Close ad

تلك البداية

9-3-2017 | 11:20
تلك البدايةأرشيفية
حسين القباحي‎

كلَّما اقتربوا
بطيئاً رقَّ وارتفعَ الهواءُ
إلى السماءِ
والوقتُ لم يسألْ
لماذا الآنَ؟
سالَ الأفقُ
ثمَّ تجمعَت الشِعابُ
وفي طريقٍ واحدٍ
سارتْ شعوبُ الأرضِ نحو الهاوية ..

" شُكراً "
يقولُ التائهون لِسادةِ الأرضِ
" القنابلُ لا تغيِّرُنا
و لا القَتلى
سيحتفلون في وقتٍ قريبٍ
بما تركَ الطغاة "


من قبلِ أنْ تتناسلَ الذكرى
و تقبلَ لحظةٌ
لا يعرف الآتون
ما اختزنتْ من الماء المراوغِ
و الأناشيدِ الشجيةِ
و الطبول
على أفْقٍ من الراياتِ
و الأيدي تجمَّعَتْ الحروفُ
و أفسحتْ النعوشُ مكانَها للقادمين ..

هلْ كان يمكنُ للهتافِ المرِّ
و الأغنياتِ الساخطاتِ
و لذةِ الطَرْقِ العنيفِ
على المتاريسِ العنيدة
و القلوب
غيرَ أن تمضي
و منتصفُ النهارِ يلُوحُ ثمّ يغيبُ
ثمَّ يلوحُ ثمَّ يغيب 

تلكَ البدايةُ
و البلادُ ستختفي بحدودِها
حتى إذا خرجَ الرعاةُ
و زيَّنوا
بالنوقِ و الأعناقِ ذائقَةَ الحديثِ
و بادلوا
أهلَ التخومِ مناحةً بمناحةٍ
وحدَه سَكِرَ المساءُ
و قام يرصدُهُم
و يقرأُ ما تبَقَّى من وَرَق ..

قالتْ الأعرابُ :
أهلُ الماءِ و الزرعِ انتهازيون
ما جربوا
قيْظاً و لا عطشاً
و ما عرفوا
سوى صُنعِ القرى
و مدِّ خُصلاتِ الزهورِ
إلى السهول
و لأجلِ أن يتفرقوا
التصقوا
بأعمدةٍ من الإسمنتِ و الفولاذِ
في مدنٍ مسيَّجةٍ
بأفكارٍ مُشَوَّشةٍ
وبعضِ جنون ..

لمْ يكنْ للدورِ و الحاراتِ
من شكوى و لا ألمٍ

فحيناً
تملأُ جيبَها السِريَّ
بالأشجانِ و الحلوى و نعناعَ المودَّةِ
و الصفاء
و من مساربِ روحِها
أعيادُها
و مواسمُ المطرِ الشحيحةُ
و الظلال
لأعيادٍ ستهبِطُ فجأةً
ظلَّت تُعلِّمُ نفسَها
الصبرَ الجميلَ
و تستعينُ بما وعَتْ
من غابرِ الأزمانِ و الصلوات
قد لا تخُطُّ على الحجارةِ
و القبابِ
تلاوةٌ منسيَّةٌ
خطاً
و لا تتذكرُ الآياتُ تالِيها
حينَ هراوةٌ
تهوِي على كتِفيْه
و رصاصتان تبددان الصمتَ
تخترقان
رأساً فارغاً من حُلمِه
و مُشَبَّعاً
بحبيبةٍ تركته
عند أولِ مُنحنَى


ماذا رأيتَ هناك .. ؟
تبتسمُ اللغاتُ
فما رأى شيئاً
و لم يتنفسْ الإعياءَ
في صبحٍ جديدٍ
و لم يذقْ الطعام

ضوءٌ
و ظلمةُ ناسكٍ متبتِلٍ
يتفرقان
إذا تناوشتْ الأَكُفُّ
على الغنيمةِ
أو أذعنَ الوجعُ القديمُ
لما يريد

إلا واحدٌ
يستيقظُ القتلى جميعاً
في الأساطير
التي انحدرتْ من الظلماتِ
في عزفِ الرباباتِ
الرحايا
لا تدورُ على الفراغ

  "لن ينحني أو يستغيث
هذا المشاكسُ قد يغافلُ موتَه
و يذوبُ"
- كانوا يهمسون -
: " لو كان مجدٌ يُشترَى
الريحُ اشترتْ شعباً
و خارطةً
و جيشاً لا يخون "
- بعدَها هجروا الكلام -
لم يبقَ وقتٌ للطحالبِ
كي تُدخلَ القتلَى شتاءً سرمدياً
حيثُ مارستْ الطبيعةُ حقَّها
في أنْ تسيرَ بلا هدف
و تسوَّل العاصون غفراناً
ليكتملَ الفراغ ..

في أقصى شمالِ الموتِ
العابرون يحملقونَ
و سلالةٌ رحلتْ تعود ..
و كأن ما اقتسموا من الأحجارِ في صحرائِهم
طللٌ
و معصيةٌ مجردةٌ من الشهواتِ
تعجبُهم
و تلقي نحوَ هاويةِ الفراغِ
شقاءَ أرواحٍ الضحايا البائسين ..
لأطيبَ من روائِحِه
الهواءُ يَفِرُّ
و تستطيبُ نواحَها الشرفاتُ
تتَّسعُ المَرايا
ليخرجَ الآتون من مستورِ منفاهم
إلى أفقٍ سراب

كلمات البحث
اقرأ ايضا:
الأكثر قراءة