Close ad

رسائل الحب الخفية وتهديدات غادة السمان

10-10-2016 | 21:22
رسائل الحب الخفية وتهديدات غادة السمانغادة السمان
أحمد فضل شبلول
هل هو كتاب تذكاري أم احتفالي عن الكاتبة المبدعة غادة السمان؟ أم كتاب نقدي عن أعمالها الشعرية والروائية والقصصية؟ أم شهادات بعض المبدعين والنقاد العرب عنها وعن إبداعها المتنوع والغزير؟ أم سيرة ذاتية عنها؟ أم حوار ثقافي طويل معها؟
موضوعات مقترحة


إن كتاب الشاعر والكاتب العراقي عذاب الركابي "غادة السمان.. امرأة من كلمات" الصادر عن دار غراب للنشر والتوزيع بالقاهرة، يشمل كل هذا، ومن هنا تأتي أهميته لقراء غادة السمان ومحبيها ونقادها والمتابعين لأعمالها.

لقد وصف الركابي غادة السمان بأنها مخلوقة لغوية، كما وصفها بأنها مخلوق بياني، ويعترف في المقدمة أو التوطئة بأن كتابه كتاب احتفائي رؤيوي شاركت الكاتبة السورية في تأليفه وصوغ فصوله في حوار ثقافي أدبي غير مسبوق (بحسب قول الكاتب).

قُسم الكتاب إلى ثلاثة أقسام: القراءة النقدية (وأعتقد أن الكاتبة لا دخل لها بهذا القسم) وشهادات في إبداع غادة السمان (وأعتقد أيضا أنها لا دخل لها في تلك الشهادات المنحازة لها ولإبداعها) أما القسم الثالث والأخير فهو حوار معها، وهنا فقط يأتي دورها في تأليف الكتاب، حيث تجيب عن الأسئلة المطروحة في الكتاب، فيظهر صوت المشاركة.

وأرى أن الذي شارك في تأليف الكتاب هم الكتَّاب والأدباء والنقاد والمثقفون الذين تعاقبت كلماتهم وآراؤهم ورؤاهم التي قطفها عذاب الركابي من مؤلفاتهم ونثرها على صفحات الكتاب في جميع الفصول بلا استثناء، مثلما ينثر أوراق الورد في حفل عائلي بهيج، أمثال أروين أدمان، وهولدرين، وجلال الدين الرومي، ويواخيم سارتوريوس، وجورج هنري وغيرهم.

وقد وصلت هذه الاقتباسات الوردية المنثورة إلى أكثر من عشرين اقتباسا في قراءة الركابي لرواية "الرواية المستحيلة" على سبيل المثال، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل لو تم حذف هذه الاقتباسات لأحسسنا أن هناك شيئا ما ينهار داخل المتن، أم أن المتن سيكون أكثر تماسكا؟

أبحر عذاب الركابي في القسم الأول داخل ديوان غادة السمان "عاشقة في محبرة" مفتتحا رؤيته بعبارة هولدرين: "يبقى على الأرض .. ما يتركه الشعراء"، يتبعها عبارة جلال الدين الرومي: "واعلم أنك تساوي تماما ما ترتعد من أجله، ومن هنا فإن القلب العاشق يكون أوسع من العرش"، ثم يبدأ في قراءته للديوان فيرى أن "الشاعرة تعزف بالكلمات وهي تنتحر تارة، وتارة أخرى تلم أجزاء جسدها الناحل بابتهال كوني موجع، فتقرأها (أي القارئ) بشقاوة العواصف، ثم تخلد للراحة مطلقا فراشات بهجتك اللؤلؤية فتكون أصابعك قد استعادت ثمار فوضاها وجنونها الضروري، وقد هيأت عشب ذاكرتك لمطر هذه الأبجدية الموحية الجميلة".

نرى أن الكاتب يبدع نصا شعريا موازيا لنص غادة السمان، أو بتأثير من نصوص غادة السمان في هذا الديوان، الذي يعقبه ديوان "القلب العاري .. عاشقا" يتعامل معه الكاتب بنفس الرؤية الإبداعية، ولا أقول النقدية، حيث يقول عن أحد نصوص الديوان: "اقرأُ، وأواصلُ القراءة، مستسلما لذبذبات الجذب والدهشة، ولكن هذه المرة على ورق طائع وحبر بنفسجي وحروف ودودة سلمية، لا تشاغب، وكلمات دافئة اتسعت بوقار لحزن الشاعرة".

