Close ad

ستة مشاهد متقاطعة خارج الزمن

15-1-2017 | 16:41
ستة مشاهد متقاطعة خارج الزمنصورة تعبيرية
محمد صلاح زيد

إن ثمة مشاهد متباينة ومتقاطعة رأيتها هناك، جسدت جميعها كنه الحياة وماهية الدنيا، تلك التي أرهقتنا كثيرًا.. كيف أن خطيئة آدم كانت سببًا في كل مفرداتها، التي حدثت والتي تحدث والتي ستحدث! هناك حيث فراغ الزمن والمكان جلست أترقبها من حولي في هدوء شديد مشوب بالحذر، فإذ بها عروس ترتدي فستانًا أنيقًا تنزل من سيارة زفافها، تمشي في خجل وتنظر ﻷسفل، وتصحبها قريناتها وقريباتها ونفر من رجال، فتدخل من الباب الزجاجي؛ لتودع حياة إلى أخرى، ومكانًا إلى آخر.

أعود ثانية خارج الوقت والمكان؛ ﻷترقبها، فإذ بضجيج يأتي من هناك، يزدحم المارة حول مصدره، ويذهب الصغير، ثم يقودني فضولي كغيري؛ ﻷعرف كنهه، فإذ بهم يصفقون ويهللون لها، تلك التي ساهمت من جملة من ساهموا في معاناتهم.

استنكرت المشهد، ورغبت في العودة إلى فضاء اللازمان واللامكان قبل أن تغادر، فإذ بسيارة ترحيلات تقف أمامي، وينزل منها بعض رجال الأمن، دقيقتان ثم يتقدم أحدهم لبابها الخلفي فيفتحه؛ لتنزل منه فتاة ترتدي فستانًا مزركشًا أحمر اللون تبدو على تقاسيم وجهها أمارات الإرهاق، وتجر خلفها حقيبة ملابسها، صحبها الرجل الذي أنزلها بلطف وتبعه آخرون، فتدخل من الباب الزجاجي؛ لتودع حياة إلى أخرى، ومكانًا إلى آخر.

لم تمر بضع دقائق حتى جاءت سيارة العروس الثانية، نزلت من سيارتها ترتدي فستانها الأبيض، وهي تمشي بين قريناتها وقريباتها والفرحة تغمر تقاسيم وجهها، كانت أكثر جرأة من سالفتها، وقفت تصفق وتزغرد لنفسها وسط قريناتها بضع دقائق، ثم تحركت أمامًا وسط النسوة، تمشي في زهو مشوب بالفرحة، وتنظر ﻷعلى، ودخلت من الباب الزجاجي؛ لتودع حياة إلى أخرى، ومكانًا إلى آخر.

نظرت يمنة ويسرة، فلاحظت قرب رحيل الشمس، معلنة قدوم الغروب، وإذ بضابط شاب يمشي مبتسمًا وتمشي بجواره فتاة تنتمي إلى دول جنوب شرق آسيا، ويمشي خلفها شاب من بني جنسها يحادثها، مروا ثلاثتهم أمامي، فلحظت أن الفتاة بيدها اليسرى قيد من حديد كان يمسك به الضابط، ثم تركه، فقامت الفتاة بإطباق كفة يدها اليسرى عليه محاولة إخفاءه، ثم تبعت الضابط الشاب، ودخلت من الباب الزجاجي؛ لتودع حياة إلى أخرى، ومكانًا إلى آخر.

جاءني اتصاله المطمئن من الداخل، وأذن لي بالمغادرة، فنهضت من مكاني وبدأت بالتحرك، لكن كان علي أن أتجه إلى نهاية الممر الضيق؛ ﻵخذ طريقي إلى سيارتي في الأسفل، وإذ بي وأنا في طريقي إلى نهاية الممر الضيق، أجد العروس الثالثة ترتدي فستانها الأبيض، وتضع قطعة قماش بيضاء على وجهها، تخفي بها ملامح وجهها عن أعين الناس، تقف وسط قريناتها وقريباتها، تنتظر أن يتقدمن بها تجاه الباب الزجاجي؛ لتدخل منه، ومن ثم تودع حياة إلى أخرى، ومكانًا إلى آخر.. قبل وصولي إلى سيارتي شاهدت إحدى الطائرات التي كانت تقف في مدرج الطائرات خلف الباب الزجاجي، ترتفع في السماء محلقة، مغادرة بركابها إلى مكان آخر لا أعلمه.

(محمد صلاح زيد / قاص وأكاديمي مصري)

كلمات البحث
اقرأ ايضا:
الأكثر قراءة