Close ad

بتر الروح

3-2-2021 | 19:21
بتر الروحصورة أرشيفية
خالد حسن النقيب
الأهرام المسائي نقلاً عن

ما أصعب أن تشعر بموت جزء منك وترى أنك لم تعد متصلا به ويدفن أمام عينيك لتبقى بدونه إلى الأبد.. !

موضوعات مقترحة

قبل بضعة أشهر كانت حياتى طبيعية هانئا مستقرا سعيدا بأسرتى الصغيرة زوجتى وابنتى أحتفل بعيد ميلادها الخامس ولا تسعنى الدنيا على رحابتها ولكن الفرحة انطفأت مع شموع عيد الميلاد بحادث مروع تعرضت له أثناء ذهابى لعملي، انقلبت بى السيارة عدة مرات فى صدام مع سيارة نقل فى الاتجاه المعاكس ولم أفق إلا على إحساس مبتور بالنجاة من موت محقق ولكن بغير ساقى اليمني.. !

لم يجد الأطباء بدا غير بتر ساقى التى تمزقت تماما ووجدتنى أواجه الدنيا بعجزى وقلة حيلتى وهوانى على نفسى والناس.. أصبحت بلا عمل موظفا على المعاش فى ريعان شبابه، حبيس الجدران تتلخص حركتى مابين فراشى وكرسى متحرك أو عكاز طويل أستند إليه ذهابا للحمام وإيابا لحجرتى لا أريد أن أرى أحدا ولا أن يرانى أحد وكم تمنيت لو أنى رحلت مع ساقى ولم تبق روحى مبتورة على قيد الحياة.

ازدادت قسوة الحياة بداخلى وقررت أن أنزوى بنفسى عن كل الناس الأصدقاء والمعارف حتى زوجتى طلبت منها أن تنفصل بحياتها وابنتنا عنى فما ذنبها أن تدفن شبابها مع عجزى وتركت لها البيت وكل شئ لأعيش منفردا فى منزل والدى القديم حبيس حجرتى أنتظر نهايتى وحدي.

لولا أن لى دخلا ثابتا معقولا بخلاف معاشى ما استطعت تدبير حياة كريمة لابنتى وزوجتى وما استطعت أن أعيش منفردا ولكن زوجتى مصرة على أن لا تنفصل وتأتى إلى تقضى لى احتياجاتى وأشعر أنى أثقل عليها أكثر وما بيدى غير أنها تحاول أن تخفف عنى بأن الحياة لا تنتهى بفقدان طرف من الأطراف ويمكنى التعايش بدونه وأحاديث أخرى كثيرة مفترض أنها تقال فى مثل حالتي.

كم أشفق عليها منى وكم أشفق على ابنتى أن ترانى هكذا أنا من كنت أحملها على كتفى وأجوب بها البيت والنادى وكأنى طائر يحلق فى السماء حاملا محبوبته يرقص معها رقصة السعادة الأبدية وفى قمة الحلم تسقط كل خيالات الفرح وتتحطم على واقع مظلم انطفأت فيه إضاءات روحى فهل أصلح للحياة من جديد ؟

وفى وسط هذا السواد المطبق على ليلى ونهارى تبقى هناك نقطة ضوء مازالت مضيئة ترتكز على ابتسامة بريئة فى وجه ابنتى أتتنى بها مع امها، جرت إلي، ارتمت ببن زراعي، كانت تنتظرنى أنهض بها من فراشى نتقافذ ونلعب وهالها جمودى وتصلب أوصالى ودموعى تبلل شعرها فى صدري.

قالت لى زوجتى أعود من أجل الصغيرة، أستند إليها وابنتى وتستمر الحياة، وقالت إن كنت فقدت ساقى فلم أفقدهما ومازلت أعيش من أجلهما وأقدم لهما الكثير وتحدثت طويلا حتى أحسست أنى تائه فى دائرة خوف وهلع من مواجهة نفسى والناس.

ترى هل أستطيع؟ إن كنت اعتدت التعايش فى الدنيا بأطرافى سليمة كيف لى التعايش فيها بساق واحدة؟ وكيف لى أن أواجه نظرات الناس والشفقة تملأ عيونهم؟ أين إرادتى التى كنت أواجه بها كل مصاعب الحياة وحققت بها نجاحات واعدة ومبكرة فى عملى وأنا بعد شاب صغير فى مقتبل العمر؟ هلى بترت إرادتى هى الأخرى وأورثتنى اليأس وعدم القابلية لكل شئ؟.

لم أعد متعلقا بالدنيا إلا من خلال صفحاتها وكأن حياتى المنعزلة باتت حياة افتراضية تماما كتلك الرؤى والصور والحكايات وعلاقات الصداقة والتعارف عبر فيس بوك وأرانى وكأنى أتحدث إلى نفسي.. ارتحت كثيرا لهذا فقد أخرجت من صدرى ما يجثم عليها مرا ثقيلا ولكن مازالت روحى مقيدة يغلها اليأس ومازلت عاجزا عن العودة للحياة فليرحمنى الله عز وجل من كل هذا الثقل على قلبى فلم أعد أحتمله.
ع. ك. القاهرة

يا أخى إن ما بك ماهو إلا قدر من أقدار الله على عباده لحكمة لا يعلمها إلا هو فما بيدنا من أمرنا شئ وعلى هذا جبلت الحياة ما بين السراء والضراء وكما يطيب لنا فيها ما يسرنا ونسعد به علينا أيضا أن نصبر على الضراء فيها امتنانا بنعم الله علينا وفضله ويقينا فى أن اختباره وإن كان قاسيا فهو نعمة ذات وجهين وجهة منهما يتمثل فى المحنة بكل ما يصاحبها من آلام وإحباطات وتبرز هنا قيمة الصبر على المحن كداعم من دعائم الإيمان الصادق، أما الوجه الثانى فيتمثل فى كونه منحة تبعث فى النفس قوة خفية من الإرادة والتحدى لتجاوز مرحلة المحنة إلى آفاق جديدة من المنح الإلهية المعوضة للنقص فما ابتلى الله عبدا بابتلاء إلا ووهبه ما يعوضه ويضاعف من قدراته فى مناح أخرى متعددة وأنت يا أخى من هؤلاء البشر المختبرين بابتلاء عليك أن تعلو فوق أسوار اليأس ولا تبتر روحك من نفسك كما كتبت عليك الأقدار أن تبتر ساقك فى اختبار هو مرحلة تحول محورية فى حياتك ما بين حياة وحياة أخرى مغايرة وكما نجحت فى حياتك الأولى بمقوماتك الطبيعية كاملة ثق فى أنك سوف تتجاوز المحنة وتنجح فى حياتك الثانية معتمدا على قدرة الله فيك وهى إرادة التحدى وأسباب الحياة الناجحة التى يهيئها لك المولى عز وجل وأبرزها هذه الزوجة الصالحة التى تعرف مهمتها فى الحياة جيدا إلى جوارك داعما قويا فهى تعرف المعنى الحقيقى للحب وتواؤم الروح مع الحبيب فهى فى الوقت الذى تتواءم وتتوحد معك فى محنتك تلفظها أنت بانعزاليتك المحبطة لا تدرى أن حبها ووفاءها لك هو الضوء المرشد لك فى حياتك القادمة وهناك يا أخى من الأجهزة التعويضية ما قد يعوضك بعض الشئ وينتزعك من انعزاليتك تركض فى الحياة متغلبا على إعاقتك بإرادتك المقبلة عداء لكل ما يحبطك أو يعوق طريقك وتذكر يا أخى قول الله تعالى فى محكم آياته »مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِى الأَرْضِ وَلاَ فِى أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِى كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلاَ تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ« (الحديد: 22، 23).

فلا تأسر نفسك يا أخى فيما مضى وكيف كنت وما آل عليه حالك وانظر للأمام بقلب مقبل لا مدبر وعد إلى من تحبك ولا تريد فراقك حبا ووفاء.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: