يعد المشهد الشعري في مدينة الإسكندرية جزءا لا يتجزأ من المشهد الشعري المصري عموما، ولكن في الوقت نفسه ينماز هذا المشهد عن المشهد المصري الكلي في بعض التفاصيل والجزئيات التي تشكل عندما تتجمع إلى جوار بعضها البعض خصوصية وتفردا ما عن بقية المشهد الكلي.
ولعل هذه الخصوصية وهذا التفرد يعودان إلى خصوصية تلك المدينة الكوزموبالتينية التي تقع على ساحل الأبيض المتوسط، وكانت مهوى الأجانب منذ القدم من يونان ورومان وقبارصة وأتراك وإيطاليين وشوام وإنجليز وفرنسيين .. وغيرهم من الذين يعيشون على الساحل المقابل من الأبيض المتوسط منذ أن شيدت تلك المدينة عام 332 ق. م. عن طريق وصل جزيرة فاروس (الأنفوشي وبحري حاليا) التي تقع على البحر، بقرية راقودة (كرموز وغيط العنب حاليا) التي تقع على ضفاف بحيرة مريوط بالجنوب.
إن تاريخ الشعر في الإسكندرية يبدأ مع نشأتها، فقد اهتم بطليموس الأول ـ سوتر (الذي حكم البلاد من 323 ـ 285 ق. م) ـ وكذلك أبناؤه من البطالمة ـ بالمشروعات العمرانية والثقافية، فأسس مكتبة الإسكندرية (القديمة) وشيد منارة الإسكندرية (إحدى عجائب الدنيا السبع). فظهر كاليماخوس (310 ـ 240 ق. م) أول شاعر سكندري ومؤسس مدرسة الإسكندرية الشعرية، من خلال جماعة شعرية أسماها بليآد أو الحمام، وقد رفض شعراء هذه الجماعة الملحمة الإغريقية بشكلها وحجمها، ودعا مؤسسها إلى كتابة القصيدة القصيرة جدا أو الأبجرامة (التي نرى في الشعر العربي المعاصر عودة إليها). ثم الشاعر ثيوكريتوس أول من كتب القصائد الرعوية وصور حياة المزارعين واحتفى بالطبيعة. والشاعر أراتوس الذي نظم بعض القصائد العلمية في الفلك، والشاعر هيرونداس الذي اشتهر بقصائده الفكاهية التي يستلهم فيها الحياة الشعبية اليومية. والشاعر ليكوفرون الذي كتب صورا شعرية سيريالية في ذلك العهد القديم. والشاعر أبوللونيوس الذي عاد مرة أخرى إلى كتابة الملحمة الكبيرة (ومنها رحلة السفينة أرجو) فخالف بذلك اتجاه جماعة الحمام.
وبذلك يتضح أن المشهد الشعر السكندري في أزهى عصوره امتاز ـ كما يقول د. فوزي خضر ـ بالتنوع الذي حقق له الثراء الفني. فكان هؤلاء الشعراء باحثين، منهم من وضع فهارس مكتبة الإسكندرية مثل كاليماخوس، ومنهم من كان أمينا عاما لها. وقد امتاز الشعر في الإسكندرية في تلك الفترة بالتجديد في الرؤية والبناء والأغراض.
وتمتد رحلة الشعر السكندري حتى نصل إلى العصر الإسلامي، فيبرز في العصر الفاطمي أسماء شعراء مثل أبو الطاهر إسماعيل بن محمد الملقب بأبي مكنسة الإسكندراني (ت 510 هـ = 1116م) وأبو الفتح نصر الله بن عبد الله بن مخلوف الذي اشتهر باسم ابن قلاقس (532 هـ =1127 م / 563 هـ = 1171 م) وظافر الحداد (ت 1133 م) وتقية الصورية، وشرف الدين البوصيري (ت 1259 م) صاحب البردة الشهيرة.
أما في العصر الحديث فيبدأ الشعر السكندري بجماعة الشلالات التي أسسها الشاعر عتمان حلمي عام 1912م ومعه الشعراء عبداللطيف النشار وزكريا جزارين وعبدالحميد السنوسي ومحمد مفيد الشوباشي وحسن فهمي وعبدالحكيم الجهني. ثم انضم لهم الشاعر عبد الرحمن شكري العائد من بعثة إلى إنجلترا، فاحتل مركز الصدارة في هذه الجماعة، وصار رائدها بما حمله من أفكار في تطوير القصيدة العربية.
لقد اهتمت جماعة الشلالات بسلاسة الشعر العربي، والابتعاد عن التعقيد اللفظي، والتعبير عن التجارب الذاتية، والتطرق إلى الموضوعات المبتكرة، وتصوير البيئة الساحلية السكندرية، وبذلك كونوا اتجاها فنيا يحسب للشعر السكندري.
وفي عام 1932 دعا كل من د. مصطفى فهمي ويوسف الجزايرلي لتكوين جماعة نشر الثقافة لجمع شمل الأدباء ونشر إنتاجهم الأدبي، وكان من أبرز شعراء هذه الجماعة خليل شيبوب وعبداللطيف النشار.