على الرغم من شهرة الإسكندرية التاريخية والحضارية منذ إنشائها عام 332 قبل الميلاد، وحتى الآن، واختيار الإسكندر الأكبر لهذا المكان العبقري المطل على جنوب حوض البحر الأبيض المتوسط ليكون قاعدة إمبراطوريته التي يحلم بها، فإن أغنية فيروز للإسكندرية منحتها الكثير من الجمال فوق جمالها والخلود فوق خلودها.
موضوعات مقترحة
ولعل عاصي الرحباني وفيروز عندما زارا الإسكندرية أول مرة عام 1955 لقضاء شهر العسل أحسّا أنها امتداد طبيعي لست الدنيا "بيروت" بخاصة أن المدينتين تقعان على البحر المتوسط، فألهمتهما تلك الزيارة الأغنية الشهيرة "شط اسكندرية يا شط الهوا".
لم تغن فيروز للقاهرة، مثلما غنت للإسكندرية على الرغم من أنها شاركت في أكثر من حفل غنائي بالقاهرة، ولكنها تغنت بمصر عموما، في رائعتها "مصر عادت شمسك الذهب".
ولعل استعادة فيروز لبعض أغاني فنان الشعب سيد درويش مثل أغنية "زوروني كل سنة مرة" و"أهو ده اللي صار"، يؤكد الرابطة السكندرية اللبنانية في وجدان كل لبناني، وفي وجدان كل سكندري.
وقد جاء كتاب "لبنان بعيون سكندرية" من إعداد سارة سرور ليؤكد هذا المعنى، وقد صدر عن مكتبة الإسكندرية وقنصلية لبنان العامة بالإسكندرية.
في هذا الكتاب الذي جاء في صورة معرض تشكيلي رائع للفنان السكندري خالد هنو، نرى العديد من الصور واللوحات ذات الطبيعة الخاصة والمعالم المشتركة والتي تعد من مقتنيات قنصلية لبنان العامة في الإسكندرية.
ومن أبرز تلك الصور واللوحات: "صخرة الروشة"، و"أرز لبنان"، و"فيروز"، و"قلعة قايتباي"، و"صور"، و"قلعة صيدا"، و"فنار المنتزة"، و"قلعة بعلبك"، و"عنجر"، و"ساحة الشهداء" التي تعد كبرى ساحات بيروت وقلب وسطها التجاري، وكانت تعرف أيضا بساحة البرج. فضلاً عن صور لجبران خليل جبران وماجدة الرومي ومحمد علي باشا الذي حكم مصر (1805 – 1848) والأمير بشير الثاني الشهابي الكبير أحد أمراء لبنان من آل شهاب (1788 - 1840). وغيرها من الصور واللوحات التي جادت بها ريشة وقريحة الفنان خالد هنو الذي سافر إلى لبنان بدعوة من قنصلها العام في الإسكندرية أسامة خشّاب فاطلع من كثب على مناطقه ومواقعه الأثرية، وكانت زيارة تنقل فيها الفنان في مختلف المعالم ونتج عنه اللوحات الجميلة.
بطبيعة الحال لم يعرض الكتاب لوحات وصورا أخرى عن لبنان أبدعها فنانون سكندريون آخرون وغير معروضة في القنصلية اللبنانية بالإسكندرية، مثل لوحات محمود سعيد "نحو بيروت" التي رسمها الفنان عام 1953 ولوحة "ميناء بيروت" 1954، و"الصنوبر في منتصف النهار بلبنان" 1955، و"منظر بلبنان - قرية الشوير" 1956، وغيره من الفنان المصريين.
وفي كلمته القصيرة المعبرة التي افتتح بها د.مصطفى الفقي مدير مكتبة الإسكندرية صفحات الكتاب تحت عنوان "لبنان الذي نحبه" قال: عندما غنت فيروز للإسكندرية استمع لها المصريون بعمق ورددوا ما غنته بحب، ونحن في مكتبة الإسكندرية نعتز بلبنان الشعب والوطن الذي أثّر فينا كما أثرنا فيه، فالمصريون لا يعتبرون لبنان وطنهم الثاني، بل يعتبرونه عمقا جغرافيا لمصر".
ويختم الفقي كلمته بقوله: "ارتبطت لبنان في المخيلة المصرية بكل ما هو مبهج في الحياة، وارتبطت مصر في المخيلة اللبنانية بالشعب المحب لهذا البلد المدافع عن مصالحه، وإنما جاءءت رغبتنا في استضافة معرض لوحات مدن لبنان لخالد هنو لكي نرسخ هذه العلاقة الفتريدة من نوعها".
بينما قال المهندس اللبناني جبران باسيل وزير الخارجية والمغتربين: "إن صدور كتاب (لبنان بعيون سكندرية) عن مكتبة الإسكندرية يستحق الإشادة لما يمثله من توثيق لتجربة مفيدة رسم خلالها الفنان التشكيلي خالد هنو بناء على طلب قنصلنا العام في الإسكندرية أسامة خشاب، مناطق لبنانية مميزة بطبيعتها وتاريخها وآثارها، من بينها أربع مدن مدرجة في لائحة التراث العالمي من قبل اليونسكو، إضافة إلى شخصيات لبنانية دخلت التاريخ من بابه الواسع مثل جبران خليل جبران وفيروز".
أما أسامة خشاب قنصل لبنان العام وعميد السلك القنصلي بالإسكندررية، فيقول: "هذا التعاون الفني مع الفنان خالد هنو حمل رسالة أظهرت العلاقات الممتازة القائمة بين مصر ولبنان مذ قديم الأزل والتشابه بين مدينة الإسكندرية ومدن لبنان الساحلية".
بينما قام د. محمد هلال عميد كلية الفنون الجميلة بجامعة الإسكندرية في كلمته بالتعريف بالفنان خالد هنو فقال إنه من أهم الفنانين القلائل الذين أثبتوا بصمتهم الفنية خلال الفترة بين التخرج وصراع الوجود بالساحة الفنية على مدار 27 عامًا من الإنتاج الفني المتواصل، مرَّ خلالها بعدة مراحل كانت الأولى منها بين عامي 1990 و1998 وقد شكلت بداية وجوده على الساحة الفنية، تبع ذلك الفترة من عام 1998 إلى 2010 التي تُختصر بالبحث عن الشخصية الفنية من خلال الانطباعية، ثم جاءت مرحلة النضج ومثلتها مجموعة أعماله خلال الفترة من عام 2010 إلى 2017 مسجلا للحياة اليومية لمجتمعه السكندري بشكل خاص والحياة المصرية على وجه العموم، سواء للريف أو الأحياء الشعبية، راسما الأمكنة والوجوه المصرية".
ويلخص د. هلال تجربة خالد هنو من خلال التواصل بين الفن التشكيلي والدبلوماسية التي كان لأسامة خشاب ريادتها، عن طريق توفير عنصر الإتاحة للفنان السكندري في الانطلاق والتعبير عن البيئة اللبنانية ومعالمها التاريخية والأثرية وما يقابلها في البيئة المصرية من خلال لوحات وزِّعت في أرجاء مبنى القنصلية التراثي، مما شكّل تجربة فريدة ميزت مسيرة الفنان خالد هنون وأنبأت ببحثه الدائم عن منطلقات وأفق جديدة".
.