وفي مجال الرواية التي أبدعتها غادة السمان، يتوقف كاتبنا عذاب الركابي عند إحدى رواياتها المهمة هي "الرواية المستحيلة"، منهيا طرحه حول تلك الرواية بقوله: "الرواية المستحيلة ليست سيرة الذات الحنون الجريحة، بل هي الذات نفسها، وهي تكتب بكل ما في اللغة من سحر بلاغة، وكيمياء خيال، وعلى لحن ذاكرة تتجدد وعطر حنين لا ينفد".

أما عن رواية "يا دمشق وداعا .. فسيفساء التمرد" فيقول عنها الركابي: "بلغة لم تتخل عن عطر القصيدة جاءت رواية (يا دمشق وداعا) سفرا صادقا بليغا، خط بدمع الروح، وبفتافيت جسد مبعثر، يتجمع فقط على بساط الحرية والحب والحلم والكلمات".

ثم تأتي شهادات في إبداع غادة السمان (عاشقة الشعر والحرية) لعدد من الأدباء والكتّاب، يأتي على رأسهم الشاعر العراقي الكبير محمد مهدي الجواهري الذي قال: "أنا معجب جدا بما تكتبه غادة السمان. قرأت لها فدهشت وافتخرت بنفسي، وبأن يكون للأمة العربية كاتبة مثل غادة السمان".

ثم تتوالى شهادات المبدعين العرب: "غادة السمان شجرة تتوهج" للعراقية وفاء عبدالرزاق، و"غادة السمان بين المكان والحرية" للمصري محمد عطية محمود، و"غادة السمان .. الطيران عاليا في سماء الحلم" للعراقية نوال الغانم، و"غادة السمان إبداع متواصل" لليبي محمد المسلاتي، و"غادة السمان مفاجأة شديدة الرهافة" للمصري شوقي بدر يوسف، و"غادة السمان .. الاسم الحركي للتمرد" لليبي جمعة الفاخري، و"غادة السمان مانيفستو الطلقة لكل شريف" للمصرية فاطمة ناعوت، و"غادة السمان وهذيان لغتها" للسوري إبراهيم محمود.

ثم يأتي الحوار المطول مع غادة السمان لنلاحظ أن الأسئلة والأجوبة عبارة عن قطع أدبية وجمل بيانية وكلمات حريرية، ومن عناوين هذا الفصل أو هذا الحوار: غادة السمان مخلوق بياني، الكتابة هي الموت الذي يجعلنا أحياء، الكتابة حرفة المجانين السريين، أكتب لأنني أشتعل حياةً، العالم ضجر بدون علامات استفهام وتعجب، العالم مظلم وكئيب بدون شعر وشعراء، أنا معنية بالشحنة الإبداعية، لو قال "غاليلو" الأرض تدور شعرا لما حُكم بالإعدام، الأحلام أفلام شخصية، البداية هي شهوة إلى لحظة تواصل، الحرية هي كلمة السر في كل ما أخطه، إنني عاشقة للشعر، أطالع كل ما تطاله يدي، لكل كاتب بصمة خاصة، والكتابة كبصمة الإصبع مختلفة، أوكسجين الحرية غير متوافر في الفضاء العربي، ثمة نقاد نثق بكلماتهم لكنهم قلة، أهدي وردة بيضاء لكل من أحب سطوري.
سأنشر كل الأوراق التي كتبت كرسائل حب لي، وذلك ردا على الضجة التي صاحبت صدور كتابها عن غسان كنفاني، والتي واجهتها الكاتبة بأعصاب باردة، وتقول: "إن معظم الذين (قامت قيامتهم) لنشري الرسائل لم يدافعوا عن غسان بل عن إزدواجيتهم، وكانوا قد كتبوا لي رسائل مشابهة هي بحوزتي وشنوا عليّ (حربا وقائية) وبينهم من زعم الدفاع عن غسان وكان قد هاجمه شخصيا وسخر من كتبه خلال حياته".

وتعترف بقولها: "أنا أقوم بتعرية الرياء العربي ولا يخيفني دفع الثمن، لأن إعلان الحقيقة يعتبر اعتداء على (القبيلة)".

وفي هذا الحوار الثري، تشعر الكاتبة بأنها واحدة من أيتام الحرية والعروبة والمشاعر القومية.
إن الكتابة إطلالة على غادة السمان وعالمها وإبداعها وشخصيتها، بقلم شاعر يغوص في بحار الأدب، ويستخلص منها أجمل اللآلئ والمجوهرات.
كلمات البحث
اقرأ ايضا: