Close ad

ميدان التحرير قلب البلد والحدث معا.. شاهد على تاريخ مصر.. عشقته الأسرة العلوية وسلاطين المماليك

24-8-2020 | 17:20
ميدان التحرير قلب البلد والحدث معا شاهد على تاريخ مصر عشقته الأسرة العلوية وسلاطين المماليكميدان التحرير
دعاء جلال

مابين مسمياته العديدة التى أطلقت عليه، وبين الأحداث التاريخية والسياسية المهمة التى عايشها، وما بين تطور الصورة التخطيطية التى تلونت بها أرضه ، نشأت وتطورت قصة أكبر وأهم ميادين القاهرة، ميدان التحرير، الذى لم يكن دوما يحمل هذا المسمى.

موضوعات مقترحة

من «زريبة قوصون» إلى «ميدان الحرية»

ياسمين الضرغامى الباحثة فى مجال التراث والتاريخ المصرى، أعدت دراسة شاملة حول تاريخ وتطور الميدان، استعانت فيها بإسهام عدد كبير من الدارسين والمؤرخين لتاريخ أحياء وشوارع القاهرة - بدأت حديثها لـ»الأهرام« أوضحت فيها أن موقع ميدان التحرير كان يطلق عليه من حوالى مائتى عام «زريبة قوصون» نسبة لأحد أمراء المماليك ولم تكن ذات أهمية تذكر وبسبب تراجع النيل شرقا فى القرنين الـ13 والـ 14جفت أرضها، وأصبحت حقلا لزراعة الذرة وحظيرة لتربية المواشى والأغنام.

ثم تحققت نقلة جديدة فى تاريخ الموقع، فى عهد محمد على باشا الكبير، عندما قام ببناء قصر يطل على نهر النيل لابنته الأميرة نازلى، ومن هنا جاءت تسمية هذه المنطقة بمنطقة قصر النيل. وعندما تولى سعيد باشا الحكم، وكان مفتونا بالعسكرية وفنونها، قام بشراء القصر وهدمه لتحل محله ثكنات عسكرية، وفى عام 1882 وفى عهد الخديو توفيق وقع الاحتلال البريطانى لمصر وقام الجيش البريطانى باحتلال تلك الثكنات، وعندما جاءت ثورة 1952 تم هدم هذه الثكنات. وبعد ثورة عام 1919، أطلق اسم »ميدان الحرية«على الميدان.

رؤية إسماعيل.. وشهادة المقريزى

أجمعت المصادر على أن تلك المنطقة المحورية، لم يصبح لها شأن يذكر إلا بعد الزيارة الفارقة التى قام بها الخديو إسماعيل إلى باريس عام 1867. بعدها قرر بدء العصر الذهبى للعمارة فى مصر، منطلقاً من «الأزبكية» شمال الميدان الحالى، وشيد «دار الأوبرا»، وأحيطت المنطقة بشوارع واسعة ومبان وقصور فخمة.

ووفقاً لما ورد فى كتاب «من الخطط التوفيقية الجديدة لمصر القاهرة و مدنها و بلادها القديمة و الشهيرة» لعلى باشا مبارك، فإن الخديو إسماعيل كان شغوفاً بحب البناء، فشرع فى بناء سرايا الإسماعيلية الكبيرة مكان «جزيرة العبيط» بعد أن قام بشراء ما كان بها من المنازل والقصور، لكنه قرر وقف العمل فيها بعدما كلفته أموالا طائلة.

وقد استشهد مبارك بالمقريزى وتأريخه لهذه الفترة، معتبرا أن هذا الميدان كان فى البداية يعرف بـ«بستان الشريف ابن ثعلب» واشتراه منه السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب، و«جعله ميداناً به مناظر جميلة تشرف على النيل الأعظم» على حد تعبير المقريزى. ويضيف المقريزى فى هذا الشأن: «وصار السلطان يركب إليه ويلعب فيه الكرة»، وظل هذا الوضع إلى أن انحسر ماء النيل عنه، فقام الملك الظاهر ركن الدين بيبرس البندقدارى ببناء ميدان بطرف أراضى اللوق «ميدان التحرير»، ثم جاء السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون وأحضر من دمشق الأشجار بأنواع مختلفة وصار بستاناً عظيماً.

ووفقاً للمقريزى: «أنعم بن قلاوون على الأمير قوصون بهذا البستان فعمر الزريبة التى عرفت بـ«زريبة قوصون»على النيل وبنى الناس الدور الكثيرة هناك، ثم تلاشى هذا البستان وأصابه الخراب بسبب سوء أحوال قوصون ليسيطر الناس على أرضه». وفى عام 1871، نالت أرض قوصون قدر قليل من التطوير فى عهد الخديو إسماعيل، تمثل فى تشييد قصر آخر بنفس موقع مجمع التحرير اليوم.

ومن علامات المنطقة حينها، مسجد صغير إلى جانب هذا القصر، سمى بمسجد «العبيط» نسبة إلى الشيخ محمد العبيط، الذى يقال إنه كان من «بصاصين» محمد على باشا، فيما رآه بعض الناس أنه من الصالحين، ولذلك عند وفاته بنى له الناس ضريحا داخل المسجد وسموه باسمه، وعندما جاء الملك فاروق وقرر بناء تمثال لجده إسماعيل باشا أمام مسجد الشيخ العبيط، أصدر أمرا بهدم المسجد وبناء آخر أطلق عليه مسجد الملك فاروق، ولكن فى ذلك الوقت قامت ثورة 1952 وتم تشييد مسجد «عمر مكرم» محل الموقع ذاته.

وفى تعليق الباحثة ياسمين الضرغامى، فهناك تحول بارز، ومتمثل فى تشييد كوبرى حديدى لربط الجزيرة «الزمالك» بمنطقة «الإسماعيلية»، وهى منطقة وسط البلد، عام 1872، وفى عام 1881 تلقى الكوبرى هدية عبارة عن أربعة أسود برونزية أبدعها النحات الفرنسى هنرى جاكمار، ووصلت إلى مصر عبر ميناء الإسكندرية.

وبدأت ملامح المدينة الحديثة التى كان يحلم بها الخديو إسماعيل فى الظهور، وانتقل العديد من الشخصيات المرموقة للسكن بالقرب من «ميدان الإسماعيلية»، كما كان يطلق قديما على ميدان التحرير حاليا. وفى مقدمة الشخصيات المرموقة ساكنة المنطقة الجديدة، تأتى هدى هانم شعراوى التى شيدت فيلا «أندلسية» الطراز تطل على الميدان. كما كان يوجد مقر قصر أحمد خيرى باشا، وزير المعارف، ذو الطراز الإسلامى على الجانب الشرقى من الميدان، وقد اشتراه منه الثرى اليونانى وملك التبغ نستور جناكليس، وحول القصر إلى مصنع للسجائر، وكذلك كان قصر الأميرة نعمة الله، شقيقة الخديو عباس حلمى الثانى، ومقره الآن مبنى وزارة الخارجية. أما شمالاً على شاطئ النيل، فقد شيد الوزير يعقوب بك قطاوى فيلا قامت بشرائها فيما بعد صاحبة الصالون الأدبى الشهير فى ذلك الوقت قوت القلوب الدمرداشية.

«جناكليس» من قصر إلى جامعة

وحدثت نقلة جديدة فى سيرة ومسيرة الميدان، فقبل نهاية القرن التاسع عشر، أمر الخديو عباس حلمى الثانى ببناء المتحف المصرى فى المنطقة الشمالية لميدان الإسماعيلية «التحرير» على امتداد ثكنات الجيش البريطانى بالقاهرة عند قصر النيل. وعهد بإدارته إلى العالم اجوست مارييت، وقام بتشييد المتحف المعمارى الفرنسى مارسيل دورنون، وتم وضع حجر الأساس عام 1897.

وظل الميدان يحمل اسم «الإسماعيلية» لأعوام عديدة، حتى جاء الملك فؤاد وأمر بتغيير اسمه إلى ميدان «الخديو إسماعيل» عام 1933، وفى ذلك الوقت كان نستور جناكليس قد ترك قصره للجامعة المصرية «جامعة فؤاد»، والتى انتقلت بموقعها الدائم فى الجيزة وأطلق عليها جامعة القاهرة، كما انتقل قصر جناكليس الذى آل منذ عام 1920 إلى الجامعة الأمريكية بميدان التحرير، ويعتبر أقدم المبانى الباقية فى الميدان.

وفى نهاية عهد الملك فؤاد، صُممت حديقة مستديرة فى وسط الميدان توسطتها قاعدة تمثال رخامية وُضعت فى بداية عهد الملك فاروق، الذى كان يريد إقامة تمثال لجده الخديو إسماعيل، ولكن هذا الأمر لم ينفذ وتم رفع القاعدة الرخامية من الميدان عام 1987 أثناء حفر مترو الأنفاق. ووفقا إلى الضرغامى -الباحثة فى مجال التراث والتاريخ المصري-، فميدان التحرير الذى حمل ذلك المسمى منذ عام 1953، كان له اسم آخر غير معروف بالنسبة لأغلبية المصريين، حيث اطلق عليه «ميدان السادات»، وذلك عقب اغتيال الرئيس الراحل محمد أنور السادات تكريماً له.

مسميات عدة وتاريخ طويل عكست توالى رؤى وعصور. ، شهد فيها الميدان أحداثا عظمى، منها الثورة العرابية 1881، وثورة 1919، ومظاهرات 1935 ضد الاحتلال الإنجليزى، وكان تجسيدا لتحرير مصر من الملكية عقب ثورة 23 يوليو 1952. كما جسد بالطبع مركز حياة ثورة 25 يناير 2011، وثورة النهوض المصرى الثانى فى 30 يوينو 2013، ليأتى بصورته الجديدة وتحوله المعمارى والجمالى، كعهده دوما، ليعد مرآة تعكس تطور مصر سياسيا واجتماعيا واقتصاديا.. إنه ميدان التحرير، قلب البلد.


نقلا عن صحيفة الأهرام

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة