تُعرف ريادة الأعمال Entrepreneurship عموما بأنها "إنشاء مشروع جديد"، أو "عملية جني الأرباح من مجموعات جديدة وفريدة وقيمة من الموارد في بيئة غامضة وغير مؤكدة". علاوة على ذلك، فهي تعتبر قوة كبيرة للنشاط الاقتصادي، والتي تساهم في النمو الإيجابي لمختلف المؤشرات الاقتصادية والتنمية الاقتصادية بشكل عام. وبالتالي، فإن ريادة الأعمال أمرا بالغ الأهمية من أجل استغلال إمكانات التكنولوجيا المُبتكرة.
موضوعات مقترحة
معايير تنبؤية:
بوجه عام، تسلط أبحاث ريادة الأعمال الضوء على عدد من الأسئلة، مثل: "لماذا تنجح بعض المشروعات بينما يفشل البعض الآخر؟"، "ما هو جوهر ريادة الأعمال؟"، "من هو المُرجح أن يصبح رائد أعمال ناجحا ولماذا؟"، "كيف يتخذ رواد الأعمال القرارات؟"، "ما هي البيئات السوقية والتنظيمية التي تدعم أنشطة ريادة الأعمال الأكثر نجاحا؟". ومع ذلك، يصعب تجميع نظرية تفسيرية أو تنبؤية أو معيارية كاملة وقوية، تغطي مثل هذه القضايا، ويرجع ذلك أساسا إلى الطبيعة متعددة التخصصات المتأصلة في ريادة الأعمال. والأهم من ذلك، لا توجد إجابة واحدة حول سبب نجاح بعض المشروعات الجديدة، بينما يفشل البعض الآخر.
اختراق تكنولوجي:
في هذا الإطار، يمكن القول إن أحد أهم أشكال ريادة الأعمال اليوم هو ما يسمى بـ"ريادة الأعمال التكنولوجية Technology Entrepreneurship". يُطلق على هذا المظهر الجديد لريادة الأعمال أيضا اسم "ريادة الأعمال الرقمية Digital Entrepreneurship"، أو "ريادة الأعمال الإلكترونية E-entrepreneurship"، أو "ريادة الأعمال السيبرانية Cyber-entrepreneurship"، أو ريادة الأعمال التكنولوجية Technopreneurism".
يتم تعريف ريادة الأعمال التكنولوجية على نطاق واسع على أنها "تشكيل مشروعات جديدة وتحول الأعمال القائمة من خلال تطوير تقنيات رقمية جديدة و / أو استخدامات جديدة لهذه التقنيات". في الغالب، يتم التركيز على تطوير تقنيات جديدة، مما يُسلط الضوء على أنه يمكن إنشاء "الرقمنة Digitalization" من خلال التقدم التكنولوجي، مثل الإنترنت والأعمال الإلكترونية، والحوسبة السحابية، ووسائل التواصل الاجتماعي والبيانات الضخمة، والواقع المُعزز، والأجهزة القابلة للارتداء، وغيرها.
في الوقت ذاته، يمكن اشتقاق درجة معينة من الرقمنة من خلال طرق جديدة لاستخدام التقنيات الرقمية، مثل: الطبيعة الرقمية لمنتج أو خدمة، توزيعها الرقمي، درجة التسويق الرقمي أو البيع، وعمليات أخرى داخلية أو عمليات سلسلة القيمة أو مزيجها.
يختلف إنشاء وإدارة مشروع ريادة الأعمال التكنولوجي عن بدء مشروع تقليدي، حيث تتجاوز المشروعات التكنولوجية مجرد التكيف مع واستخدام التقنيات الرقمية. وبالتالي، تُعد التقنيات الرقمية بمثابة الدافع لأنشطة ريادة الأعمال والعامل التمكيني الذي يدعمها. وهنا، تظهر أهمية التساؤل عن كيفية اختلاف بدء مشروع رقمي عن آخر تقليدي، فضلا عن الحاجة لفهم الفرص والمخاطر الفريدة لريادة الأعمال التكنولوجية
مسئولية الحداثة:
يجب الأخذ في الاعتبار أن تصميم وإنشاء مشروع تكنولوجي يعتمد بشكل كبير على "الفن art"، حيث تشير الدراسات إلى أن احتمالية البقاء محدودة إلى حد ما بالنسبة للمنظمات الجديدة بشكل عام، والشركات القائمة على التكنولوجيا بشكل خاص. يمكن وصف هذه الظاهرة بـ"مسئولية الحداثة"، والتي تعني أن نقص الموارد العامة للمنظمات الجديدة، والافتقار إلى الشرعية، والروابط الضعيفة مع الجهات الفاعلة الخارجية، قد تحد جميعها من القدرة على التنافس مع اللاعبين الراسخين.
تتطلب الشركات الناشئة عقدا من الزمن لتأسيس نفسها: 20% من الشركات الناشئة في العام الأول من عملها، و60% بحلول عامها الخامس، و75% لم تنجح بحلول العام العاشر، و10% فقط منهم ينجوا بعد تلك النقطة. لقد تم اقتراح عدد من نماذج دورة الحياة التنظيمية، والتي تتضمن الانتقال من مرحلة "ريادة الأعمال" الأولية، إلى مرحلة لاحقة، حيث يهيمن على الشركة نوع أكثر بيروقراطية من النظام الإداري. وفقا لذلك، يمكن التمييز بين ثلاث مراحل مختلفة من نمو الشركة: "ريادة الأعمال" الأولية، و"النضج"، و"التراجع".
نظرا لانهيار معظم الشركات الجديدة في مرحلة ما بعد ريادة الأعمال، هناك حاجة لفهم ما يمكن أن تفعله الشركات في مرحلة ريادة الأعمال المُبكرة، وذلك من أجل ضمان استمرار بقائها ونموها، وتقليل معدل الفشل المرتفع لها. كلما ارتفع معدل نمو الشركة، انخفض احتمال فشلها، ومن ثم تزيد فرصتها في البقاء. وهنا، نجد أن العديد من الأنشطة التي تنخرط فيها المؤسسات الجديدة لتكوين الثروة، تحدث في مجالات الابتكار والنمو.
الابتكار .. أساس النجاح:
يوصف الابتكار Innovation بأنه "المحرك الذي يدفع نمو الإيرادات" في المؤسسات، بل وأنه أساس بقائها. علاوة على ذلك، فإن القدرة على الابتكار لها تأثير كبير على نمو الشركات على المدى الطويل. ولكن، إن متابعة الابتكارات لا ترتبط بالضرورة بالبقاء خلال المراحل الأولى من تطوير الشركة، حيث إن الابتكار في الشركات الناشئة يرتبط "سلبا" ببقائها اللاحق، وتزيد شهية رواد الأعمال للمخاطر من هذا الارتباط السلبي. تسجل الشركات المفلسة عموما قدرة ربح منخفضة، ونمو أبطأ في إجمالي الأصول، وأداء مالي أضعف. وبالتالي، فإن تأثير الصناعة التي تعمل فيها الشركة مهم أيضا على نموها.
ريادة الأعمال المُبتكرة:
يؤثر ظهور ريادة الأعمال المُبتكرة Innovation Entrepreneurship على نطاق واسع وإيجابي على التنمية الاقتصادية. على سبيل المثال، أدت ريادة الأعمال التكنولوجية المُبتكرة إلى ازدهار (اليابان) بشكل مُثير للإعجاب منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. كما أنها لا تزال عاملا فعالا في تعزيز اقتصاد السوق التنافسي للقرن الحادي والعشرين، حيث أنها تُشكل الركيزة الأساسية للتنمية الاقتصادية الحديثة والسياسة الحكومية في مجالات العلوم والتعليم والملكية الفكرية. علاوة على ذلك، فإن الافتقار إلى أنشطة ريادة الأعمال، وخاصة ريادة الأعمال المُبتكرة، هو أحد العوامل الرئيسية التي تُلقي باللوم على فقدان الزخم في التنمية الاقتصادية للعديد من دول العالم.
ريادة الأعمال التكنولوجية
إن صناعة التكنولوجيا المُبتكرة مليئة بالقصص المُثيرة للاهتمام، حيث تم استخدام الأفكار البحثية المُبتكرة في الشركات التي بدأت صغيرة، ولكنها نمت بسرعة إلى شركات كبيرة. لا شك أن صعود وسيادة "وادي السيلكون" هو سمة من سمات هذه الظاهرة.
تمكين البشر .. في المقام الأول:
في ريادة الأعمال التكنولوجية المُبتكرة، نادرا ما تكون التكنولوجيا نفسها هي السبب الرئيسي لفشل الشركات: فبدلا من ذلك، نجد أن المكونات البشرية والسلوكية هي الأكثر عُرضة للخطر. وهنا، يعتبر وجود "الفرصة" أمرا مهما في ريادة الأعمال، وله دور محوري في إنشاء مشروعات جديدة: ففي حين أن رائد الأعمال قد يكون مبدعا للغاية ويعمل بجدية، إلا أنه مع غياب فرصة للتركيز عليه، لا يمكن أن تتم أنشطة ريادة الأعمال.
يمكن اكتشاف و / أو إنشاء هذه الفرص، إما من خلال عملية إبداعية تدريجية تتضمن توليفات الأفكار بمرور الوقت، أو من خلال اغتنام الفرصة لتقديم سلع أو خدمات أو عمليات مُبتكرة. أيضا يعتبر السياق مهما، لأنه يؤثر على توافر الفرص، ويضع حدودا للإجراءات (الظروف أو المواقف أو البيئات الخارجية للظاهرة قيد الدراسة وتمكينها أو تقييدها). وبالتالي، هناك أهمية لفهم متى وكيف ولماذا تحدث ريادة الأعمال، وكذلك من يشارك في العملية، ويمكن أن يصبح أحد الأصول و / أو المسئولية، نظرا لأنها توفر للأفراد فرصا ريادية في الوقت نفسه، وتضع حدودا لأنشطتهم.
السياق الاجتماعي:
أيضا يرتبط سلوك ريادة الأعمال بالسياق الاجتماعي عندما يحدث، وعلى هذا النحو يجب تفسيره في السياق الذي يحدث فيه. ونظرا لأن ريادة الأعمال في مجال التكنولوجيا المُبتكرة غالبا ما تنطوي على إجراء الأعمال في بيئات صعبة - مثل الأسواق الناشئة والاقتصادات التي تمر بمرحلة انتقالية مع إطار مؤسسي غير مؤكد وغامض - يؤثر السياق على طبيعتها ووتيرة تطورها ومداها، وكذلك الطريقة التي يتصرف بها رواد الأعمال داخلها.
ريادة الأعمال التكنولوجية
ابتكارات تخريبية:
على الرغم من أن دمج الابتكار يعتبر أحد أكثر الإستراتيجيات قابلية من حيث التطبيق لريادة الأعمال الناجحة، إلا أن التنفيذ الناجح لابتكار الشركات مازال بعيد المنال لمعظمها. فقد تفشل العديد من الشركات الكبرى في تطوير ابتكارات تخريبية ناجحة "أي تلك التي تصنع سوقا جديدا"، وذلك يرجع إلى عدة عوامل:
عدم القدرة على التخلص من النماذج العقلية المتقادمة، والتصميم المهيمن الناجح أو مفهوم الأعمال التجارية، ومناخ الشركة الذي يتجنب المخاطر، وسوء إدارة عملية الابتكار، والافتقار إلى كفاءات المتابعة الكافية، وعدم القدرة على تطوير بنية تحتية داخلية أو خارجية إلزامية. والأهم من ذلك، أن الهيكل التنظيمي والثقافة، وطريقة تصميم الوظائف، وتنظيم العمل، وإدارة الموظفين وتقييمهم وفقا لأدائهم، تعتبر جميعها عوامل ضرورية في سياق مشروع الشركة الجديد.
سمات رواد الأعمال:
تتضمن خصائص الفريق المؤسس في شركات التكنولوجيا العالية، للتخفيف من "مسئولية الحداثة". والأهم من ذلك، يرتبط نمو الشركات القائمة على التكنولوجيا الجديدة بخصائص مختلفة لرأس المال البشري للمؤسسين، والذي يعرف بـ"الفريق المؤسس":
(1) طبيعة تعليم المؤسسين: سنوات من التعليم الجامعي في المجالات الاقتصادية والإدارية، وبدرجة أدنى، في المجالات العلمية والتقنية، والتي تؤثر بشكل إيجابي على النمو، بينما لا يؤثر التعليم في المجالات الأخرى.
(2) ترتبط خبرة العمل السابقة في نفس الصناعة بشكل إيجابي بالنمو، في حين أن خبرة العمل في الصناعات الأخرى ليست كذلك. علاوة على ذلك، فإن خبرة مؤسسي العمل الفنية (مقابل الخبرة التجارية) هي التي تحدد النمو.
(3) تؤدي الخبرة السابقة في ريادة الأعمال لدى أعضاء الفريق المؤسس إلى نمو فائق.
(4) إن الخبرة الوظيفية غير المتجانسة للفريق المؤسس، عندما تقترن بالخصائص التكنولوجية لعرض الشركة، من شأنها أن تزيد من احتمالية بقاء الشركة.
(5) مزيج مما سبق: تظهر المكاسب التآزرية عندما يتم الجمع بين القدرات التكميلية للمؤسسين الاقتصادية والإدارية، جنبا إلى جنب مع التعليم العلمي والتقني، جنبا إلى جنب مع خبرة العمل التجارية الخاصة بالصناعة.