Close ad

"من عصر العولمة" لأحمد فضل شبلول.. والبحث عن الجمال

22-1-2017 | 10:52
من عصر العولمة لأحمد فضل شبلول والبحث عن الجمالأحمد فضل شبلول
أميمة الحسن

في عصرٍ صرنا نكتب فيه بغير مداد..
ونتكلم بغير رنين..
ونرى ملامح بغير حياة..
مشاعرنا وجوه لا تشبهنا....
وإحساساتنا رسوم تجمدت في المقل ....
عن هذا العصر وما تحمله تقنياته من غربة للإنسان عن نفسه، وما تحمله من تهميش لدواخله بتصنيفاتها الرقمية!
عن كل هذا حديثنا، وعن موقف الشاعر أحمد فضل شبلول من هذه التطورات نصنا "من عصر العولمة".
وستكون وقفتي مع هذه القصيدة وقفة رأيٍ ونظرة باحثة عن الجمال, بعيدا عن أيدي النقد التقليدية التي تجهد في إبراز الملامح السلبية, وعلى هذا سيكون عملي, ومنه سيكون منطلقي وفق دراسة مبسطة تحاول الولوج إلى مكنونات القصيدة من خلال مستويين اثنين هما:
دراسة المستوى الفكري في القصيدة عبر تفسير مكثف لمعانيها, وتوضيح لإشارات مختلفة ولا يعدو هذا عن كونه رأيًا شخصيًا!
المستوى الثاني هو المستوى الفني من خلال تسليط الضوء على الأسلوب التعبيري للكاتب بلاغيا.
نبدأ من العنوان وهو مدخلنا للقصيدة, العنوان واضح المعالم يشي بأن القصيدة ستتحدث عن عصر العولمة، لكن ما لم يش به العنوان هو: هل سيكون الحديث عن سلبياتها أم عن إيجابيات هذه العولمة أم أن ثمة أمرا آخر سيفوجئنا به النص!؟
لنترك الاحتمالات ونلج النص:
بدأت القصيدة بصورة فنية غير مسبوقة وهي أن الاسم قد سقط في الأسفل وصار عرضة للدهس والوطء.
هذا التجسيد للاسم سقوطًا أفقد الشاعر ذاكرته فلم يعد يعرف شكل اسمه! لقد كان حروفا لكنه الآن صخر يُداس, ولعله كان نورا أو بركانًا (وما دلالة الضياء والبركان هنا )؟
لعله كان يظن أنه أكبر من أن يُداس فهو النور ولا يخفى علينا ما للبركان من عنفوان الفوران!
أصبح شاعرنا في حيرة الآن بل هو في خوف, لقد تعثرت خطواته. لماذا يا ترى؟ لعله كان خائفًا أن يدوس على اسمه؟!
وماذا عن اختلاط جيناته؟ لعله فقد قدرته على تحديد انتمائه وهويته كما فقد مورثاته! بل ماتت أحلامه أيضا؟! لعل ذلك بسبب الانبهار بهذا التطور العجيب الذي فاق تصوراته فلم يعد هناك ما يحلم به!
وكأني به عاد ليتساءل عن اسمه الذي كان دائرة تحيط به ربما تحميه وتؤطر رؤاه! أم لعله كان وهما فاق الفيض غزارة, أم أنه كان بحرا في جسده يمور بالأمواج!
حتى هذه اللحظة من القصيدة لم أعرف المعاناة التي يعيشها الشاعر بدقة؟!
إلى أن أخبرني بأن اسمه مختلط بالماء والنيران، ويتعجب من الشفرات التي تجعله يبدو على هذه الشاكلة!
ويبحث عن اللسان القادر على النطق بهذه التقنية!
وهذه التقنية تزداد انتشارا كما لو أنها سرطان، وكذلك المورثات الجينية تمددت فوق الشطآن .. لماذا ياترى؟ لعلها إشارة إلى سهولة محوها مع الأمواج! بانتشار الشفرات المتوضعة في الأقراص المضغوطة.
مازال الشاعر في حالة بحث عن ذاته إلى أن توازن الآن وأخبرني بأن اسمه عنوان لشخصيته، لكنه ما إن يدخل في الحاسب حتى يتحول إلى مجرد صوت أو لغز رقمي، وربما مقطع متحرك لكنه سيسقط في قاعات العرض الكبرى!
وأين هي هذه القاعات؟
لعلها الدنيا والحياة بكل تفاصيلها!
لقد اختلطت عليه المشاهد فصار يظن بأن اسمه صار عالميا, أو لعله فيروس ضار بالحاسوب! أم أنه جزء من موروثاته في زمن أصبحت فيه الأشياء متشابهة تقنيا (وهذه إشارة إلى النعجة دوللي التي تم استنساخها) وهذا ما حُرم فيما بعد وربما أثبت فشله علميا!
