Close ad

الإبداع والمباشرة.. قراءة في رواية "غفرانك أيها الأحمق"

24-6-2016 | 20:53
الإبداع والمباشرة قراءة في رواية غفرانك أيها الأحمقأرشيفية
خالد بريش
"لماذا باتت الرجولة نادرة والأنوثة مشوهة إلى هذا الحد؟ وأحيانا أظن أن الله خلق إبليس خصيصا للرجال أما النساء فسذاجتهن تكفلت بالأمر؟".
موضوعات مقترحة


بهذا السؤال والتعقيب الذي يشبه عبارات مقتطفة من كتب الحكماء الأقدمين تبدأ رواية "غفرانك أيها الأحمق غفرانك" للكاتبة المصرية هاجر رضا، الصادرة عن دار ليان للنشر والتوزيع في القاهرة.

إنها رواية تنتمي إلى جيل جديد من الكتاب من الممكن أن نطلق عليهم كتاب ما بعد الربيع العربي وثورة يناير الشبابية والذين هم أكثر مباشرة في تناول المواضيع والقضايا وأكثر صراحة في نقدها.

فتسمي الكاتبة الأشياء بأسمائها دون مواربة أو تلميح وتغوص في أعماق القضايا ودفائن نفسيات مكنونات الشخصيات الذين تتناولهم في روايتها فتتسرب إلى ما تحت جلدهم وتسبح عبر كريات دمائهم التي تسيل في عروقهم فتعرض من خلالهم لعدة تجارب إنسانية في الحب والعلاقات الإنسانية السوية والمحرمة بين الذكر والأنثى وكل ما يتعلق بذلك من لقاء وفراق وغيرة وانتقام وزواج وطلاق وكذلك لطبيعة الرجال والنساء بصفة عامة مركزة على الرجل الشهواني الذي يتنقل من امرأة إلى أخرى كتنقله بين صفحات كتاب بين يديه واضعا المثل والأخلاق في ثلاجة طالما أنها لا تخدم نزواته ورغباته... دون إغفال لموضوع المساواة بين الذكر والأنثى في المعاملات والزواج بأكثر من واحدة مؤكدة على أمرين:
الأول: إن كانت امرأة واحدة لا تكفي.. فرجل واحد أيضا لا يكفي!
الثاني: إن الرجال الباحثين عن تعدد الزيجات هم متسولون للجنس!

متساءلة كيف بالإمكان لثلاث نساء تقاسم قلب رجل واحد؟ واصفة مشاعر الرجل الذي يفقد زوجته بالطلاق بناء على رغبتها بالتخبط والتردد وبأنه ينتمي لمجموعة الحمقى الذين تنظر عيونهم دائما إلى الخلف.
وكل ذلك مصحوب بتوصيف دقيق لطبائع النساء والرجال بشكل يزيل الأقنعة عن وجوههم جميعا. مطلقة صيحاتها لكل أنثى لكي تستعمر رجولة الرجل وتحتكر أنوثتها لنفسها مع الاحتفاظ بكبريائها في كل الأوقات مؤكدة لها : مخطئة كل أنثى تعتقد أن السعادة رجل! طالبة منها تجاهل الرجل كسلاح لزلزلة كيانه... وبتركه معلقا بين الحب واللامبالاة أو بين الاهتمام والإهمال أو بين الشعور واللاشعور. منتقدة ذرفها للدموع قائلة : على أي حال هي فلكلور مصري للأنثى تسقطها فرحا وحزنا. وكذلك تنبه الرجل وترسل له رسالة تحذير : وأنت تحطم قلب أنثى، احذر صفعات القدر، أنت فقط قيد الانتظار، فالحب بلا مبادئ، كالصلاة بلا وضوء، الاثنان صاحبهما ملعون...

وما أن يتجاوز القارئ عدة صفحات حتى يغرق في تفاصيل الرواية التي هي عدة روايات لعدة فتيات في آن معا فيجد نفسه أسيرا لأحداثها وكأنه أحد اللاعبين في ملاعبها بحيث لا يستطيع في لحظة من اللحظات فصل إحدى تلك القصص عن الأخرى أو حتى عن بعض تفاصيل قصصه الشخصية وبعض أحداثها المتطابقة مع ما مر معه في تجربته الشخصية فيتداخل عندها الخاص في العام ويحدث عنده نوع من التماهي والتفاعل لا مع الأحداث فقط بل مع الكلمات والعبارات والأحداث وكل ذلك في وحدة سردية متكاملة متناسقة متماسكة مما لا يسمح له في الصعود إلى مرتفع لكي يطل على الأحداث بحيادية لأنه يكون غارقا في عمقها...

