Close ad

الملك الألباني وتطوير الموسيقى العربية

6-4-2017 | 10:51
الملك الألباني وتطوير الموسيقى العربيةغلاف الكتاب
ناصر عراق

لو كنت مكان وزير الثقافة، حلمي النمنم، لأصدرت أوامري بإعادة طباعة هذا الكتاب النادر وتوزيعه على جميع طلاب المدارس الثانوية والجامعات والمهتمين بالثقافة والتاريخ والموسيقى، ومستقبل بلدنا؛ ذلك أنه يمثل شهادة بالغة الأهمية على عصر وزمن، ولأنه يوضح لنا كيف كنا؟ وكيف أصبحنا؟

الكتاب اسمه "موجز كتاب مؤتمر الموسيقى العربية المشمول برعاية حضرة صاحب الجلالة الملك فؤاد الأول المنعقد بمدينة القاهرة في سنة 1350هـ - 1932م"، وقد أصدرته وزارة المعارف العمومية عام 1934، إذ طبع بالمطبعة الأميرية ببولاق، كما ذكر في الغلاف.

الفضل يعود إلى المثقف الموسوعي الإماراتي الكاتب محمد المر، رئيس المجلس الوطني السابق "البرلمان" الذي أطلعني على نسخة من هذا الكتاب النادر؛ فالرجل عاشق للثقافة المصرية وفنونها، ويدرك قيمتها وأهميتها، لذا ما إن أمسكت الكتاب حتى تصفحته بتركيز شديد، فهو وثيقة مهمة عن مصرنا الحبيبة قبل أكثر من 80 عامًا.

الكتاب يتكون من 162 صفحة من القطع الكبير، ويحتوي على مقدمة وثلاثة أقسام، المقدمة كتبها بذكاء الدكتور محمود أحمد الحفني، مفتش الموسيقى بوزارة المعارف العمومية آنذاك، وسكرتير عام مؤتمر الموسيقى العربية، وأول من أدخل تعليم الموسيقى ضمن مناهج التعليم في المدارس المصرية، وهو والد الدكتورة رتيبة الحفني (1931/ 2013) أول سيدة ترأس دار الأوبرا المصرية.

أما الأقسام الثلاثة فهي: القسم الإداري، ويتضمن لائحة بنظام المؤتمر وأسماء اللجان وأعضائها والحاضرين من خارج الدولة، والفرق الموسيقية العربية، وخطبتي وزير المعارف حلمي عيسى باشا، رئيس المؤتمر، في حفلتي الافتتاح والختام، وقصيدة أمير الشعراء أحمد شوقي بك في الحفلة التي أقيمت بدار الأوبرا الملكية، وكشف بأسماء رؤساء اللجان ومندوبي الدول الذين تشرفوا بمقابلة الملك فؤاد في يوم الخميس 31 مارس 1932.

بينما شمل القسم الفني تقارير اللجان الست وهي : لجنة التسجيل، أي تسجيل المقطوعات الموسيقية ودراستها، لجنة المقامات والإيقاع والتأليف، لجنة السلم الموسيقي، لجنة التعليم الموسيقي، لجنة تاريخ الموسيقى والمخطوطات، وأخيرًا لجنة الآلات.

ويبقى القسم الأخير من الكتاب، ويحتوي على فهرس بالصور المنشورة.

بعد الاطلاع على هذا المطبوع النادر عندي سبع ملاحظات جديرة بالتحرير وهي:

1- إن مؤتمر الموسيقى العربية عقد في ظل الحكم الديكتاتوري للملك فؤاد، ورئيس وزرائه إسماعيل صدقي باشا الذي أوقف العمل بدستور 1923، وهو أول دستور وضعه المصريون في العصر الحديث، فكيف يمكن لنظام ديكتاتوري أن يعزز الفنون والآداب؟

والرأي عندي أن المؤتمر كان بمثابة إحدى الثمار الناضجة لمنجزات ثورة 1919 التي خلصت مصر من المنظومة الفكرية العثمانية التي قبعت فيها قرونًا طويلة. وكان من الصعب على الملك التراجع عن هذا المؤتمر الذي دعا إليه المثقفون المصريون قبل انعقاده بسنوات.

2- افتتح الملك فؤاد معهد الموسيقى الشرقي (معهد الموسيقى العربية حاليًا الكائن بشارع رمسيس) في 26 ديسمبر 1929، بعد أن كان مجرد ناد صغير لا يليق بالتطور الموسيقي الذي أعقب ثورة 1919 على يد سيد درويش ومحمد القصبجي وزكريا أحمد ومحمد عبد الوهاب وأم كلثوم، وقد عقدت جلسات المؤتمر في هذا المعهد الجديد.

3- شارك في الإعداد للمؤتمر ورئاسة اللجان بجانب المصريين كوكبة معتبرة من الأجانب المتخصصين في الموسيقى، جاءوا من ألمانيا، فرنسا، بريطانيا، إسبانيا، إيطاليا، النمسا، المجر، وتشيكوسلوفاكيا. ويكفي أن تعرف أن نائب رئيس المؤتمر هو البارون "دي إرلنجر"، أما الرئيس فهو وزير المعارف، ما يؤكد أن تطورنا قديمًا كان مرهونا بالاستفادة ممن سبقونا في العلوم والفنون، وأعتقد أننا مازلنا حتى الآن في حاجة إلى الاستفادة من الخبرات الأجنبية في المجالات كافة حتى نطور أنفسنا.

4- أسهمت الفرق الموسيقية الموفدة من البلاد العربية في إحياء حفلات موسيقية في ليالي المؤتمر الذي انعقد في الفترة من 14 مارس حتى 3 أبريل 1932، والفرق جاءت من سورية ولبنان والعراق والجزائر ومراكش وتونس.

5- استمع المؤتمر وناقش قطعًا موسيقية قدمتها (عوالم) من القاهرة، ومزمار بلدي و(زار) ومغنيين ريفيين من الفيوم، ونواح الجنائز وأدعية الشحاذين وإحدى الفرق السودانية والأناشيد الدينية الإسلامية وتراتيل الكنائس والمعابد وغيرها!

6- أصدر الملك فؤاد أمرًا ملكيا يقضي بأن يتولى تنظيم المؤتمر لجنة مشكلة من: وزير المعارف رئيسًا، عبد الفتاح صبري باشا نائب رئيس، البارون "دي إرلنجر" نائب رئيس فني، أحمد نجيب الهلالي بك ومصطفى رضا بك مدير معهد الموسيقى، ومحمد زكي علي بك، يعقوب عبد الوهاب بك، الدكتور محمود أحمد الحفني أفندي سكرتيرًا عامًا، المسيو كانتوني مدير دار الأوبرا الملكية. وأظنك لاحظت وجود الأجانب في اللجنة، كما لاحظت أن كبار الأثرياء والمثقفين المصريين يشكلون قوام اللجنة.

7- كان محمد عبدالوهاب أفندي (هكذا) ضمن أعضاء لجان المؤتمر، ومعه داود حسني أفندي، وكامل الخلعي أفندي وغيرهم.

يبقى أن تعرف أن الملك فؤاد كان يتحدث العربية بصعوبة؛ فهو ابن الخديو إسماعيل ابن الوالي إبراهيم باشا ابن محمد علي باشا الذي هبط أرض مصر لأول مرة في حياته قادمًا من ألبانيا عام 1801 وعمره ثلاثون عامًا، ثم حكمنا لمدة 42 سنة بداية من سنة 1805، وكان لا يعرف العربية أيضًا مثل ابن حفيده فؤاد!

لقد كان مؤتمر الموسيقى العربية هذا أول وآخر مؤتمر علمي مهم عقد خصيصًا للموسيقى العربية، ولعل توصياته وقراراته أسهمت في تطوير الأغنية العربية منذ الثلاثينيات حتى الربع الأخير من القرن الماضي، ثم بدأ الانحدار الموسيقي تدريجيًا حتى وصلنا إلى ما نحن فيه الآن!

أرأيت... كيف أسهم الملك الألباني الذي لا يجيد التحدث باللغة العربية في تطوير موسيقانا العربية؟

كلمات البحث
اقرأ ايضا:
الأكثر قراءة