ولهذا نراه يلجأ إلى خالقه في لحظة نداء واستغاثة يطلب منه أن يحفظ له وجهًا عربيا في زمن ضياع العزة والشموخ لتتلقفه أفعى العولمة والسقوط في تطورات تلهينا عن قضايانا القومية, عن فلسطين التي نام فرسانها بعيدا عنها!
عاد ليصرخ طالبا من القيوم أن يحفظ له اسمه مصريا أولا وعربيا ثانيا، وهذه نقلة نوعية من العاطفة الذاتية إلى الوطنية ثم إلى القومية، تُشكلها مشاعر الحيرة والتخبط في لجج من الانبهار والخوف من الضياع في عالم رقمي لا يعترف بالقيم.
• المستوى الفني:
لقد اقتحم الشاعر موضوعًا جافًا نسبيًا قد يبدو لك لأول وهلة أنه لا يصلح أن يكون مادة مناسبة للشعر, لكنه استطاع ببعض الرموز والصور الفنية أن يشكل صرخة أو نداءً تربويا لضرورة التكيف مع المستجدات بما يتلاءم مع حاجاتنا دون الإغراق حد السفه.
وقد كان للعاطفة الذاتية المؤثر الأكبر في المتلقي, فالاسم يُداس (وهو رمز لهويته وانتمائه). والبحر أصبح يمور بأمواجه في داخله (وهو إشارة لحالة القلق). والنسر (وهو رمز العروبة) يسقط لتتلقفه الأفعى (وهي رمز لانهيار القيم). والخيل (وهي رمز الفروسية) تبتعد عن الأقصى (إشارة إلى نسيان قضايانا المصيرية).
أما التوجه لله فهو تأكيد على أن القصيدة ولجت الحل للمشكلة التي طرحتها في البداية, فلا حافظ لهويتنا وانتمائنا إلا التوجه بالدعاء لله في زمن أصبحنا فيه عاجزين عن مواجهة هذا الكم الهائل من التطور المعلوماتي.
وأعود للتأكيد على أن العاطفة الذاتية هي التي قربت النص من مشاعرنا فاستخدام الأسلوب الانشائي الحافل بالاستفهام (هل كان ..). والنداء (يا حي يا قيوم ..) والأمر (احفظ..) هذا الأسلوب قربنا من النص كمتلقين وهذا مما يروق للقراء أن يجدوا من يعبر عن إحساساتهم.
قد يبدو الشاعر في النص رافضًا لهذه التطورات, وقد تُنبئك سيرته الذاتية عن تناقض يعيشه لشغله مناصب عدة متعلقة بهذا العالم, ولكن الحقيقة أن معرفة الشاعر العلمية تظهر في الكثير من المصطلحات التي استخدمها في النص (الجينوم - القرص المدمج – شفرات - الاستنساخ). وهذا هو اقتحام العارف بعدوه وكيفية تسخيره لمصالحه ومصالح أمته.
كل تحايا الاحترام والود للشاعر الأستاذ أحمد فضل شبلول على هذه المادة الدسمة التي تغني مكتبتنا الأدبية.
• القصيدة:
اسمي..
يسقطُ..
أسفلَ منِّي..
تدهسُهُ الأقدامُ
اسمي!! ..
لا أتذكرُ
هل كان حروفًاً ..
أم جُلمُودًا ..
أم أرقام؟
هل كان ضياءً ..
أم بُركانًا ..
أم إظلام؟
لا أتذكر..
سقط الآنَ ..
اختلَّت خطواتي
واختلطت جيناتي
ماتت كلٌّ الأحلام
دائرةً كان.. ؟
أم فيضًا من أوهام.. ؟
أم بحرا يهدرُ في جسمي.. ؟
اسمي..
مخلوطٌ بالماءِ وبالنيران
فبأيِّ الشفراتِ يجيءُ،
بأيِّ لسان
سرطانٌ يسري في الأحرفِ..
سرطان
والجينُ تمدَّد واستلقى
فوق الشطآن
شفراتٌ تجري فوق القُرصِ المدمج
تلعبُ عند مرايا المعلومات
شفراتٌ.. شفرات
اسمي..
رسمي..
يدخل في الحاسبِ
صوتًا.. طيفًا.. لُغزا
يصبح فيلما..
يَسقُطُ في قاعاتِ العرضِ الكبرى
هل كان اسمي عولمةً.. ؟
أم فيروسا.. ؟
أم سلسلةً في الجينوم.. ؟
يا حيّ..
يا قيوم
احفظ لي وجهي مصريا
في زمنِ الاستنساخ
احفظ..
اسمي عربيا
في عصرٍ,..
يهوي فيه النَّسرُ..
من الأعلى
تَلقُفُهُ الأفعى
يُقعي الخيلُ..
بعيدًا عن عتباتِ الأقصى..
يا حي ..
يا قيوم ..
احفظ لي وجهي..
مصريَّا
احفظ لي اسمي..
عربيًا.

موضوعات مقترحة

--------
أميمة الحسن

(كاتبة من سوريا)

كلمات البحث
اقرأ ايضا:
الأكثر قراءة