Close ad

الراحل طلعت الشايب وأصوات الضمير الإنساني الحر

21-4-2017 | 12:43
الراحل طلعت الشايب وأصوات الضمير الإنساني الحرطلعت الشايب
أحمد فضل شبلول

خمسة وأربعون شاعًرا وخمسون قصيدة من بلدان شتى، تتحدث عن الإنسان والحرية يختارها ويترجمها في عذوبة ويسر الراحل طلعت الشايب الذي أراد لكتابه التميز والتفرد فاختار موضوعًا واحدًاـ من عشرات الموضوعات التي تلهج بها ألسنة الشعراء الأحرار في مواجهة العنف والإرهاب والاستغلال والقمع والسجن في كل مكان، وأي زمان.

إنها مشاعر وأحاسيس وقصائد إنسانية عامة، ومن ثم كتب لها الذيوع والانتشار، بل إن بعضها استقر في عالم الخلود الإبداعي، فمن منا لا يتذكر قصيدة "الحرية" لبول إيلوار و"إلى الأجيال القادمة" لبرخت و"في انتظار البرابرة" لكفافيس و"في انتظار الإعدام" لريتسوس و"صلاة" لأمل دنقل، و"مأساة الحلاج" لصلاح عبدالصبور وغيرها.

وحتى في شعر العامية المصرية من منا لا يتذكر قصيدة مثل "الأحزان العادية" لعبدالرحمن الأبنودي، و"بيانات على تذكرة مسجون" لأحمد فؤاد نجم وغيرها.

إن دور طلعت الشايب لم يتوقف على الترجمة من ديوان "Voices of Conscience" الصادر عن دار نشرIron Press لندن عام 1995 ولكنه باطلاعه الواسع وحسه الأدبي المرهف أضاف إلى قصائد هذا الديوان عددًا من القصائد العربية التي تنحو المنحى نفسه لشعراء عرب من أمثال: محمود درويش وأمل دنقل وصلاح عبدالصبور ومحمد عفيفي مطر وسعدي يوسف وحبيب الصايغ ومحمد الماغوط وعلي الشرقاوي وغيرهم.

إنها قصائد في وجه الطاغية والظلم والجلاد. يقول شيركوه بيكه س من كردستان:
في ورشة أحد الحدادين
انتفضت مجموعة من القضبان المفتولة
قامت وهددت
وسلطت غضبها على نار الحداد
عندما عرفت
أنهم يريدون أن يعيدوا تشكيلها
لتصبح بوابة لسجن
يغلقونها على قمر شعر أسير.
ويقول أيون كارايون من رومانيا في صرخته "عند البحر الآسن":
كل شيء صادق حتى الكذب
وكل شيء كاذب حتى الصدق
إنه الظلام.. يلد نفسه!!
ومن بين خمسة وأربعين شاعرًا هناك أربع شاعرات فحسب هن: ليلى الجبالي من الجزائر وقصيدتها "إلى الملازم الذي قام بتعذيبي"، وريتا مبوبي من اليونان وقصيدتها "دثروني"، وراشيل كورن من بولندا وقصيدتها "ثوب جديد"، والأيدي فوبا من جواتيمالا وقصيدتها "صلاة رقم واحد".

تقول راشيل كورت في ثوب جديد:
اليوم.. لأول مرة
وبعد سبع سنين طوال
أرتدي ثوبا جديدا
لكنه قصير جدا على حزني
ضيق جدا على محنتي..
وكل زر زجاجي أبيض من أزراره
يسقط مثل دمعة من ثنياته
ثقيلة كأنها حجر.

لم يقتصر الأمر على العالم الغربي في رحلة نضاله من أجل الحرية، ولكن توجه الكتاب إلى شعراء المشرق أيضًا فوجدنا قصائد لشعراء من الهند (آمارجيت شاندان) وبنجلاديش (شمس الرحمن) وإيران (رضا براهيني) وباكستان (فايز أحمد فايز) وداغستان (رسول حمزاتوف) وأندونيسيا (سباردي دجوكو دامونو) وكوريا (كو إن) والصين (هاجين) ونيبال (بوبي شيركان) وغيرهم.
يقول رضا براهيني في قصيدته "السيرة الذاتية ل: ف.م":
أنا صفَّاف حروف في مطبعة .. منذ ثلاث سنوات
على مدى ثلاث سنوات .. وأنا أصف "يحيا الشاه"
ومنذ ستة أيام فقط .. قررت أن أصف "تحيا الحرية"
ومنذ خمسة أيام .. قبضوا عليّ
ومنذ ذلك .. وهم ينزعون أظافري ..
ويقول رسول حمزاتوف في قصيدته "..فمن أنت؟":
في الهند يقولون:
إن الثعبان كان أول ما ظهر
من مخلوقات الله
ويقول سكان الجبال:
لا: إن الله أول ما خلق.. خلق النسر المحلق!
وأنا لست مع الهنود..
ولا مع سكان الجبال..
فأنا أعتقد..
أن أول ما خلق الله.. خلق البشر
ولكن البعض.. ارتفع وحلق مع النسور
والبعض.. هبط وزحف مع الثعابين!!
***
إن كتاب "أصوات الضمير.. قصائد للإنسان والحرية" الصادر مؤخرًا عن سما للنشر والتوزيع بالقاهرة، يضم مجموعة قصائد منتقاة لشعراء من أركان المعمورة استطاعوا أن يخترقوا بكلماتهم حدود الظلم والاضطهاد والملاحقة والتعذيب والمنافي والسجون، ووجدوا لذلك اللغة التي تحملهم إلى ما وراء الألم والمعاناة ليؤكدوا أن الموت ذاته لا يستطيع أن يقتل الحلم أو يضع نهاية للألم".

وهو ما يدفعنا إلى سؤال عن تراث الشعر العربي: ألا يوجد في هذا التراث شعر وشعراء عبروا عن تلك الأزمة الإنسانية الخالدة والمتفجرة على مدى الأزمان؟. بالتأكيد هناك الكثير في تراثنا العربي الذي يحتاج إلى يد التنقيب لتخرج لنا فصلًا جديدًا من تراثنا العربي يكون بجانب فصول الكتاب العالمي الذي ترجمه باقتدار طلعت الشايب.

كلمات البحث
اقرأ ايضا: