يتأهب المسرح لصعوده وسط إضاءات شديد الإنارة.. يدخل العديد من الجماهير يملأون قاعة المسرح الكبير بدار الأوبرا المصرية ..جمهور لا يمكن أن تحدد نوعه أو شرائحه العمرية التي جمعت كافة الأطياف تحت مظلتها.. تنطلق النغمات مرتفعة قبل دخوله المسرح، ينهض الجمهور في استقبال حار لنجمهم بين تصفيق وزغاريد وإطلاق كلمات المحبة فيدخل هو في حماسة أكبر يحلق بصوته ويطلق طاقته الإيجابية تبعث برحيق البهجة..التفاؤل في رحلة تستغرق مدتها 90 دقيقة.
موضوعات مقترحة
ربما لا يعرف الكثيرون عن هذه الحالة التي نتحدث عنها إلا إذا كانت الفرصة سمحت لهم بحضور هذا اللقاء الشعبي الطربي بين الجمهور المصري والفنان الأكثر نجاحًا وذكاءً عاصي الحلاني الذي يبقى حفله بمهرجان الموسيقى العربية في كل عام صاحب مكانة وخصوصية عن باقي حفلات المهرجان الآخرى مما يجعل حفله يرفع شعار "كامل العدد" في كل عام.
لماذا تنجح حفلات عاصي الحلاني في كل عام وسط هذا الاحتفاء الجماهيري الكبير؟ تساؤل الإجابة تتلخص في كلمة واحدة "ذكاء الحلاني" بالطبع ذكاؤه الذي يجعله يعرف جيدًا مزاجية ومتطلبات ما يحتاجه الجمهور المصري والعربي من "الجاليات" التي تحضر بالحفل مما يجعله يحضر برنامجًا غنائيًا مبهجًا حتى وإن تخلله بعض الأغنيات الحزينة والتي يختارها بعناية، ويتعامل عاصي طوال الوقت في حفله وكأنه "مصباح سحري" متأهب طوال الوقت لتقديم أي أغنية يطلبها منه جمهوره.
لكن هناك جانب آخر خفي يساعد في نجاح حفلات الحلاني يتمثل في هذا "الارتجال" الذي يخرج من قلبه مباشرة متوجهًا لجمهوره، فالفنان الذي تخطت تجربته الفنية أكثر من عشرين عامًا لا يسبق حفله سوى بروفة واحدة وأخرى نهائية نظرًا لخبرته الطويلة في الوقوف على خشبة المسرح ليس في مصر فقط؛ بل في العالم كله ما يمنحه فرصة أكبر لمعرفة ما تحتاجه مزاجية كل جمهور عن الآخر، ولأن الشعب المصري واللبناني هما شديد الصِّلة والتشابه في كثير من تركيبتهم الشخصية وميولهم الفنية يعلم الفنان أن حفله بالقاهرة بمثابة البيت الذي يطرق باب أهله يستقبلوه بمحبتهم فيطلق هو ارتجاله في حديثه وغنائه من قلبه دون تكلف أو تحفظ.
العام الثالث الذي يشارك به الحلاني في مهرجان الموسيقى العربية يؤكد الأريحية التي بات عليها بشكل أكبر مما يجعله يطور من إطلالته في كل عام، فللمرة الأولى تشارك فرقة دبكة فلسطينية "كنعان" الفنان على خشبة المسرح بالرقص معه على أغنية "ياطير"؛ حيث كانت تقتصر سابقًا فقط على عازف الطبلة الذي كان يلازمه في حفله بكل عام، ولمن لا يعرف فأن عاصي تقابل مع الفرقة للمرة الأولى أول أمس وقدم معها بروفته قبل حفله بساعات قليلة بعد أن طلبوا مشاركته بالحفل ليخرج الاستعراض بهذا الشكل التلقائي بينه وبينهم وسط صقفات الجمهور، يطلق عاصي عبارات التحية للشعب الفلسطيني ويمنحونه هم هذا الاحتفاء الخاص بتقديمهم له الشال الفلسطيني.
دموع عاصي تظهر لثوان خلال تقديمه أغنية "باب عم يبكي" التي قدمها قبل سنوات لوالدته الراحلة، فبعد انتهائه من غنائها آخر مقطع بها "عمرك شفت ايه شي باب عم يبكي" وسط تأثر شديد يمسح الفنان دموعه التي يخفي وراءها كثيرًا من الوجع على رحيل والدته.
كالعادة في كل عام تشيع المرأة المصرية حالة خاصة من البهجة والسعادة بحفل عاصي الحلاني، فعلى جانبي المسرح يصطف "فتايات" عشرينيات تطلق إليه كلمات المحبة للفنان "بحبك ياعاصي" وآخريات تتقدم في العمر "فئة الخمسينيات والسيتينيات" تنهض من أماكنها وتتناسى أعمارها وتقف لتصفق وتتفاعل مع الفنان على أغنيات: بحبك وبغار، ست الستات، وإن كان عليا والتي واصلها بأغنيات عبدالحليم حافظ سواح وميل وحدف منديله، بالإضافة للأغنيات التي قدمها خصيصًا لمصر مثل يانسايم حرية وكبيرة يامصر واختتمها ب"أحلف بسماها وبترابها".
لكن يخطئ من يعتقد أن جمهور عاصي محصور بالمرأة فقط، فكثير من الشباب الرجال أيضًا وقفوا بالأمس في حفله يصطفون جوانب المسرح ويرقصون على أغنياته ويطلقون له صفارات التحية والاحتفاء.
عاصي الحلاني يبقى فنانًا صاحب كاريزما خاصة لعله أكثر نجوم لبنان الذي نجح في الوقوف على أرض صلبة من خلال الاحتفاظ بمكانته عربيًا من خلال أعماله التي كان لصوته الفخيم الجبلي دور مهم بها مدمجًا إياها بالألحان الشرقية التي لم تتخل عن هويتها إلى حد كبير.
عاصي الحلاني عاصي الحلاني عاصي الحلاني عاصي الحلاني عاصي الحلاني عاصي الحلاني