أربعة عشر شاعرًا وشاعرة من سوريا، فتحوا للقصائد نوافذ على الأحمر القاني؛ لون الدم، ولون الورود أيضًا، في ملف أعده الشاعر السوري عماد الدين موسى، واستضافته مجلة الشعر الفصلية المصرية في عددها الأخير (161، ربيع 2016)، برئاسة تحرير الشاعر الدكتور فارس خضر.
"الشعر السوري تحت القصف"، عنوان الملف، الذي شارك فيه، على الترتيب، كل من: أمير الحسين، إنانا الصالح، حسن إبراهيم الحسن، لينا شدود، إبراهيم قعدوني، عماد الدين موسى، يزن العبيد، ماهر جمّو، عمر يوسف سليمان، آلاء أبو الشملات، فايز العباس، عبود سمعو، نسرين أكرم خوري، نادين باخص.
أكثر من ملمح جمالي، وخيط رؤيوي وفكري أيضًا، يمكن تعيينه في قصائد الملف، بقراءتها قراءة متأنية، فهي وإن كانت قصائد تحتفي بالإنساني المشترك، معوّلة على طموحات الفرد البسيط ورغباته القريبة الملموسة، ولا نقول "أحلامه" في واقع كابوسي، فإنها من جهة أخرى غير منقطعة الصلة بذهنية تعي حراكها الاجتماعي والسياسي جيدًا، وتستشرف ما قبل وما بعد الحرب بقدر ما تستشعره من لظاها الكاوية.
هي قصائد، العام والخاص فيها سواء، والفني الخالص هو المدخل الوحيد الملائم لتعاطي ما تطرحه من قيمة باقية، تتجاوز العارض والزائل. النثرية السائدة في قصائد الملف، هي خيوط الفرد المتناثرة في عمله اليدوي الشاق، التلقائي والمهاري معًا، كل شاعر على حدة.
ليس من مصنع يعمل فيه معًا هؤلاء الفرقاء، أو حتى الأصدقاء، كي يمكن الحديث عن قماشة جامعة. هي "قصائد من سوريا"، كتسمية أدق. وهم كذلك شعراء لا يعيشون في فراغ، كتأكيد مضاد على أن إحداثية ما، مكانية وزمانية، معلومة، من غير المستحيل التقاط تردداتها المغايرة، أو المتناقضة، لدى هذا الشاعر، وذاك.
إن نسبة مثل هذه القصائد، إلى حدث ما، مهما يكن قدره، كأن تُعنون بقصائد الثورة أو كلمات الربيع العربي أو حصاد الحرب، إهدار في حقيقة الأمر لأبرز ما تراهن عليه وتحتفي به، وهو أن تبقى الكلمات العزلاء، غير الخطابية ولا المبهرجة، الحرة بالضرورة وغير المنقادة إلى يقين واحد، قادرة دائمًا وأبدًا، في أي مكان وزمان، على استحضار الإنسان النابض، حتى من قلب الغياب، وتثوير الحياة بمعطياتها الكاملة على إرادة الموت المنقوصة.
تلك هي الدهشة، والمفارقة في آن. وهذه نماذج من قصائد الشعراء، تنطلق من مركز صغير اسمه "الغياب"، إلا أن الذي يتولد هو "الحضور" بكل تأكيد..
"هل يرضيكَ أنني الآن
أبحر وحيدة؟
ثمة خداع بصري يخرّب عليّ المشهد،
ربما، لن يستغرق الأمر بالنسبة لكَ أكثر من طرفة عين.
ركودُ الهواء يكاد يصيب روحي بالخدَر،
ونظراتي الزائغة تعاند انسياب الزمن
كم أتذكر أصدقائي الذين رحلوا
وحيدين على قوارب نجاتهم"
(لينا شدود)
* * *
"كان على أحدنا أن يهزم نفسه
حين داهمنا منجل الغياب
وانكسر الوقت الأصفر على نفسه"
(إنانا الصالح)
* * *
"لا شهداء في الحرب،
كلنا موتى.
سوف تنصفنا هذه الحرب
اطمئنوا
فنحن ضحاياها،
وستكون لأبنائنا جثتها"
(إبراهيم قعدوني)
* * *
"في يدي زهرة،
أريد غصنًا لها.
وعلى كتفي طائر،
يرغب في زهرة.
في الحقل شجرة تشتاق الزقزقات،
وتتحسس بين أغصانها دفء الأجنحة،
وفي عيني حلم مقصوص الجناح"
(عماد الدين موسى)
..
"كان الخريف يهبط على ذلك الدرب البعيد،
كنتَ غافيًا في سيارة،
والطريق المختلّ يهدهد لك.
حين أفقتَ كان كل شيء حولك ميتا:
وجوه أصدقائك، الورود في غرفتك، والطريق.
وحدهما عكازتاك كانتا تورقان تحت يديك"
(نسرين أكرم خوري)
* * *
"الآن لن أقول أكثر من:
دعي حزني يرتّبُ
نياشينَ الزمن الأبيض..
تقلّدَتْنا،
يوم كنا
لا نرى آثارًا
لأقدام مسيرنا،
والراعي يدلل خرافه
على الأكتاف..
وسأزيد أن:
دعيني ألملم بقايا فرح كُنّاهُ
وأنفض ما تبقّى من غبار روحكِ
عن روحي المتعبة
يا..
صديقتي الـ"كانت"
(نادين باخص)
------
للتواصل:
[email protected]