Close ad

"الشعب لا يجد مكانًا للسقوط".. قراءة في قصيدة النثر الأهوازية

21-2-2017 | 11:18
الشعب لا يجد مكانًا للسقوط قراءة في قصيدة النثر الأهوازيةأرشيفية
حنان فرفور

"فنانة تسقط على لوحتها
شاعر يسقط على ذاته
الشعب لايجد مكانًا ليسقط فيه"
..

موضوعات مقترحة

"ناولتني السم
المرأة التي
كانت تعيش في جسدي
كتابا
كتابا/
ابتسم لي الموت"
عبارات شعرية للشاعر الدكتور جمال نصاري، وبهذا التكثيف الموحي حدّ الرسم تطالعك قصيدة النثر الأهوازية، وأنت تحلّ ضيفًا على مهرجان "الفجر والسلام" الدولي السادس في مدينة عبّادان الأهوازية، ولعل أهم ما قدّمه هذا المهرجان الذي انعقد مؤخرًا وامتدّ لثلاثة أيام متتالية وعُقدت على هامش أمسياته جلسات نقدية بين المشاركين شعراء ونقادا، ذلك التواصل التكاملي والانفتاح الفكري والأدبي بين حضارتين والمقارنة بين واقع القصيدة النثرية العربية المحضة ونظيرتها الأهوازية وليدة المجتمع المتنوع قوميا بين العرب والفرس..
فعلى ما يبدو أنّ القصيدة النثرية وفي نهاية المطاف، قد انتصرت هناك، أو على أقل تقدير تخطّت النقاشات السفسطائية والجدالات البيزنطية، التي ما زالت تدور دون جدوى، وتتكرّر في مجالس المستشعرين الذين يجترّون على الأغلب ما انتزعه شعراء الحداثة، فأي كلام على تسمية القصيدة النثرية (النثيرة، القصيدة المنثورة، النص التهجيني..) أو على إشكالياتها المتعددة، بات تكرارًا ببغائيا لمنجزات استطاع روادها منذ خمسينيات القرن المنصرم وبكثير من العناد والصبر والشراسة أحيانا تحقيقها وانتزاع الاعتراف بها- على المستوى النخبوي على الأقل-.. لم تعد آراء أدونيس ولا جرأة الماغوط وفنية أنسي الحاج وحدها موضوع الجلسات النقدية وغيرها..


القصيدة هناك في تلك البقعة الجغرافية الصغيرة بما تملك من دلالات تاريخية وحضارية، تخطّت عهد الحداثة الشعري، وتمارس قناعاتها الـى-ما بعد حداثوية- في بناء القصيدة وتركيبها الفنيّ والنفسي، مستفيدة بطبيعة الحال مما أرخاه التأثر بالشعر الفارسي الحديث، من ظلالٍ وتعامل صارمٍ وجاد في تقنيات الإيجاز والتكثيف وإتقان لعبة الإدهاش أو لنقل -وكما يحبون أن يسمّوها، الوقف الخبيث- في نهاية النص الشعري..
الشاعر الأهوازيّ إذا يقدم في كل نصٍّ رؤيا/ رؤية جديدة حادة ومفتوحة:
يقول إبراهيم الديراوي:
"أيتها المبحرة في قدح النسيان
هذا الانتماء الأبدي إلى الموج سيدتي
أغاظ العازف والقبيلة
فارفعي ثوبك قليلا
ارفعي صوتك قليلا
افسحي المجال لنمو الآلهة في دمي"

الشاعر الأهوازيّ إذن يقدم في كل نصٍّ رؤيا/ رؤية جديدة حادة ومفتوحة، ينطلق من معاناته الوجودية، اليومية ، اللغوية متمّردا على واقعه، فمعركته كانت دون شك مضاعفة:
معركة هُوية وجودية يحاول جاهدا الحفاظ عليها، متكئًا في ذلك على أكثر الأجناس الأدبية جرأة وتمرّدا.
يقول د.نصاري:
"الشط يبتعد عن ضفته
أمي تبتعد عن تأريخها
السلطة تحتفل بالابتعادين":
يسكبها برغم ما فيه من توتر، عميقة ذات قرارٍ موغل وعين استشرافية مفتوحة لا تكاد ترمش..
ومعركة أخرى يبدو أنه ربحها أو في أقل تقدير في طريقه لكسبها، فقد انتزع الاعتراف الجماهيري بشرعية هذا الجنس الأدبي، فعلى الرغم من قرب الأهوازيين واندماجهم بالمجتمع الفارسي، فإن السمات النفسية العربية وما فيها من انفعال وميل إلى الإيقاع الموسيقي الرتيب والمدروس، وما تتميز به من انشغال بالعاطفة المفرطة، ما زالت تهيمن..

القصيدة النثرية في الأهواز استطاعت أن تتصالح مع الجمهور وتروّض إلى حد بعيد ذائقته ، وهذا ما لم تنجح به للآن القصيدة النثرية العربية.. انطلاقًا مما تقدم يبدو أن هذا التهجين، إن كان لنا أن نستخدم هذا المصطلح، ما بين عمق وغنى وجرأة وفنية التجربة العربية، وبين تطور القصيدة الفارسية وبنائها المصقول والمدروس، بدأ يعطي أُكله، يضاف إلى ما تقدم رغبة عميقة في الإنجاز وإحداث الفارق وكسر النمطي توافرت وتتوافر عند المنظمين لهذا المهرجان الدولي السنوي، مع إخلاص شديد ينظمه عمل تعاوني جماعي دقيق، ساهم في إنجاح هذا المهرجان في دورته السادسة للآن، بشكل لافت ومبشّر يشي بسنين خصبة آتية وأيام ستتداولها قصيدة النثر ذهبية.
بإمكانات مادية متواضعة ونفوس غنية ورعاية رسمية لدائرة الثقافة و الإرشاد الإسلامي في منطقة أروند الحرة ، استضافت مدينة عبّادان خمس دول ممثلة بشعرائها ونقاده ا(لبنان: حنان فرفور، عمان: زاهران القاسمي، سوريا: أحلام غانم ، تونس: منير وسلاتي والعراق : حبيب السامر ورياض الغريب وعبد السادة البصري ومنتهى عمران وولاء الصواف) إضافة إلى مشاركة الشعراء الأهوازيين وأبرزهم د. جمال نصاري وابراهيم الديراوي، وفتحت من خلال مهرجانها الدولي الباب واسعا أمام إشكاليات ما بعد الحداثة ، مفسحة المجال للتلاقح الحضاري كما يجب أن يكون.
فهل تنجح عبّادان في ما تصبو إليه، من حمل لواء قصيدة النثر وما تمثله من تمرد وحرية مستكملة ما بدأه العرب، منذ نيف من الزمن، أم تراها تقع في فخ القوننة والقولبة.. ففي نهاية المطاف لنا أن نخشى ، فثورة اليوم قد تصبح بعد جيل موروثا مُهاب الجانب وتعود كرّة الصراع لنقطة البدء.
------

حنان فرفور

(شاعرة وكاتبة من لبنان)

كلمات البحث
اقرأ ايضا:
الأكثر قراءة