Close ad

التحولات الشعرية بمصر.. شعراء السبعينيات من اليقين إلى التساؤل

3-9-2017 | 14:41
التحولات الشعرية بمصر شعراء السبعينيات من اليقين إلى التساؤلصورة تعبيرية
عبد الناصر هلال

أعلن شعراء السبعينيات رؤيتهم الفكرية والجمالية الطالعة من قبضة المؤسسة والسلطة الفنية والجمالية، فأعلنوا عصيانهم ضد التقليد واتخاذ التفعيلة مركزًا إيقاعيا لكتاباتهم، وبالتالي تمردوا على الشمولية الإبداعية والمنبرية التي جسدتها تجارب حجازي وأقرانه والخروج على الإنشادية والشاعر النبي العراف، لم تكن شعريتهم استهلاكًا للنموذج المطروح الذي تجسده قصيدة التفعيلة الريادية.

موضوعات مقترحة

كما أنها شعرية (الفعل) لا (رد الفعل) كما فعلت شعريات المراحل التي سبقتهم، وإنما اعتمدت (الفعل) ورفعت شعارها المنادي بضرورة إحداث انقلاب شعري، وتحدي كل ما هو سائد متكلس، وتغيير المفاهيم والأفكار السائدة.

اتهم هذا الجيل في بداية رحلته الجديدة بأنه يتنكر للحركات السابقة عليه ويدعي بطولة الخروج والإضافات الجمالية غير أن قراءة أسلوب "إضاءة77" في بيانها السابق يدحض هذه التقولات وهذه الاتهامات، إذن أين رفض الآخر ونفيه التي طالما طنطنت به شعرية التقليد، كما أن إضاءة 77 تقرر "أنها لا تدعي أنها نبتت من فراغ شيطاني، فهي حلقة – نأمل أن تكون حلقة أصيلة- من حلقات تطورنا الشعري والفني الذي قادته حلقات رائدة وعظيمة".

وتؤكد "إضاءة 77" في العدد الثاني من مجلتها على الاعتراف بالآخر السابق، والكائن معها وهي امتداد لهذا الآخر تعترف بدوره وإنجازه، وتدرك أنها تعبير عن حركة أصيلة في تطور الشعر الجديد، فإنها تدرك أيضًا أن هذه الحلقة تدين بالفضل- بل بالوجود- إلى ما سبقها من حلقات في السياق التاريخي للشعر المصري الجديد، بل للشعر الجديد على مستوى الوطن العربي.

في الوقت الذي تلح فيه "إضاءة 77" على أنها حلقة متصلة ومتواصلة مع السابق واللاحق لا تطرح نفسها على أنها حلقة سلبية تقليدية تقع في سياق الزمن فقط وإنما تعلن أنها تعيد النظر في كل المفاهيم الفكرية والجمالية التي تمارسها حركة الشعر الجديد السابقة، وتتصل مع الإيجابي الحي الذي يلائم اللحظة الجمالية في ظل علاقات فنية متغيرة، حتى ترى نفسها إضافة حقيقية تنجز تجربة على غير مثال سابق، وتفتح الأفق لحرية غير محددة بأنماط وحدود جمالية ثابتة.

فتؤكد في عددها التاسع في يناير 1983م أنه "ينبغي إعادة النظر في هذه المفاهيم، لتغيير ما يستحق التغيير والتواصل مع ما يستحق التواصل .. وحتى نصل إلى إضافة حقيقية ونحن بهذا نعتد بكل إنجاز حقيقي سابق، ونرى أن شرعيتنا في الخروج عنه، واعتدادنا بخصوصيتنا يستوجب المحافظة عليه كإنجاز، وأيضًا التحاور المثمر معه، لأننا – كما قلنا من قبل – لسنا نبتا شيطانيًا لكن وعينا بالأصل لا يعني قدسيته، وإنما يحفزنا إلى خلق تجربتنا الخاصة.

لقد قامت كل حركات التجديد السابقة على جيل السبعينيات على مبدأ قتل الأب والابن حيث رفضت كل حركة من هذه الحركات محاولة الجيل السابق عليها وأنكرت محاولة الجيل الذي يليها، التجربة التي تجاوزتها وانبثقت منها، فالمهجر وأبوللو رفضوا التجربة الكلاسيكية (شوقي وحافظ) ثم رفضوا تجربة شعر التفعيلة، وشعراء التفعيلة تمردوا على التجربة الرومانسية وأعلنوا حربهم عليها ورفضهم لها، بل دخلوا معركة ضروسا تمتد آثارها إلى اليوم ضد شعراء الحداثة تجربة/ السبعينيات.


جيل كامل يصعد فيضع "الرواد" بين قوسين، هدفا لحراب الأسئلة، ليس ذلك فقط، وإنما يضع قصيدة الريادة – على تنويعاتها المتقاربة – متهما في قفص المحاكمة، رفضوا أن يقولبوا تجاربهم التي لم تكن معدة في قوالب جاهزة سلفا.

ففي يوليو 1977م صدر العدد الأول من مجلة "إضاءة 77 " يحمل رؤاهم الجديدة ويعلن عن انتماءات جمالية جديدة تفرضها ظروف المرحلة، خصوصا بعدما أصبحت تجربة الريادة والتفعيلة عامة تصادر شعريات عميقة وقدرة الذات على جدلها الجديد مع الآخر والعالم.

وتضع اللغة على المحك تجردها من أحاديتها أي بعدها الواحد، وتخلص الشعرية من ثنائية اللغة، الشكل والمضمون، هذا الفصل الساذج الذي أسست له التجارب السابقة، فحمل البيان الأول من العدد الأول لـ"إضاءة 77" كثيرًا من معتقدات التجربة الشابة في أنها وحدت منطلقاتها الفنية والجمالية.

حددت "إضاءة 77" أسلوبها: بالاعتداد بكافة الاجتهادات الفنية من موقع التمايز – الامتياز – تحقيقا لهدفها في توكيد سمات التجربة وخصائصها الشابة سواء في الإنتاج الفني أو في الفكر الفني وتقدم "إضاءة 77" في البيان الأول مفهومًا مغايرًا للفن يرفض فكرة الفصل بين الشكل والمضمون، على اعتبار أن الفصل بينهما فصل تعسفي، وهما ساقا العملية الفنية في آن فلا شكل بلا مضمون أو دلالة ولا مضمون بلا شكل.

يقول البيان كاشفًا عن منطلق "إضاءة" في هذا الشأن:
"تنطلق (إضاءة 77) من مفهوم للفن يتجاهل – بداية – تلك الخرافة الساقطة: الشكل والمضمون، إن الفن – في هذا المفهوم – إدراك جمالي للواقع، لا يعكسه عكسًُا آليا، بل يخلق – بطرائق التعبير المجازي – موازاة رمزية لهذا الواقع؛ فهو – إذن- موقف، وتشكيله موقف من العالم، وتشكيل لهذا الموقف، يفصح عن طبيعته النفسية والفكرية والطبقية".

كلمات البحث
اقرأ ايضا: