Close ad

عن "الشخصية الروائية" في كتاب السوري هيثم حسين

28-6-2017 | 22:15
عن الشخصية الروائية في كتاب السوري هيثم حسينأرشيفية
عبد المجيد محمد خلف

سبرت الرواية أغوار الحياة، واستطاعت أن تكون لسان حال هذا العصر، وتنوعت أساليبها وأدواتها بتنوع ووفرة المواد الروائية، سواء أكانت هذه المواد واقعية، أم خيالية، والتي تعود بدورها، وبمجملها إلى الواقع؛ لأن كل فكرة خيالية منشؤها الواقع..

موضوعات مقترحة

ونحن في عصر متجدد متنوع، يفرض علينا لغة، وأساليب متنوعة متجددة في التعبير، وتعاملاً مختلفًا متوافقًا معه، أو مختلفاً لذات السبب، وتختلف مواقفنا ورؤانا في الحياة تبعًا للسيرة الذاتية، الاجتماعية، التاريخية والاقتصادية لكل إنسان، وهذا بدوره يفرض علينا نمطاً من التعامل والتصرف إزاء هذا الواقع الذي نعيش فيه، ونعايشه، وننسجم معه حد التماهي، أو نختلف، نقاوم، أو نستسلم، فإذا كانت حياتنا الواقعية هكذا متنوعة كما قلنا، ستتنوع أساليبنا ووسائلنا في التعبير عن ذواتنا، وشخصياتنا.
والرواية لسان حال تلك الشخصيات، وحال واقعها - والتي لا تقوم إلا بها، في كل منسجم متداخل- فتصبح الشخصيةُ الروايةَ، والروايةُ الشخصيةَ، فالشخصية الروائية "تعد من أهم قصص البنيان الروائي، ويختلف تعاطي الروائيين مع شخصياتهم تبعاً لكثير من الأمور، في بعض الأحيان تفرض الشخصية نفسها على الراوي، وفي أحيان أخرى، تفترض محاور العمل الروائي شخصيات بعينها، فيخلقها الروائي ليسد بها الفراغ الذي قد ينشأ، يحتاج إليها العمل، يرسمها بطريقة آلية، ويتخلى عنها بعد أن تؤدي دورها المحدد".
بهذا المفهوم، يوضح لنا الكاتب هيثم حسين، في كتابه "الشخصية الروائية" (دار نون للنشر، 2015) الدور الكبير الذي تلعبه الشخصية الروائية في ذلك، فهي تقف في بداية ونهاية كل عمل روائي، وهي التي تقوم أحياناً بسرد الحدث، أو تستعمل التداعي، النجوى، أو حتى الحركة. وتفاعلها مع غيرها في محيط زماني ومكاني هو الذي يدفع بالرواية والأحداث فيها قدماً نحو النتيجة المتوقعة، أو غير المتوقعة لها، ويتوقف ذلك على مدى قدرة الروائي في التعبير عنها، ولا نقل التحكم بها؛ لأن هناك شخصيات تفرض نفسها على الروائي الذي يتركها وشأنها تتفاعل مع الأجواء المفترضة في الفضاء الروائي المفتوح على كافة الاحتمالات، لتخرج في النهاية على شاكلة أخرى، غير تلك التي ربما أراد لها الراوي.
فالمنطق الطبيعي لتماهي الشخصية وتطورها مع الحدث يؤدي بها إلى ذلك، وهذا ما قصده الكاتب بقوله "تفرض نفسها على الراوي، ومحاور العمل تفرض ذلك" ويعترف الكاتب لنا بأنها مُشْكَلة، أي لا تضبط بتعريف، ولا تحدد بمقياس ثابت؛ لأنها "تبدو بسيطة بقدر تعقيدها" فهناك شخصيات تشكل بالفعل إشكالية لدى القارئ، وتخلق لديه أسئلة لا حد لها، ويعود هذا بمجمله إلى طريقة رسم الكاتب لها، وقد يتوقع القارئ سيرها-بالنسبة لمفاهيمه التي يكوّنها نتيجة بيئة وعادات وتقاليد- في وجهة معينة، ليتفاجأ بسيرها في اتجاه آخر، عكس ما يتوقعه، وربما تخلق لديه صدمة كبيرة قد لا يرغب بها، وتدفعه الى النقمة والغضب عليها، واتهامها أحياناً بتسميات شتى، منها الجبن، التخاذل، الشجاعة، الخيانة وعدم أداء الواجب، وغير هذه الأسماء والصفات التي يأتي بها من محيطه، ووسطه الاجتماعي، فلا خصوصية ثابتة إذاً في الشخصية الروائية، وفكرة الروائي حولها هي التي تجسدها للقارئ في حالاتها البسيطة والمعقدة، النفسية والاجتماعية، والغرائبية حتى.
اللغة: وهي ظاهرة جديدة في عالم شخصيات الرواية التي تعد بحق حالة خاصة لكتاب من نوع خاص أيضاً، يعتمد بعضهم عليها، ويتكئ في رسم أحداث الرواية إضافة إلى إطلاقها كشخصية روائية بحد ذاتها، أو غاية روائية يتقصد الراوي بها السير بأحداث الرواية، وافتعال أزمة حديثة، وتكون هي الأخرى لساناً ناطقاً مؤنسناً من قبل الراوي، وهذا ما يؤكد عليه الكاتب بقوله: "قد تتحول اللغة الروائية بحد ذاتها إلى شخصية مستقلة، أو شخصية منشودة، أو غاية روائية، تخرج اللغة عن كونها وسيله تتبلور ككيان اعتباري نافذ ذي تأثير مركب، كما في بعض روايات السوري سليم بركات" وهذه الحالة التي يشار إليها في صلب الحديث عن الشخصية الروائية هي حالة جد مبتكرة، أي خاصة لدى بعض الكتاب الروائيين، وتشكل هاجساً لديهم لدرجة كبيرة، تجعلهم يجعلون اللغة تخرج عن مسارها الرئيس، ووظيفتها، ألا وهي: إما اتخاذ طابع السرد أو الحوار أو السير بالأحداث. أما أن تتحول إلى شخصية، أو تصبح أشبه ما تكون إلى الكائن البشري، ويتم الاعتماد عليها إلى حد غير منطقي، أو حتى اختزالها في وضع متآلف مع فكرة الرواية ذاتها، مشكلة ظاهرة متفردة، وفريدة في نوعها، وهذا ما لا يخطر ربما على بال الراوي، أو خاطره، ففي حين ينشغل الروائيون على الفكرة، والنص الروائي، ويتابعون بحرص تسلسل الأحداث في كل واحد، والانتباه إلى عدم ضياع أي حادثة، أو انزياح الخط الروائي عن وجهته المنطقية، تبقى اللغة لهؤلاء الكتاب عالمًا جميلاً، وكائنًا قادرًا على خوط غمار حياة جديدة، عبر تلك اللغة التي تغدو مطيتهم لسبر أغوار تلك الحياة، والبحث بها عن لحظات وأحداث تشغل القارئ وتدفعه إلى مشاركته أفكاره ووجهات نظره عنها.
-----
عبد المجيد محمد خلف
(روائي وكاتب سوري)

كلمات البحث
اقرأ ايضا:
الأكثر قراءة