Close ad

في مئوية الثورة البلشفية.. 10 أيام قدمت الكثير للأدب

8-11-2017 | 00:22
في مئوية الثورة البلشفية  أيام قدمت الكثير للأدبمكسيم جوركي مع جوزيف ستالين
محمد فايز جاد

"10 أيام هزت العالم" كان هو العنوان الذي رآه جون ريد الأنسب لكتابه ، الذي أرخ فيه لأحداث ثورة أكتوبر، أو الثورة البلشفية، التي تحتفل روسيا اليوم بمرور مائة عام على اندلاعها بقيادة الزعيم الراحل فلاديمير لينين.

موضوعات مقترحة

الثورة البلشفية التي اندلعت في 25 أكتوبر من عام 1917 وأنهت الحكم القيصري،  لتبدأ عهدًا جديدًا كان فيه الاتحاد السوفييتي محركًا أساسيًا للسياسة العالمية في مواجهة الولايات المتحدة، هذه الثورة لم تكن آثارها سياسية فحسب، وإنما تركت كذلك إرثًا فكريًا كبيرًا تجلى في نظرية نقدية ظلت فاعلة لعقود، وأدباء قدر لأعمالهم أن تخلدها ذاكرة الإنسانية.

الأساس الفلسفي للماركسية كان هو العامل المؤثر في صياغة نظرة البلاشفة للأدب، والنقاد الماركسيين بعد ذلك. فماركس الذي جاء ليواجه الفلسفة المثالية ، رأى أن وظيفته أن يصحح من نظرة الفلسفة للعالم والتاريخ، ففيما يرى المثاليون أن العالم وتاريخه محكومان بالفكر، يرى ماركس أن هذا الفكر محكوم بالوجود الاجتماعي الذي يتحدد وفق علاقات الإنتاج، والعلاقات الطبقية المادية داخل المجتمع.

وبناءً على ذلك يرى ماركس أن السياسة والإيديولوجيا بناء فوقي يرتكز على العلاقات الاقتصادية والاجتماعية، كما يشير رامان سلدن في تقديمه للنقد الماركسي في كتابه الشهير "النظرية الأدبية المعاصرة". وكان لهذه الأفكار تأثيرها الكبير على نظرة البلاشفة والماركسيين خارج روسيا للفكر والأدب.

عام 1932 ظهر مصطلح الواقعية الاشتراكية لأول مرة، وصيغ بشكل واضح في مؤتمر الاتحاد السوفييتي عام 1934 الذي رأى أن "الواقعية الاشتراكية هي المنهج الأساسي للأدب والنقد السوفييتيين، وهي تتطلب من الفنان والأديب تمثيله الواقع في حالة نموه الثوري تمثيلًا صادقًا، وعلى هذا فإن صدق التمثيل للواقع يجب أن يرتبط بتوعية العمال وبدعم إيمانهم بروح الاشتراكية".

بهذا الشكل ظهرت الواقعية الاشتراكية التي بدت موجهة من الحزب بشكل كبير، في فترة شهدت تضييقًا كبيرًا على المدرسة الشكلية الروسية التي تزعمها في البداية كل من شكلفسكي وإيخنباوم.

مكسيم جوركي (1968 – 1936) يعد أحد أبرز ممثلي الواقعية الاشتراكية، وتعد روايته "الأم" التي توضح نضال الطبقة العاملة في روسيا القيصرية ودوافعهم للثورة على النظام الطبقي.

أما الكاتب والناقد المجري جورج لوكاش (1885 – 1971) فيعده كثير من النقاد ومؤرخي الأدب أول ناقد ماركسي، من خلال نظريته – التي صاغها في كتبه "الرواية التاريخية"، "دراسات في الواقعية الأوروبية"، "معنى الواقعية المعاصرة"- التي رفضت النزعة الطبيعية في الأدب الأوروبي ورأت أن الأدب يمثل انعكاسًا للواقع، لا بمجرد التصوير السطحي للواقع الذي يكتفي بتقديم الصورة الخارجية للواقع الاجتماعي بل "يشمل الطبيعة الإنسانية والعلاقات الاجتماعية" كما يقول سلدن، وهو في ذلك يشن هجومًا ضاريًا على الأدباء الحداثيين الأوروبيين بتصويرهم المتعمق للذات، مستخدمًا "عوليس" لجميس جويس نموذجًا لذلك، حيث رأى أن هذه النوعية من الكتابات بانكبابها على تصوير الذات واهتمامها بما يعرف بتقنية تيار الوعي الداخل قد عزلت الإنسان عن واقعه.

بعد رحلة طويلة هرب فيها الكاتب المسرحي والناقد الألماني برتولد بريخت (1898 – 1956) من النازية عاد بريخت إلى ألمانيا الشرقية في 1948 بعد أن لم يسمح له بدخول ألمانيا الغربية، ليقدم أعماله محتكًا بالاتحاد السوفييتي الذي سيطر على أحد شقي ألمانيا بعد اندحار النازيين في الحرب العالمية الثانية. ورغم اختلافه مع العديد من القضايا التي طرحها النقاد السوفييت فإن بريخت كان أحد أهم النقاد والكتاب المؤثرين في المعركة الأدبية ضد الرأسمالية من خلال مسرحه الملحمي.

يعد بريخت أحد أهم الكتاب المؤثرين في مجال المسرح، وأحد الذين دفعوا بقوة المسرح في مسيرته نحو التغيرات التي انتهت بشكله الحال. صاغ بريخت مصطلحه "التغريب" مستفيدًا من إنجازات الشكليين الروس في الاهتمام بالتقنية. ويعتمد التغريب على كسر الإيهام بواقعية ما يتم تقديمه على المسرح، حيث ينبغي على الممثل ألا يتقمص الدور الذي يقدمه بشكل كامل إنما ينبغي له أن يبقي المتفرج واعيًا بتقنياته التي يستخدمها لأداء الدور وواعيًا بأنه يشاهد تمثيلًا عن طريق ما يسمى بـ"كسر الحائط الرابع".

علاقة الأدباء بالاتحاد السوفييتي علاقة معقدة، فرغم أن عددًا كبيرًا من الشعراء والروائيين التفوا حول الثورة البلشفية، وآمنوا بمبادئ الاشتراكية إيمانًا كبيرًا، فإن حظوظهم كانت مختلفة فيما يخص علاقتهم بالدولة والحزب، وبالتالي مصائرهم.

الشاعر فلاديمير ماياكوفسكي (1892 – 1930) المولود بجورجيا كان أحد الشعراء الذين ناصبوا الطبقية العداء منذ البداية، وراح ماياكوفسكي في قصائده يهاجم النظام الطبقي في بلاده حتى اعتقل عدة مرات، وظل على هذه الحال حتى قامت الثورة البلشفية ليصبح أحد أكبر دعاتها ومبشريها.

كتب ماياكوفسكي عدة أعمال تنوعت بين الشعر والمسرح، من بينها مسرحية "الحمامات"، وقصيدته الشهيرة "عن هذا"، و"الملحمة" التي كتبها تخليدًا لزعيم الثورة فلاديمير لينين، وقصيدة "إنسان"، وغيرها.

ورغم هذا الإيمان الشديد بالحزب فإن علاقة الشاعر السوفييتي بالحزب توترت، وذلك بعد وفاة لينين وتولي جوزيف ستالين منصب السكرتير العام للحزب، فراح ماياكوفسكي الذي زار عدة عواصم أوروبية مبشرًا بالثورة البلشفية ومبادئها يهاجم السلبيات التي دخلت على الحزب حتى تعرض لتضييق شديد من العناصر الأمنية في الحزب التي استغلت اتجاهه المستقبلي في أعماله، لينتهي به الأمر في عام 1930 لينهي حياته مطلقًا الرصاص على رأسه بعدما تملكه اليأس.

بوريس باسترناك (1890 – 1960) الحاصل على جائزة نوبل للآداب عام 1958 أحد أشهر الأدباء الذين ارتبط اسمهم بالاتحاد السوفييتي. قدم بوريس باسترناك عددًا من الأعمال يعد أشهرها على الإطلاق رواية "دكتور جيفاكو" التي تحولت إلى فيلم سينمائي من بطولة الفنان المصري الراحل عمر الشريف.

وفي "دكتور جيفاكو" قدم باسترناك صورة للمجتمع الروسي خلال الفترة من 1903 حتى 1929 من خلال عائلة جيفاكو، مصورًا الاضطرابات التي مرت بها روسيا خلال هذه الفترة، وموجهًا انتقادات عدة للنظام البلشفي الأمر الذي أوقعه في مشكلات جمة مع السلطات التي رفضت نشر روايته. عام 1958 حصل باسترناك على الجائزة الأغلى في مجال الأدب وهي جائزة نوبل، غير أنه رفض تسلم الجائزة لأسباب سياسية بالطبع.

أما ألكسندر سولجنيتسين (1918 – 2008) فقد كان حظه شبيهًا بحظ ماياكوفسكي لولا أنه آثر أن يبقى على قيد الحياة حتى يحظى بنوع من رد الاعتبار. وجه الروائي والكاتب المسرحي سولجنيتسين نقده لمعسكرات العمل القسري السوفييتية في روايات عدة، من بينها "يوم في حياة إيفان دينيسوفيتش" التي نشرت عام 1962، الأمر الذي جعل السلطات الروسية تناصبه العداء، حيث يصور الحياة في معسكرات العمل القسري وما يقاسيه العاملون بهذه المعسكرات.

عام 1970 حصل سولجنيتسين على جائزة نوبل للآداب، وبعدها بسنوات ثلاث نشر ثلاثيته "أرخبيل غولاغ" التي ناقشت الموضوع نفسه – مآسي معسكرات العمل القسري- وهو ما عرضه لهجوم شديد من الصحافة السوفييتية لينفى من بلاده في 1974، غير أنه عاد بعد ذلك في 1994 ليبقى في بلاده حتى توفي في 2008.

كلمات البحث
اقرأ ايضا: