الصفح ياصديقتي؛ أعلم أنك حزينة بما يكفي لأن تعادي كل ما هو مضحك، فالاكتئاب تكاثر داخل روحك الملائكية حتى صار أثقل من وزن جسدك كله!
هموم المسئولية تلقي بظلالها عليك، لا بل تلقي بنفسها علي ظهرك حتى قسمته.
أوتعلمين؟
أكثر شيء كرهته في حياتي -بعد حياتي- هي المسئولية.
أن أكون ملزما برعاية أشخاص يربطني بهم نسب لعين وأنا عاجز حتى عن رعاية نفسي.
-يجب أن نصنع تماثيل للوالدين إذن!
-كلا، الوالدان هما من قذفا بنا في هذا المستنقع الذي سمي عبثا حياة، وعليهما أن يتحملا نتيجة أخطائها.
-لا أعلم هل هي ميزة أم نقمة أن نتجرد من المشاعر ونفكر بالعقلانية والمنطق.
ثم نصمت..
منذ أن كسرت ساقي وجلست كسيحا لا أتحرك لفترة ليست بالقليلة، أصبحت عرضة لكل شيء، لهجمات الحزن وقهر الاكتئاب، وجريمة الكفر، ومحاولات الانتحار الفاشلة.
لا شفاء.. حماقات متكررة وآلام دائمة وأحزان متجددة واكتئاب لا يتركني إلا ليغفو ثم يعود مفعما بالنشاط فيقتل بداخلي كل رغبة صغيرة نمت في أثناء غيابه كان من شأنها أن تجعلني أتمسك بالحياة.
قاتله الله! لقد وأد بداخلي كل شيء، حبي، مرحي، حتى نزواتي أصبحت زاهدا فيها، بل في أكثر الأشياء بساطة.
أنت أيضا دائما ما توجهين ناظريكِ لأعلى، تنتظرين صديقنا الذي قبض أرواحا كثيرة لكنه -وياللعجب- غفل عن أحوج الناس إليه! أضحك... أقول لك:
من يدريك ربما يأتي من خلفك أو عن يمينك.
فتسرقين نفسا عميقا من هواء مدينتنا العليل ثم ترددين بهدوء حكيم:
لا أنظر إليه، بل أنتظر إشارة الإله له.
الموت فسيح ياصديقي، فيه نستطيع أن نطير ونسبح في العدم حيث اللا ألم واللا حزن، اللا ضجيج.. أليس جميلا أن تعيش بين الأموات؟
هناك تنظر إلي اللا شيء فترى فيه شيئا، فتذهب إليه مهرولا ليأخذك حيث اللا شيء، فترى هنالك كل شيء!
لنذهب ياعزيزي ونترك لها كل شيء..
-لمن؟
-لوالدتنا، الأرض!
-والدتنا؟ هل لذلك قررت أن تأكلي مما تخرجه الأرض وتحرمي على جسدك لحوم أجساد لكائنات أخرى؟
تبتسمين بوهن ثم نلوذ بالصمت..
أرى نورا يخرج من عينيك الواسعتين، تنتفضين.. يداعب الهواء -العليل- وجنتيك ويتلاعب بخصلات شعرك فأشم رائحته التي أخبرتك يوما بأنني أعشقها... تضحكين. بمعاناة توجهين إصبعك لأعلى وتتمتمين:
-لقد أرسله أخيرا!
أبتسم.. أمسح حبات العرق التي تكونت علي جبينك.. ألتصق بك.. فأشعر بدقات قلبك تئن، أمزج روحي بروحك.. يختلط الأمر على صاحبنا.. فينتزع كليهما. يقسم إنهما أسهل روحين قبضهما مذ أن سخره الله لذلك.
نرى اللا شيء.. نضحك.. نطير!