"جاءوا إليها بالعكازات من كبار السن.. ووقفوا طوابير مصطفين في انتظار العبور بالدخول..تنتبه آذانهم من الوهلة الأولى لموسيقى الإيطالي جوزيبي فيردي ويجذبهم سحر الأضواء والديكورات مثيرًا انتباههم ومسيطرا على كامل تركيزهم" حالة تختصر سحر الإبداع الجديد الذي أطلقته دار الأوبرا المصرية على مدار أربع ليال قدمت من خلالها الإنتاج الجديد لأوبرا "عايدة" وسط احتفاء جماهيري خاص ملىء جنبات المسرح الكبير. "أوبرا عايدة" حكاية الأوبرا الشهيرة التي قدمت لأول مرة على مسرح دار الأوبرا المصرية القديمة في ٢٤ ديسمبر ١٨٧١ لتصبح إحدى البصمات التي تركها الموسيقار الإيطالي الشهير "فيردي" تاركًا بها بصمته تحديدًا في موسيقى مشهد "النصر" الشهير الذي أصبح علامة مميزة في تراث الأوبرا المصرية التي تأتي إليها الجماهير من شتى أنحاء العالم. يحمل الإنتاج الجديد لأوبرا عايدة سحرًا خاصًا خصوصًا وأنه يعد الأول الذي يقدم منذ ١٥ عامًا منذ أن قدمت في عهد رئيس الأوبرا الراحل الدكتور عبد المنعم كامل، ويبدأ هذا السحر من الوهلة الأولى من خلال المايسترو كريستيان فراتيما وقيادته للأوركسترا وكورال الأوبرا بتأني شديد ووعي واضح منه يكشف عن مدى إرتباطه وتعلقه ليس فقط بموسيقى فيردي التي ينعكس على أغلبها التأثر بالقصص والموضوعات الإنسانية، وهو ما انعكس على فراتيما في قيادته ببعض المشاهد التي غلب عليها طابع الحزن تحديدًا في حدوتة "عايدة" الشهيرة والتي بدى فيها وكأنه أحد أبطال القصة وواضع موسيقاها الحقيقي من شدة انفعاله معها وبها. وتزداد حماسة المشاهد من خلال موسيقى "مشهد النصر" الشهيرة التي باتت عنوانًا للإحتفالات والمناسبات الرسمية بالدولة المصرية، من خلال موسيقى المارش العسكري المألوفة لدى آذان الجميع ليس في مصر فقط بل في جميع أنحاء العالم والتي تبدأ بالعزف على الآلات النفخ النحاسية في مشهد تجتمع فيه جميع الشخصيات من الشعب والكهنة والأسرى في احتفاءً بالنصر، تلك الموسيقى التي تشعر الأذان بالفخر وفرحة الانتصار وتبقى هي الرمز الشعبي لجميع احتفالات المصريين الوطنية وحتى على صعيد الأحداث التي تشارك فيها الأوبرا في الاحتفالات الخارجية. ولاشك أن الديكورات التي صممها محمد عبد الرازق لعبت دورًا هامًا في "عايدة" الجديدة والتي بدت وكأنها تقدم أوبرا جديدة تمامًا تعرض للجمهور للمرة الآولى، حيث بدت التصميمات أكثر انسجامًا مع فصول الأوبرا الأربعة والتي تفصح عن فخامة الديكورات وبالرغم من كبر حجمها إلا أنها حملت سهولة في الحركة على المسرح سواء من مبدأ تحريكها لتغييرها بحسب فصول الأوبرا أو على صعيد حركة الراقصين من حولها على خشبة المسرح كل ذلك تكلل بالإضاءة المعبرة التي وضعها ياسر شعلان والتي بدت وكأنها روحًا تعبر عن مشاهد الفرح والحزن في هذه الأوبرا ويتكلل ذلك بمشهد الظلام الأخير الذي يمثل النهاية لقصة الحل التي جمعت بين "عايدة" و"القائد راداميس" داخل المقبرة التي أنهت حياتهم حيث ساد الظلام الذي يحمل إضاءة خافتة جاءت من خلفية المقبرة التي وقفت عليها "أمنيريس" ابنة فرعون التي تبكي بحرارة في وداع حبيبها الذي ظلت تحبه برغم من عشقه لجاريتها الحبشية "عايدة". هناك أيضًا توظيف جيد للإكسسوار والأزياء في "عايدة" الجديدة التي تكشف عن فخامة التصميم وأناقته ليس فقط على مستوى أبطال العرض الرئيسين أو حتى في الراقصين والكورال المشارك ما يشير للعناية الكبيرة التي قدمها مخرجه هشام الطلي من حيث أنه لم يتعامل مع عرضه بكونه عملًا يعيد تجديده بل يقدمه برؤية جديدة على مستوى جميع التفاصيل. وعلى عكس ما يظنه البعض أن مثل هذه العروض لا تلقى اهتمامًا جماهيريًا حيث شهدت "عايدة" الجديدة حضورًا لافتًا من مختلف الأعمار الذين جاءوا لمشاهدة الأوبرا الفخيمة التي يزداد وهجها بقدامة الزمن.