اشتهرت حديقة "الأسماك" خلال السنوات الأخيرة، بأنها ملتقى للشباب والفتيات من المرتبطين بشكل رسمي أو غير رسمي، إلى الحد الذي جعلها مضرب مثل في اللقاءات العاطفية، سواء في الشارع أو حتى في السينما والدراما التليفزيونية. يساعد في ذلك تراجع مستوى الحديقة، فيما يخص وظيفتها الأساسية، حتى ندرت الأسماك التي تحويها، الأمر الذي يجعل زيارتها أمرًا مثيرًا للريبة، كأن يزور أحدهم حديقة للحيوان لا تضم حيوانات.
موضوعات مقترحة
وكانت وزارة الزراعة، قد أعلنت مؤخرًا، عن مشروع لتطوير الحديقة لاستعادة طابعها الأثري، سعيًا لأن تكون مزارًا سياحيًا، بالإضافة لتزويدها بأنوع جديدة من الأسماك، وذلك بمناسبة مرور 141 عامًا على إنشائها.
الحديقة التي تقع على مساحة 9 أفدنة، بناها الخديو إسماعيل عام 1875، بمنطقة الزمالك، وذلك خلال سعيه لبناء القاهرة على الطراز الأوروبي، وتحديدًا الاقتراب من الطرز الفرنسية، جلبت إليها الأسماء من عدة بلدان، وتأتي الحديقة بتصميم يجعلها شبيهة بسمكة كبيرة، ترسمها جدران مبنية بالطين الأسواني المخلوط بمواد أخرى، وتحوي ممرات عديدة تشبه الشعاب المرجانية، تضم أحواض عرض الأسماك.
ويذكر الكاتب سعد هجرس حديقة الأسماك في كتابه "الزراعة في مصر"، بوصفها "على درجة كبيرة من الروعة والجمال"، مضيفًا أنها: "بها مجموعة قيمة من النخيل، وتضم جبلاية تاريخية. وفي هذه الحديقة، يوجد أحواض تعرض بها مجموعات من أسماك نهر النيل وأسماك الزينة".
لم يكن يعلم الخديو إسماعيل، أن الحديقة التي بناها ضمن مشروعه لتبهر الزوار من المصريين الأجانب، بالحالة التي صارت عليها القاهرة، ستتحول هذا التحول من حديقة للأسماك إلى حديقة للقاءات العاطفية.
غير أن هذا التغيير، لعله لم يبدأ في السنوات الأخيرة كما يعتقد البعض، بل قد يعود لتاريخ أبعد من ذلك.
يبدو أن حديقة الأسماك، مرت بعدة تغيرات من حيث الطبقات التي تسعى لزيارتها، شأنها شأن حديقة الحيوان تمامًا. ففي الوقت الذي كان فيه العقاد يعقد ندوته الأسبوعية بحديقة الحيوان بالجيزة، كانت حديقة الحيوان مزارًا للباحثين عن مكان هادئ من أصحاب الطبقات التي تقع بين المتوسطة والأرستقراطية، وكذلك من المثقفين.
ويشير بعض الكتاب كذلك، إلى أن لقاءات الأديب عباس العقاد، والشاعرة اللبنانية مي زيادة، كان بعضها في حديقة الأسماك، وذلك خلال فترة الثلاثينيات تقريبًا، حيث توفر الحديقة مكانًا هادئًا صالحًا للمشي والحديث الهادئ.
بعدها بسنوات، وتحديدًا في أواخر الأربعينيات، صارت حديقة الأسماك متنزهًا للفتيات اللائي يعملن "مربيات لأطفال الخواجات من رجال السلك الدبلوماسي ورجال الأعمال" كما يروي الكاتب الراحل أنيس منصور، في مقال له بعنوان "عيال في حديقة الأسماك" نشر بكتابه "تكلم حتى أراك".
ويروي منصور في كتابه، مغامراته الغرامية التي عاشها في الحديقة هو وأصدقاؤه في شبابهم، حيث "من بعيد تجيء أصوات البنات الحلوة، ولم أكن وحدي؛ فمعي الفنان الأثري كمال الملاخ، والفنان الشيوعي حسن فؤاد، وكل واحد مشغول بواحدة، الملاخ معه فتاة من كولومبيا، وحسن فؤاد معه فتاة من كورسيكا".
تدهورت أحوال حديقة الأسماك تدهورًا كبيرًا خلال السنوات التالية. في كتابه "في صالون العقاد كانت لنا أيام" يشرح أنيس منصور هذا التغير، حيث يلتقي الأصدقاء ثانية، ولكن "فأسوارها باهتة الألوان، وأشجارها ذابلة الأوراق، وطرقاتها قد تعرت من الرمل الأصفر، والجالسون على المقاعد ليسوا جميعًا من الخدم أو الخادمات ولا حتى من الأطفال".
ويقول أحد الأصدقاء: "إن عدد الأسماك في هذه الحديقة لا يزيد على تسع أسماك كبيرة، وعشرين صغيرة. إن حديقة الأسماك بلا أسماك، فلماذا لا يطلقون عليها اسم (كانت حديقة الأسماك)، أو (حديقة الأسماك سابقًا)؟".
هذا التدهور استمر حتى الوقت الحالي، الأمر الذي صرف زوار الحديقة الراغبين في مشاهدة الأسماك التي تحويها عن زيارتها لـ"عدم وجود أسماك"، فيما بقي زوار الحديقة الساعون للقاءات الغرامية، ولكن مع الوقت تغير نوع هذه العلاقات وشكلها، إلى الحد الذي دفع البعض لوصفها بـ"الفضائح" لتتناولها عدة صحف ومواقع، حتى أن الشرطة أعلنت مرارًا عن التشديد على الزائرين للحديقة فيما يخص هذه العلاقات، بخاصة في فترات الأعياد حيث الازدحام.
هل يعيد مخطط التطوير الذي وضعته الوزارة للحديقة رونقها ومكانتها الأثرية، ومكانتها في الأصل من حيث وظيفتها كمكان لعرض أسماك نادرة؟ هذا ما ستجيب عنه الوزارة، التي أعلنت عن نيتها في زيادة عدد الأسماك وأنواعها، بالإضافة لطلاء الأسوار والأبواب، فضلًا عن إنشاء مكتبة بالحديقة لتوعية الزوار بأنواع الأسماك.
حديقة الأسماك حديقة الأسماك حديقة الأسماك حديقة الأسماك حديقة الأسماك