Close ad

الحسين عبد البصير يكتب: الدين والفنون فى عصر العمارنة

11-2-2016 | 11:41
الحسين عبد البصير يكتب الدين والفنون فى عصر العمارنة الحسين عبد البصير
تعتبر فترة العمارنة من أهم الفترات التاريخية فى مصر القديمة التى حدثت بها تطورات بل طفرات فى كل مظاهر الحياة بل والعالم الآخر.
موضوعات مقترحة


وكان الدين من بين أهم العناصر المميزة التى قامت عليها دولة الملك أخناتون ودعوته الدينية الجديدة. ولعب الدين دوره الكبير بامتياز فى فترة العمارنة الفريدة فى التاريخ المصرى القديم كله.

وانصب اهتمام الملك الشاب على معبوده الجديد "آتون" الذى جسده الملك فنيا على هيئة قرص شمس تخرج منه أيد بشرية تمسك بعلامة "عنخ" كى تهب الحياة للبشرية جمعاء من خلال الوسيط أو النبى الملك أخناتون وأفراد عائلته المقدسة. وكان الأمير أمنحتب (الملك امنحتب الرابع بعد ذلك) قد تعلق بديانة الشمس وتحديدا قرص الشمس "آتون" منذ أن كان صغيرا.

وتأثر كثيرا بخاله الذى كان كبيرا للرائيين فى معبد الإله رع إلى الشمس فى مدينة الشمس: هليوبوليس (منطقتا عين شمس والمطرية الحاليتان فى شرق محافظة القاهرة).

وكان والده الملك أمنحتب الثالث وجده الملك تحوتمس الرابع دعما من ديانة آتون من قبل، غير أن أخناتون أخذ الخطوة الأكبر ووصل بديانة آتون إلى قمتها ونهايتها فى الوقت عينه.

وعندما صار الأمير أمنحتب ملكا غير اسمه فى العام السادس من حكمه من أمنحتب الرابع إلى "أخناتون" أى "المفيد لآتون" كى يكون على أتم الاتساق مع دعوته الدينية الجديدة ومعبوده الجديد قرص الشمس آتون الذى أراد من خلاله الملك أخناتون أن يحقق العالمية لدعوته؛ نظرا لوجود الشمس فى مصر وكل مكان من بلاد الشرق الأدنى القديم؛ وبذلك يستطيع أن يتعبد إلى ذلك المعبود الكونى البشر فى معظم أرجاء الإمبراطورية المصرية الفسيحة التى شيدها جده الأعلى الفرعون المحارب الملك تحوتمس الثالث فى آسيا وأفريقيا.

ولقيت الدعوة الدينية الجديدة استحسان من قبل زوجته الجميلة والذكية الملكة نفرتيتى التى صارت من أقوى المناصرين للملك أخناتون ودعوته الجديدة وصارت صنوا له وعنصرا مكملا للدعوة الآتونية والديانة الشمس وينقص المشهد شىء مهم إن لم تكن الملكة الجميلة موجودة به، إن لم تكن منافسة للملك الموحد.

وفى بداية حكمه، بنى الملك أخناتون معبدا للإله آتون فى الكرنك، المكان المقدس للمعبود آمون رع، مهددا بذلك دولة آمون رع الأزلية المستقرة وكهنته ومتحديا إياهم فى عقر دارهم مما جعلهم يضمرون له الحقد ويكيدون له المكائد حتى ترك مدينتهم طيبة العاصمة العريقة لمصر القديمة فى عصر الدولة الحديثة وارتحل إلى مدينة جديدة لم تدنسها قدم إنسان من قبل.

وقامت دعوة أخناتون على جمع كل الآلهة فى إله واحد هو معبوده آتون. ولم يجسد الملك أخناتون إلهه الجديد فى شكل آدمى على الإطلاق. وكانت فكرة العدالة والنظام الكونى جزءا من ديانة أخناتون الجديدة. وكانت فكرة النور والضياء جزءا لا يتجزأ من الدعوة الآتونية فى مقابل الظلام وقوى الفوضى. ولا تنطوى دعوة أخناتون على فكرة التوحيد كما نعرفها حاليا، وإنما كان الهدف من تلك الدعوة بدمج المعبودات فى إله واحد هدفا سياسيا كى يحد من سيطرة المعبود آمون رع وكهنته على الحكم فى تلك الفترة.

وحاول أخناتون أن ينجح فى ذلك، لكن الحظ لم يحالفه طويلا؛ نظرا لوقوعه فى عدد من الأخطاء الكارثية الكبيرة، وكذلك انغلاق دعوته، وقيامها على شخصه وأفراد عائلته فقط، وتسرعه وقصر فترة حكمه، واعتماده على عدد من المنافقين والمنتفعين الذين انقلبوا عليه حين انتهت دعوته وانفضت دولته وخارت قواها.

وجسد الفن فى عصر العمارنة فكر الملك أخناتون الدينى وعبر عنه بامتياز؛ إذ كان الفن العنصر الأول الذى من خلاله أظهر الملك وفنانوه رؤيتهم الجديدة لتجسيد تلك المفاهيم الدينية والفنية الجديدة التى أراد الملك إرسالها إلى شعبه.

ونجح الفنانون الملكيون فى تل العمارنة فى التعبير عن تلك الآراء الجديدة وأحدثوا نقلة نوعية فى الفن فى تلك الفترة الزمنية القصيرة. وازدهرت فنون الزجاج والمعادن والجلد بشكل كبير. وتميز فن النحت وتم التجديد فيه.

وصورت الملابس بشكل لافت للغايةوعبرت تلك الملابس الملكية عن إيمانهم التام بالمعبود آتون والديانة الشمسية فى تلك الفترة. وتم تمثيل العائلة المالكة بشكل غير مسبوق كما ذكرنا من قبل.

وجسد الفنانون الملك أخناتون وأفراد عائلته الملكية وكبار رجال دولته بمعالم فنية مبالغ فيها حيث صوروا الوجه مستطيلا والشفاه غليظة والعيون كبيرة والبطن مترهلاوالأفخاذ ضخمة بملامح تخلط بين الصفات الذكورية والأنثوية وفقا لمعتقدات الملك الدينية الجديدة، وليس وفقا لما أطلق عليه البعض الواقعية فى الفن.

وفى هذه المناظر الفنية الجديدة، كان الملك وأفراد نظامه يعبرون عن رؤية الملك الدينية الجديدة التى اعتبرمعبوده آتون فى أناشيده الموجهة إليه أبا وأما لكل البشر ولكل الكائنات.

كان الفن الوسيلة المهمة والأولى التى استخدمها أخناتون فى نشر دعوته الدينية الجديدة. وقد نجح الفن فى تحقيق ذلك بتفوق.

---------------

(*) د.الحسين عبد البصير، روائي وباحث، مدير منطقة آثار "الهرم".
كلمات البحث
الأكثر قراءة