في حوار سابق لي مع الكاتبة هناء عبد الهادي ومجموعة من الأصدقاء كنت أسألهم عن السبب الذي يدفعهم للكتابة، وما الهدف من وراء ذلك، ما الذي يعتمل في عقولهم أثناء الكتابة، وما الذي يريدون إيصاله للقارئ؟ فكان ردها علي ككاتبة أنها تحتاج إلى ذلك ،تحتاج لأن تكتب، الهدف ذاتي إذن قبل أي شيء.
موضوعات مقترحة
فقبل أن ننظر للقارئ نحن ننظر إلى أنفسنا. وهذا يوصلنا إلى أمر حتمي وهو أن ما نكتبه لا بد وأن يعبر بالضرورة ولو بشكل جزئي عن أنفسنا وعن أفكارنا وهمومنا والقضايا التي تشغل بالنا، وغالبًا ما يظهر هذا الأمر بشكل أكبر في أعمال الكاتب الأدبية الأولى ،وقد يستطيع التخلص من أثرها عليه في أعماله اللاحقة وقد لا يستطيع.
يقودني هذا إلى الحديث عن "هوامش بحجم المتن" للكاتبة هناء عبد الهادي، بعنوانه المثير للاهتمام اللافت لنظر القارئ منذ أول لحظة ليتساءل ما المقصود بهذا ؟ وما هو الهامش-في الرواية هنا- وما هو المتن؟
ولابد أن نفهم منذ اللحظة الأولى أن هناك أمورا هامشية تحدث في حياتنا تكون مساوية للمتن (الأكثر أهمية في الكتاب / محتوى الكتاب نفسه).
ينطلق القارئ مع الكاتبة منذ اللحظة الأولى في رحلة داخل النفس البشرية وخارجها بما ينطبع عليها من أفعال ظاهرة.أو لنقل في ثنائية بين الداخل/الخارج أو الظاهر/الباطن.
وذلك مع عدد كبير من الشخصيات/الأبطال بدرجة إلى حد ما متساوية ،وإن كنا نشعر أن شخصية"حنان" تسيطر أكثر على السرد أو تمتلك حضورا مؤثرا وجاذبا في الوقت ذاته.
تحكي الكاتبة حكاية كل شخصية على لسان نفسها مرة وعلى لسان غيرها مرات أخرى لتكون الرؤية للشخصية من أكثر من زاوية حتى وإن لم تختلف الرؤية من شخصية لأخرى فرؤية كل شخصية للأخرى ما هي إلا تأكيد لغيرها.
وشخصيات الرواية لا تقتصر على الشخصيات النسوية فحسب وإنما شملت الجنسين،وكانت الرؤية إلى حد كبير موضوعية لذا لا نستطيع اتهام الكاتبة بأي حال من الأحوال بالتحيز أو الانحياز إلى جانب المرأة ،خاصة وأن الموضوعات المختلفة والمتعددة التي عرضتها الكاتبة موضوعات شائكة تنوعت بين الحب والزواج والخيانة الزوجية ورؤية الرجل للمرأة والعكس والختان والعمل وغيرها من الموضوعات المتداخلة والمتشابكة.
وفي تشابك مع الموضوعات والقضايا الاجتماعية تسير القضايا السياسية الأبرز بل والاجتماعية أيضا وهي ثورة الخامس والعشرين من يناير.تسير مع أول الرواية وتنتهي بها الرواية.
وهنا نتساءل أيهما الهامش وأيهما المتن .هل حكاية هذه العائلة برجالها ونسائها هي الهامش (رغم أهميتها) وما يحدث من ظروف سياسية ومجتمعية هو المتن ،أم العكس هو الأصح. وأعتقد أن النص يحتمل التأولين . كل على حسب رؤيته.
أم أن الهامش والمتن يكون على مستوى كل شخص حيث تحدث أمور هامشية في حياتنا وفي دواخلنا لها أهمية قصوى بحجم الأحداث الكبرى في حياتنا.
ركزت الكاتبة -كما سبق وقلنا- على ما يعتمل داخل النفس البشرية ،على رغباتها وشهواتها وطموحاتها وتوقعاتها ،وطرقت أبوبا كثيرة ربما يكون الحديث عنها محظورا ،أو ربما يخفيها الأشخاص في دواخلهم بدون الإفصاح عنها رغم حدوثها المتكرر في الكثير من الأسر المصرية عموما.
لذا سيخرج القارئ غالبا سواء أكان رجلا أم امرأة وهو يتساءل :أي الشخصيات أنا؟ أو سيجد أمورا مشتركة بين كل الشخصيات ويكوّن منها شخصيته.
تعاملت الكاتبة مع الزمن تعاملا مميزا فلم تعتمد على الترتيب الطبيعي للزمن ،بل كان هناك تأرجح في الزمن بين الماضي القريب والأبعد والحاضر.ليكوّن القارئ في نهاية الرواية قصة متكاملة ومرتبة زمنيا عن كل شخصية.
وجاءت الرواية في أسلوب غاية في البساطة فنوعت الكاتبة ما بين استخدام الفصحى والعامية . إضافة إلى خلو الرواية تقريبا من المقاطع الوصفية للأشخاص أو الأماكن. وكذلك العبارات الشارحة فكانت الجمل بسيطة وقصيرة ومختصرة.