا يأتون إلى لندن لسبب أو لآخر، ويفدون إلى دار الإذاعة لزيارة الطيب صالح بهدف المشاركة فى برامجه. وكنا فى تلك الفترة ننتقل بعد ساعات العمل إلى ما يسمى «نادى بى. بى. سى»، وينضم إلينا هناك بعض الزوار. وشهد هذا النادى لقائى بالنجوم عماد حمدى، ونادية لطفى، ويوسف وهبى، وسميحة أيوب، وماجدة.

توثقت علاقتى بعدد من الممثلين، ومنهم محمد فرحات عمر، أو «الدكتور شديد» كما كان يسمى فى برنامح «ساعة لقلبك» الإذاعى. كان من خريجى قسم الفلسفة بكلية الآداب، جامعة القاهرة، وحاول عندما جاء إلى لندن أن يلتحق بالجامعة لدراسة الدكتوراه. وقدمته إلى أستاذ بالجامعة لكى يشرف عليه. ولكن الأستاذ – وكان مصريا - سرعان ما اكتشف أن الطالب الذى سعى إليه لم يكن سوى الدكتور شديد. وكانت تلك هى نهاية مشروع الدكتوراه فى الفلسفة، حيث تفرغ صاحبنا للتمثيل الإذاعى فى أدوار لا تختلف كثيرا عن دوره فى «ساعة لقلبك». وربما كانت هذه حالة فريدة فى عالم التمثيل. ذلك أن هذا الدور استولى على الرجل تماما وألغى شخصية محمد فرحات عمر. ومما قد يؤكد ذلك أن الناس أصبحوا لا ينادونه إلا بقولهم «يا شديد»، ولم يكن هو نفسه يستجيب إلا لهذه التسمية.

نجما لـ « ثرثرة فوق النيل»

كان من بين الممثلين الذين تعرفت عليهم فى دار الإذاعة البريطانية صلاح منصور، ومحمود المليجى. وقد كنت ممثلا متواضعا بين هؤلاء المحترفين، ولكن أحدا منهم لم يشعرنى قط بأننى دخيل. ولم يتغير موقفهم، عندما أسند إلى المخرج المصرى أنور شتا دور البطولة فى تمثيلية اقتبستها من رواية نجيب محفوظ «ثرثرة فوق النيل»، وكان عنوان التمثيلية «شكوى أنيس أفندى زكى من الزمان». ويضيف: «وكان صلاح منصور أقرب الممثلين إلى نفسى من بين النجوم. ولم يكن هناك شيء أحب إلىّ من مجالسته فى النادى. كان رجلا عاديا بكل معانى الكلمة، وكان يذكرنى بشخصية «معلم بلدى» فى حى من أحياء القاهرة الشعبية. ولكن كان يثير دهشتى عندما أقف بجواره أمام الميكروفون، فقد كان يتحول عندئذ تحولا مذهلا. عند تكليفه مثلا بأداء دور فى مسرحية لشكسبير، فتراه عندئذ يؤدى الدور كما ينبغى وبطلاقة وبعربية فصحى لا تشوبها شائبة. ولا تدرى أين ذهب المعلم البلدى، فلقد نحاه جانبا وأخفاه تماما صلاح الممثل القدير.

يذكرنى ذلك بمحمود المليجى، فقد حدث ذات يوم أنه كان يجلس بجوارى على كرسى منخفض، وكنا فيما أذكر نستعد لأداء بروفة. وكنت أعجب له ولا أكاد أصدق عينى، أين هذا الرجل الطيب الوديع من المليجى الذى عرفته منذ طفولتى يؤدى دور الماكر الشرير أداء فذا فى السينما؟ وكيف استطاع «شرير السينما» هذا أن يؤدى دورا كوميديا كما شاهدته على خشبة مسرح إسماعيل ياسين فى مبنى سينما ميامى الحالية»

يخيل إلى أحيانا أن الممثلين يختلفون عن فئة الكتاب. فالممثل فى الحياة اليومية رجل عادى إلى أن يبدأ التمثيل، فيسيطر عندئذ على كيانه المادى، بما فى عضلات جسمه وقسمات وجهه ونبرات صوته، ليقدم لمن يشاهده صورة إنسان آخر. ذلك ما يخيل إلى حتى أتذكر أن أحمد زكى (صديقى المخرج) كان يمثل فى كل ما يأتيه من تصرفات فى الحياة العادية، وكان من الواضح أنه يستمتع بذلك.

«وقد حدث أن التقيت ذات يوم نجيب محفوظ فى مكتبه فى الأهرام، فوجدت الرجل العادى، بحيث يخيل إليك أنك مع نجيب محفوظ الموظف ولست مع الروائى العظيم. وقد سرنى أنه استمع إلى تمثيلية (شكوى أنيس أفندى زكى). وقال لى: (عندما سمعت اسم أنيس أفندى زكى بدا لى اسما مألوفا. وتساءلت عما إذا كان هو أحد زملائنا من الموظفين بالوزارة. ولكن تبين لى فى النهاية أنه ليس سوى صاحب تلك العوامة على النيل).

ثم حدث أن اختفى الجميع. رحلوا، ولم يبق منهم إلا فاروق الدمرداش. كان صديقا حميما التقيه فى لندن أو باريس أو القاهرة، فأجده ثابتا على العهد مثله مثل سائر أصدقائى الخلّص. كانت تجمعنا رابطة وثيقة من الشباب الدائم رغم تقدم السن. وكان فى المرحلة الأخيرة من عمره قد هجر التمثيل والإخراج، بعد أن أخرج للإذاعة البريطانية عددا من مسرحيات شكسبير من ترجمة الدكتور محمد عنانى. ولكنه كان يجمع الجنيه مع الجنيه لكى يتمكن من زيارة باريس عدة مرات فى السنة، ويقيم فى الفندق نفسه ويجلس فى شرفة المقهى نفسه (على ناصية أحد الشوارع فى الدائرة الخامسة عشرة)، ويذهب لمشاهدة سباق الخيل حيث يراهن بمبالغ صغيرة على حصان أو آخر، ويبحث فى المساء عن مطعم يقدم الأطباق الفرنسية التقليدية، أو ما يسميه الفرنسيون (طهو الجدة).

إلا أن باريس تغيرت، وتغير العالم، وتوارى فى واقع الأمر دور الراديو بعد أن سيطر التليفزيون والمسلسلات التليفزيونية على مجال التمثيل. ورحل فاروق، وإن لم يفقد بشاشته حتى آخر لحظة. اتصلت به من باريس تليفونيا، كان هو فى لندن فى طريقه إلى المستشفى. وقال لى بلهجة ضاحكة: (تصور أننى لا أستطيع السير إلا فى شبشب. قدماى لا تحتملان الجزمة). كانت مسيرته تلك إلى المستشفى هى رحلته الأخيرة فى الحياة. ولكنه غادرها مبتسما كعادته.


محمد فرحات عمرمحمد فرحات عمر
كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة