Close ad

معرض تونس الدولي للكتاب.. الرهان على الثقافة

24-4-2018 | 22:39
معرض تونس الدولي للكتاب الرهان على الثقافةمعرض تونس الدولي للكتاب
مقال لـ محمود الغيطاني

لم تكن المرة الأولى التي أزور فيها معرض تونس الدولي للكتاب، كان ما رأيته وشاركت فيه العام الماضي، يؤكد أنه لم يكن مجرد معرض، بل عُرس ثقافي حقيقي وضخم تُمارس فيه معظم أشكال الفنون، وليس عرض الكتب، وبيعها فقط، أو إقامة حفلات التوقيع، والعديد من الندوات الثقافية، والفكرية، والشعرية، بل كان هناك أيضا الكثير من العروض السينمائية، والتكريمات، والحفلات للأطفال، وغير ذلك من ألوان النشاطات والفنون المختلفة.

موضوعات مقترحة

هذه الدورة لم تكن أقل من سابقتها، تشرفت فيها بإدارة ندوة مهمة عن كتابات الأسيرات الفلسطينيات، ومعاناتهن مع سجون الاحتلال الإسرائيلي، من خلال كتاب "حفلة لثائرة.. فلسطينيات يكتبن الحياة"، وهو الكتاب الذي أعدته الروائية العراقية، هيفاء زنكنة، الذي كان نتاج ورشة للكتابة الإبداعية، أعدتها الكاتبة العراقية مع عدد كبير من النساء اللاتي سبق لهن المرور بتجربة الأسر في سجون المحتل، ولم يسبق لهن الحديث عن هذه التجربة المريرة، كما لم يسبق لهن الكتابة من قبل، ومن ثم كانت كتابتهن الأولى عن هذه التجربة الأليمة التي جاءت بشكل فيه الكثير من العذوبة والاسترسال والصدق والصلابة، هذه الصلابة التي جعلت عددا كبيرا من حضور الندوة يذرفون الدموع أثناء استماعهم لتجربة الاعتقال وما دار فيها.

"حفلة لثائرة" هو عنوان الكتاب الذي جمع شهادات الأسيرات الفلسطينيات، ويحيلنا العنوان إلى قصة حدثت داخل المعتقل، حيث تم اعتقال إحدى الفلسطينيات التي كانت حاملا في طفلتها، وأنجبت الأم هذه الطفلة في المعتقل لتطلق عليها اسم "ثائرة"، وبعد فترة من وجود الطفلة في المعتقل كان لا بد لها من الخروج والانفصال عن أمها؛ فأعدت جميع الأسيرات حفلة للاحتفال بالطفلة الثائرة، حيث كن جميعا أمهات لها.

شارك في الكتاب الكثيرات من الأسيرات، منهن نادية خياط، التي استمعنا إليها بعمق، حينما روت عن فترة اعتقالها؛ لتثبت مدى صلابة الفلسطينيات في وجه المحتل، حيث حُكم عليها بالسجن المؤبد 20 عاما، قضت منهم خمس سنوات في سجون الاحتلال، ثم خرجت في عملية لتبادل الأسرى عام 1984م؛ ليبعدها الاحتلال إلى الأردن حتى عام 1996م، والشاعرة روز شوملي، التي كانت الوحيدة ممن أدلين بشهادتهن التي سبق لها الكتابة من قبل، كما أنها لم تتحدث عن تجربة الاعتقال التي لم يسبق لها المرور بها، وإن كانت قد تحدثت في شهادتها عما يتساوى مع تجربة الاعتقال من ألم، وهي تجربة الاغتراب القسري عن الوطن والشعور بالقهر والغبن والاشتياق إلى وطنها الذي لا تستطيع العودة إليه.

المفارقة الحقيقية في الأمر أن الكاتبة/ الأسيرة سابقا، آية كميل، كانت قد تم توجيه الدعوة إليها من قبل معرض تونس الدولي للكتاب، لكن الاحتلال الإسرائيلي رفض التصريح لها بالسفر بابنتها الرضيعة، وطلب منها دعوة مماثلة للرضيعة أيضا؛ ومن ثم غابت عن ندوة تقديم الكتاب في معرض تونس.

من الملاحظات اللافتة للنظر في المعرض هذا العام، وجود الجزائر كضيف شرف في هذه الدورة، لكن التمثيل الجزائري في تونس لم يختلف كثيرا عن تمثيلها كضيف شرف في مصر منذ شهرين؛ ومن ثم نستطيع أن نُكرر ما سبق أن قلناه: حضرت الجزائر وغابت ثقافتها؛ فبعيدا عن واسيني الأعرج- الذي تم تكريمه- الذي نراه في كل الملتقيات، والذي بات وجها مُكررا لا يضيف الكثير، وناهيك عن الشاعر عبدالله الهامل، الذي أرى دعوته كانت بمثابة حفظ ماء الوجه فقط، نرى أن كل الأسماء التي مثلت الجزائر في تونس مجرد أسماء إدارية لها علاقة بوزارة الثقافة فقط أكثر من علاقتها بالثقافة الحقيقية للجزائر الثرية بالأسماء الأدبية المهمة، يؤكد هذا أن الدعوة الموجهة للروائي الجزائري كمال داود، كانت من قبل إدارة معرض تونس الدولي للكتاب، وليست تمثيلا رسميا لثقافة الجزائر، وهذا ما حدث أيضا مع الروائي أمين الزاوي، أي أن الوجه الثقافي للجزائر يُمثل ثقافة وزير الثقافة، ومن يرضى عنهم، ولا يمكن له تمثيل الوجه الثقافي الحقيقي لها.

من الأمور التي تؤكد على حرص إدارة المعرض على الثقافة والرهان عليها، ومحاولة محاربة الأفكار الإرهابية قيام إدارة المعرض بإغلاق إحدى أجنحة النشر السورية؛ لترويجها كتابا للأطفال حتى سن العشر سنوات بعنوان "اللهم ارزقني الشهادة" للمؤلف محمد عمر الحاجي، ورسوم إياد عيساوي، وقد ظهر على غلاف الكتاب رسما لطفل صغير يطلب الشهادة وخلفه راية تُشبه راية "داعش"؛ ويأتي هذا الفعل من إدارة المعرض كرد فعل طبيعي لثقافة تونس المعتدلة النابذة للتطرف الديني والدعوة للعنف، أو تدخل الدين في حيوات الناس الخاصة، كما أن مدير المعرض الدكتور شكري المبخوت من أول الداعين لنبذ التطرف، لاسيما أنه صدر له مؤخرا كتابه المهم "تاريخ التكفير في تونس" عن دار "مسكلياني"، وهي الدار التي تقدم لنا تجربة فريدة في النشر العربي بما تنشره من أعمال مختلفة ومُختارة بعناية، كما أنها تُبشر مستقبلا باعتبار تونس مركزا من مراكز النشر في العالم العربي.


تؤكد لنا الدورة 34 من معرض تونس الدولي للكتاب ثقافة تونس المعتدلة المختلفة عن غيرها من الدول العربية، كما تُدلل على عمق هذه الثقافة البعيدة عن التطرف، ولعل إدارة شكري المبخوت للمعرض للمرة الثانية على التوالي، توضح مدى قدرته على إدارة معرض يهتم بالحالة الثقافية الحقيقية، مقدما لنا الوجه الثقافي الحقيقي لتونس القارئة، ومن ثم نستطيع القول: راهن شكري المبخوت على الثقافة هذا العام؛ فربح الرهان.

كلمات البحث
اقرأ ايضا: