في أوائل القرن العشرين، رأت الحكومة المصرية، توحيد عيد النيروز، وعيد فيضان النيل، في عيد واحد، مما دعا توفيق مكاريوس، الباحث في دار الكتب، لتأليف بحثه التاريخي، الذي قام بنشره عام 1903م، حيث تحدث بإسهاب عن احتفالات المصريين، وطقوسهم في وفاء النيل وعيد النيروز.
موضوعات مقترحة
وكشف توفيق مكاريوس في بحثه النادر، الذي تنشر "بوابة الأهرام" مقتطفات منه، الكثير من أوصاف عرائس النيل، حيث كانت مجموعة من الفتيات كن يغنين للنيل، في وقت كان المنادون يطوفون شوارع القاهرة للإعلان عن زيادة النيل، وسط ابتهالات ودعوات المواطنين.
من خلال وثائق قديمة بدار الكتب المصرية، استعرض مكاريوس الاحتفال بالأعياد القديمة المرتبطة بزيادة نهر النيل، ومنها عيد النيروز الذي يوافق شهر توت، أول شهور السنة الزراعية المصرية، وفيضان النيل الذي يوافق نهاية السنة الزراعية المصرية، 12 أغسطس من كل عام.
كان المصريون يقسمون السنة الزراعية لثلاثة أقسام، وهي الفصل الزراعي الأول، ويبدأ من توت وبابه وهاتور وكهيك، والفصل الزراعي الثاني، وهو الحصاد، ويبدأ من أمشير، برمهاد، وبرمودة، وفيه التحاريق، والفصل الزراعي الثالث، هو الفيضان، وهو يبدأ من بشنس ويؤنة وأبيب ومسري، وخمسة أيام في السنة الصغيرة، وستة أيام في السنة الكبيرة.
في العهد الفاطمي، كان لعيد النيروز طقوسه، مثلما يؤكد المقريزي في تاريخه؛ فقد كانت الأسواق تتعطل، وتصرف فيه الكسوة لرجال الدولة، ومنها مأكولات مثل التمر القوصي والموز والهريسة المصنوعة من لحم الضأن والدجاج والبقر، وكان الناس يتراشقون بالماء ويتصافحون بالجلود، ويرجمون أنفسهم بالبيض، وكانت تكثر فيه المجون والخلاعة في الطرقات.
قال مكاريوس في بحثه التاريخي، الذي نشره علي حلقات في مجلة المقتطف منذ 114 سنة، أن عرائس بنات النيل كن يرقصن في عهد محمد علي، مقدمًا شرحًا دقيقًا لهن: "تقوم عرائس بنات النيل بالرقص بنغمات مخصوصة، وينادي المطوفون المبشرون بزيادة نهر النيل، فيما تعج القاهرة بنغمات المزمار والطبول".
ويضيف، أن الفيضان عادة كان يوافق شهر مسرى القبطي، لذا اعتبر الشهر شهر وفاء الفيضان كعادة وليس حكم، حيث يكون مبلغ الفيضان في شهر توت الذي يحتفل في 7 منه بعيد الصليب، فيقال: البحر صلب، أي وقفت زيادته عند حد معين. ولا تكون الزراعة مضمونة إلا إذا وصل الفيضان في أسوان نحو 17 ذراعًا.
كانت تتم الاحتفالات بفتح الخليج في العهد الفاطمي، واستمرت حتى قرر قلاوون إبطال أعياد النيروز والفيضان، بسبب الحوادث المؤسفة التي كانت تحدث فيها منها الخلاعة والمجون وكذلك الهرج، حيث كان لا يمر عيد إلا ويقتل فيه شخص، إلا أن المواطنين في عهد قلاوون، استمروا في عادة التبرك بالمياه ورش المياه والتصافح بالجلود، ولكن في البرك والمستنقعات.
بعد انتهاء عصر قلاون، استمر المصريون في الاحتفال بعيد النيروز، حيث يقوم المسلمون والمسيحيون بالغطس والتبرك في المياه في صعيد مصر، وهي عادة لا تفرق بين مسلم ومسيحي في هذا العيد، إلا حين يذهب المسيحي لكنيسته في نقادة جنوب قنا، ليؤدي طقوسه الدينية.
في عهد الحملة الفرنسية لبس نابليون بونابرت حلة شرقية، وحف به كبار القوم، وحشد كبير من المسلمين، وشهد بنفسه إلقاء عروس النيل في نهر النيل، وفي عصره وصل الفيضان لذروته، مما أدى لقيام المئات من المصريين بإعلان الفرح والسرور في الشوارع، واستبشر المصريون خيرًا في عهد الحملة الفرنسية بزيادة نهر النيل، وقاموا بتحية نابليون بونابرت، بسبب أن النهر فاض كثيرًا، ولم يشهدوا مثله لمدة 100 عام.
قال مكاريوس، إن الجمع بين العيدين، كما تريد وزارة الأشغال العمومية، جائز من وجهة نظره؛ "حيث المسافة بين عيد وفاء النيل والنيروز تصل لنحو 20 يومًا، فمن الجائز نقل الاحتفال بوفاء النيل في عيد النيروز".