Close ad

حظه من الحياة سرير.. بولس سلامة المسيحي الذي مدح الرسول وآل البيت

12-2-2021 | 19:19
حظه من الحياة سرير بولس سلامة المسيحي الذي مدح الرسول وآل البيت بولس سلامة
نسرين مهران
الأهرام اليومي نقلاً عن

«علّمتنى الحياة أنّ أيام الصبا هى أطيب الأيام، وأصفاها مورداً، وأخصبها رُواء ونضرة آفاق.. وأنّ ألذّ ما فى الصبوة غفلتها الحلوة التى تلوّن العيش بكلّ أزهرَ باسم وازرق صاح، فتجعل من تافه اللعب ومبتذل اللهو، ودسم المأكل غاية الغايات.

موضوعات مقترحة

وتحسب الروابى التى تنتهى عندها تخوم القرية حدود الكون، وتظن ساحة البلد المحور الذى تدور عليه الأرض، كأنّ من أجل ذلك القطب تشرق الشمس، وإيناساً لذلك الريق يطلع القمر، فما أسعد الإنسان واهماً جاهلاً معالم المكان والزمان».

مضى على غيابه أكثر من أربعين عاماً ولا يزال شعره يتردد على مسامعنا وكذلك سيرته التى توّجته أيوب القرن العشرين للمعاناة التى عاشها جراء المرض والعمليات الجراحية. بولس سلامة رجل جلد بليغ؛ كتب كتابه «الصراع فى الوجود»، وهو على سرير المرض يصارع آلاما مميتة، فى مقدمته: كتابى هذا هو المحاولة الأخيرة التى قمت بها فى فترات هدنة الألم، بعد تسع عشرة عملية جراحية، ومرض احتلنى منذ ست عشرة سنة، ولم يزل يسمّرنى جريحا على سريرٍ لم أبرحه من سنواتٍ عشر.

هو شاعر وأديب لبنانى ولد سنة «1902» م فى بتدين اللقش قضاء جزين ـ لبنان، ودرس فى عدة مدارس، وبعد ذلك درس الحقوق فى الجامعة اليسوعية ثم عمل قاضياً فترة من حياته. له العديد من المؤلفات النثرية مثل: «حديث العشية» «1950» و«تحت السنديانة» «1969» و«حكاية عمر» «1962» و«مذكرات جريح» «1973» راوياً مذكراته ووقائعها. ورغم الجراح والآلام ظل الشعر والأمل يمدانه بأسباب الحياة وعناصر البقاء. كم مرة أنسته الكلمة نوبات الألم.

فى ختام كتابه «مذكرات جريح» يقول: «اللهم لئن شللتنى عن الحركة وعزلتنى عن العالم الخارجى فاعزلنى عن السيئات». ولبثت ملاحمه تنساب انسياباً كأنها المطر الهطول. وبقى الشعر عنده إبحاراً وفسحة حرية وصيداً بين ألمين: ألم الجسد وألم الروح.

بولس سلامة الشاعر المارونى نظم فى التاريخ العربى الإسلامى ما يدل على إيمانه العميق بالعروبة وانفتاحه وعدم تعصبه. نظم عام 1964 قصيدة طويلة بعنوان «عيد الستين» وتغّنى فيها بلبنان واصفاً أحواله. واستمر فى نظم القصائد الطويلة مثل «على والحسين» و»فلسطين وأخواتها».

غنّت له السيدة فيروز قصيدة «نوّار يا حلم الصباح» وقد سجلتها فى القاهرة عام 1955. كما غنّت له نجاح سلام أبياتا من قصيدة فلسطين وغنّت له ماجدة الرومى قصيدته عن لبنان «جاور الأنجم واحتل السحابا».

عيد الغدير

إذا كنت من اتباع آل البيت ومدحتهم..ما هو الفضل الذى يُنسب اليك! اما اذا كنت على ملة مختلفة ومدحتهم فان الفضل لا حدود له. لا توجد أجمل من كلمات بولس سلامة وجبران خليل جبران وميخائيل نعيمة والياس فرحات وجورج جرداق..كبار عرفوا القيمة الإنسانية والرابط الإلهى فكتبوا من أعماق الإيمان.

دخل بولس سلامة تاريخ الشعر العربى فى لبنان ودنيا العرب من باب الملحمة الشعرية، ولعل باكورته الشعرية «عيد الغدير» (3500 بيت) هى أولى الملاحم الشعرية فى القرن العشرين. فكتب فى حب الإمام علّى:

لا تَقُـل شيعةٌ هواةُ علــٍّى إنَّ كلَّ منصفٍ شيعـيـًا

هُوَ فخرُ التاريخِ لا فخرَ شعبٍ يَصطَفِيهِ ويَدعِيهِ وَلِـيَّـًا

ذِكْرُه إن عَرى وجومَ الليالى شقّ فى فلقة الصباح نَجيّا

يا عليَّ العصورِ هذا بيانى صِغتُ فيه وحيَ الإمام جليّا

مزج الشاعر فى هذه الملحمة بين التاريخ والأدب فكوّن فيها صورة كاملة لأهم الأحداث والمواقف فى التاريخ الإسلامى حيث تناول حياة العرب قبل الإسلام والتقاليد الجاهلية، ثم تطرّق لـ«مولد محمد»، و«هجرة الرسول»، والغزوات حتى وفاة الرسول. استعرض كذلك الدور البطولى للإمام على عليه السلام فى نصرة الدين وجهاده فى إرساء دعائم الإسلام.

وربّ معترض قال: ما بال هذا المسيحى يتصدّى لملحمة إسلامية بحتة ؟ أجل إننى مسيحي.. ولكن التاريخ مشاع للعالمين. أجل إننى مسيحى ينظر من أفق رحب لا من كوة ضيّقة، مسيحى يرى «الخلق كلهم عيال الله» ويرى أن: «لا فضل لعربى على أعجمى إلا بالتقوي»، مسيحى ينحنى أمام عظمة رجل يهتف باسمه مئات الملايين من الناس فى مشارق الأرض ومغاربها خمساً كل يوم، رجل ليس فى مواليد حواء أعظم منه شأناً وأبعد أثراً وأخلد ذكراً، رجل أطلّ من غياهب الجاهلية فأطلت معه دنيا أظلها بلواء مجيد كتب عليه بأحرف من نور: «لا إله إلا الله، الله أكبر».

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: