Close ad

قصيدة النثر العامية

31-8-2016 | 08:56
قصيدة النثر العاميةفؤاد حداد
أحمد فضل شبلول
يتشابه ما يحدث الآن على الساحة الأدبية والشعرية، مع ما كان سائدا في بداية الخمسينيات من القرن الماضي، عندما ظهرت إلى الوجود قصائد الشعر التفعيلي، ودواوينه على أيدي رواده في مصر: عبد الرحمن الشرقاوي، وصلاح عبد الصبور، وأحمد عبد المعطي حجازي، وما حدث من شجب واستنكار وإدانة لهذا النوع الجديد من الشعر..
موضوعات مقترحة

بل إن البعض شكَّك في وطنية أمثال هؤلاء الشعراء، وأنهم يسعون لهدم اللغة العربية، لغة القرآن الكريم، واتهموا بالزندقة والإلحاد، عن طريق التمرد أو الخروج على بحور الشعر العربي الرصين.

ولأن هذا الشجب والاستنكار كان مغاليا فيه، ولا يتواءم مع طبيعة المرحلة الثورية التي تمرُّ بها الأمة العربية في ذلك الوقت، فقد ازدهرت مدرسة الشعر التفعيلي التي كانت لها إرهاصات سابقة جاءت على يد شعراء مصريين أو عاشوا في مصر، من أمثال: علي أحمد باكثير، وخليل شيبوب، ومحمد فريد أبو حديد وغيرهم، بل جاءت متجاوبة مع شعراء عراقيين مهدوا لها من أمثال: نازك الملائكة، وبدر شاكر السياب، وعبد الوهاب البياتي، وبُلند الحيدري، وغيرهم.

ثم تخرج من هذه المدرسة بعد ذلك شعراء كبار، من أمثال: أمل دنقل، ومحمد إبراهيم أبو سنة، وفاروق شوشة، ومحمد عفيفي مطر، وأحمد سويلم، ومحمد مهران السيد، وغيرهم، وخفتت حدة الصراع بين الشكلين التقليدي أو العمودي، والتفعيلي أو الحر، وإن لم تختفِ تماما.

ثم انتقلت عدوى الشعر التفعيلي إلى فن الزجل الذي يشابه في طريقة كتابته الشعر العمودي، مثلما نجده عند بيرم التونسي، وأبو بثينة، والسيد عقل، ومحمد رخا ـ على سبيل المثال ـ فظهر إلى الوجود شعر العامية الذي يشابه في طريقة كتابته، طريقة كتابة الشعر التفعيلي، وراجت قصيدة العامية رواجا كبيرا، ولم نلحظ شجبا أو استنكارا أو رفضا لطريقة الكتابة على هذا النمط، وظهرت دواوين كاملة لشعراء من أمثال: فؤاد حداد، وصلاح جاهين، وعبد الرحمن الأبنودي، وسيد حجاب، وأحمد فؤاد نجم، وفؤاد قاعود، وكامل حسني، وغيرهم.

وبعد أن استقرت قصيدة التفعيلة في شعر الفصحى لدى الأجيال المختلفة التي جاءت بعد جيل الرواد، ظهر إلى الوجود الشعري ما يسمى بقصيدة النثر، التي كانت لها إرهاصات سابقة لدى حسين عفيف تحت مسمى "الشعر المنثور"، بل إن العقاد أشار إلى باب الشعر المنثور في تعليقه على قصيدة "المواكب" لجبران خليل جبران بجريدة الأهالي في مايو عام 1919 فقال عن جبران "وعندنا أنه لو طرق باب الشعر المنثور لكان ذلك أفسح مجالا لآرائه وأقرب إلى سليقته وقدرته اللغوية من معالجة الشعر الموزون".

وعندما تولى العقاد رئاسة لجنة الشعر بالمجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب بعد قيام الثورة (المجلس الأعلى للثقافة حاليا) كان يحيل قصائد شعر التفعيلة إلى لجنة النثر للاختصاص.

تلقف دعوة الشعر المنثور أو قصيدة النثر بعد ذلك، بعض الشعراء اللبنانيين والسوريين (أو الشوام)، فغذُّوا هذا التيار، وكان منهم: سعيد عقل، ومحمد الماغوط، وأنسي الحاج، وأدونيس، ثم نزار قباني وغيرهم.

ونجد الآن الموقف نفسه من رفض لهذه القصيدة من أساطين الشعر التفعيلي، أو من معظمهم.

وما لبثت أن انتقلت عدوى قصيدة النثر، من شعر الفصحى إلى شعر العامية، فنجد قصائد تحولت الآن إلى دواوين مطبوعة في قصيدة النثر العامية لعدد من الشعراء أذكر منهم: حمدي عبد العزيز، والراحل مجدي الجابري، ويسري حسَّان، ومحمود الحلواني، ومسعود شومان. بعد أن كان لها إرهاصات في الأعمال المسرحية لميخائيل رومان، وألفريد فرج، وغيرهما. كما نجد شعراء آخرين يراوحون الكتابة بين الأشكال العامية المطروحة على الساحة (الزجل، والتفعيلة، والنثر) مثل: مصطفى الجارحي، وبهاء جاهين، وأحمد الخضرجي، وغيرهم.

ولعل في هذا إجابة عن السؤال الذي طرحه د.غالي شكري منذ سنوات طويلة، الذي يقول فيه: لماذا اختار شعراء "العامية" إيقاعات التفعيلة، وأحجموا عن إيقاعات النثر، أو لماذا لم يبدعوا "قصيدة النثر العامية"؟

المشكلة التي أرى أنها من الممكن أن تتمحور حول قصيدة النثر سواء الفصحى أو العامية، هو سهولة كتابتها من غير الموهوبين، فإذا كان شرط التفعيلة أو شرط الموسيقى يقف عائقا أمام الأدعياء في كتابة العمودي أو التفعيلي (فصيحه وعاميه) فإنه مع إلغاء هذا الشرط، في قصيدة النثر (الفصيحة والعامية) سنفتح البابَ واسعا أمام كل من هبَّ ودبَّ، ليكتب في قصيدة النثر، وسيصبح الرجوع إلى قاعدة ما، نحتكم إليها من الصعوبة بمكان.

ومع ذلك يبقى أمامنا الأصوات الأصيلة التي تابعناها من قبل في كتابتها للزجل والأغنية ولشعر التفعيلة العامي. مثل هذه الأصوات عندما تكتب في قصيدة نثر العامية، فإننا لابد أن نتأمل تجربتها، ونتعرف على شروط دخولها في غمار هذا العالم الجديد، وماذا أضافت إلى شعر العامية المصري بعامة، وإلى قصيدة نثر العامية على وجه التحديد؟
كلمات البحث
اقرأ ايضا:
الأكثر قراءة