وخلال سرد الكاتبة وتساؤلاتها عن الحب والحياة عامة تقدم نقدا متكاملا لدورة الحركة الإنسانية وعلاقة القدر في تصرفات الإنسان متسائلة فيما إذا كانت الخيبة والحزن والسعادة والشقاء واللقاء والفراق قدر...؟ متناولة بشيء من المرارة ازدواجية القيم والوجوه وخصوصا الأشخاص الذين ينصبون أنفسهم قضاة حاملين لمفاتيح رحمة الله يخرجون منها ويدخلون فيها من يشاؤون.

وتوظف الكاتبة بعض أحداث روايتها للدخول في الواقع السياسي والاجتماعي الذي تعيشه مصر والذي من الممكن أن ينطبق على كثير من البلاد العربية فتنتقده أفقيا وعاموديا ببراعة واصفة المجتمع بالركود عكس مجتمعات الغرب المتحركة باستمرار. منتقدة التصويت برفع الأيدي والمحسوم مسبقا لمصلحة رب العمل والسياسي الفرد في مجالس الحكم والقرار. متطرقة إلى الفساد المستشري في كل مفاصل البلد والواقع الطبي الهزيل في مصر ووضع مستشفياتها وعمليات توريد الأجهزة والأدوية الفاسدة وما تقوم فيه المافيات الجشعة التي يدفع ثمن صفقاتها المواطن العادي واضعة لوزارة الصحة شعارا جديدا: الموت علينا حق!

ولا توفر الكاتبة المحاكم والقضاء والشرطة فتؤكد أن المعتقلات لم تعد للمجرمين بل غدت للشباب المعارض الثائر المطالب بالكرامة والحقوق والعدالة! دون نسيان الحديث عن تلوث هواء القاهرة وزحام السير في طرقاتها وشوارعها. منتقدة تقاليد المجتمع فيما يخص الذكورة والأنوثة وفي اختيار ما يريده الآباء لأبنائهم من دون أن يكون للأبناء وجود أو دخل في ذلك متألمة من تلك الخيارات : هم المصريون بارعون في الأسوأ بأستاذية...! مركزة في أكثر من فقرة على الفقراء وطيبتهم فارضة حضورهم في دواخل القارئ وبين سطور الرواية كحالة إنسانية مرددة : ما أبشع الفقر وما أجمل أولئك البسطاء القاطنين على هامش الحياة!

والرواية إلى جانب ذلك كله تطرح إشكاليات كثيرة لم يحسمها المجتمع وذلك كتعدد الزوجات. وزواج المسلمة من مسيحي. ونظرة الدين لذلك مع مناقشة هادئة لحديث ناقصات عقل ودين. كل ذلك في سياق روائي جد منسق كباقة ورد تقدم للقارئ بأسلوب متسامح هادئ. بل نستطيع القول بأنها وبامتياز محاولة زكية في العلاج النفسي الذاتي لكل فاشل في امتحانات الحب.

وكما بدأت الرواية بسؤال فتح حوارا مع الآخر الذي تارة كان رجلا وتارة أخرى امرأة أنثي بكل مفاتنها وأنوثتها وأيضا خيباتها... فإنها تنتهي بمجموعة من النصائح آخرها عبارة هي أشبه بموضوع لرواية قادمة فتقول : العشاق لا يفترقون، هم فقط يسيرون في دربين مختلفين قيد اللقاء... ولكن مع آخر صفحة تبقى عبارة الكاتبة التي تترجم شكواها من طبيعة البشر في المجتمع ونفاقهم وخداعهم تدغدغ مشاعر القارئ مع شيء من المرارة : كل شيء من حولي يحمل وجهين، إلا القهوة لها وجه واحد... وأحيانا بلا وجه!
----

خالد بريش
(كاتب وباحث مقيم في باريس)

كلمات البحث
اقرأ ايضا:
الأكثر قراءة