Close ad

ثمرة بلا فروع

6-1-2017 | 13:38
ثمرة بلا فروعصورة تعبيرية
شيرين غالب

لمست عيناي يديها وهي ترتجفُ بينما الجميعُ يتعجبون من قوتها، مجموعاتٌ تقف حَولها تتساءلُ من أين تأتى هذه القوةِ؟ ومن أين يوجد هذا الإصرارُ؟ تنظرُ للجميعِ نظراتٍ سهميةً لتخبرَ كل واحد منهم كم هي أقوي. الجميعُ يركزون على عيني الصقرِ خاصتها وعلى شفاهِ القاضي وقوته، ولا يلحظُ احدهم أوتارَ يديها وهي تحاول الضغطَ على مكابحِ الارتجافِ.

زاد تيقني بأنها ستسقط؛ فقوةُ ارتجاف يديها قد أثرت على تماسكِ ساقيها
ولكن إصرار شفاههاِ على التحدثِ وقوة عينيها جعلتَ الجميعَ لا يلحظُ باقي أجزائهاِ،
نعم أجزاؤها؛ فقد شاهدت كلَ جزءِ منها على حدة.

عينُ كعين الصقرِ ترسلُ رسائلَ شديدةَ اللهجة لكل من يحاولُ الحدَ من قوتِها، شفاهُ ترفضُ أن تكون متفرجةً وتطعن كل من يحاول تَكبيلها، جسدٌ يحمل ساقين وذراعين يحاول إثباتِ وجودهِ في الحياة، فاقتربتُ منها لأقدم لها المقعدَ، ولكنَ كرامتهاِ أبت فهمست في أذني: لا تهيني جسدي فهو قادر على إثباتِ وجوده.

أجبتها: أعلم ولكني أقدم لك المقعدَ لتعلن شفاهكُ أنه حتى بجلوسكِ فأنت أقوى من جميع الوقوف.

فاقتنعت، أو ادعت الاقتناع بفكرتي، وجلست، في حين كنت أتساءل: وماذا بعد يا عزيزتي؟ عندما تأتيك الطعنات من العدو فأنا أعلم أنك ستنتصرين، أما عندما تتناوب عليك طعنات ممن يحمون ظهرك فهذا صعب. فمن أين لك بجسد يستطيع مواجهة تلك الضربات المتوالية؟ لا أعلم لم علي أن أقف مكتوفة الأيدي؟ ربما لأنني لا أحمل جراءتها.

العجيب أنني أعلم أنه عندما يأتي وقت قطف الثمار فإن الفروع تستحي؛ لأنه سينزع جمالها. تتمايل ويتغير لونها وربما تذبل وقد تموت, تموت حسرة على موت ثمرتها
لا يشعر بحسرتها من يقطف الثمار لأنه لا يأبه لموت الفروع؛ فكل اهتمامه بموطن رزقه فقط وما يعاد عليه بالفائدة, يقطف الثمار دون أن يهتم بفروعها.

لكن الطبيعي أن الفروع تتأثر وتتمايل وتتحطم لزهرتها بينما فروعها كانت تساند الجاني، جميعهم ينهشون الثمرة ولكن الثمرة ترفض أن تموت إلا وهي شامخة.
الجميع يطالبونها بالخشوع، في حين هي شامخة, تدرك أن الخشوع لقب لا يستحق أن يقدم سوى لله.

أخذت أحادث نفسي وأنا أنظر لها: يا حبيبتي. أنت ثمرة مختلفة لا تواجه الجاني فقط، إنما تواجه الجاني والقاطف والبائع. إنها حتى تواجه فروعها. وعلى الرغم من أنها ثمرة بلا فروع فإنها ما تزال جميلة. ثمرة ترفض أن تموت منكسرة أو مطأطئة, ثمرة عنيدة حتى في موتها.

وقفت أنظر نحو أحد الفروع تبحث عن ثمرتها أو تساندها. كنت أتساءل مندهشة: كيف لا تتأثر الفروع بفقدان أجمل ما بها؟

يسألها الجميع بصياح: أهذا قرارك النهائي؟ فلا تهتم الزهرة بالرد، فيعيدون السؤال, في حين هي تعيد مشهد اللامبالاة، إلى أن نظرت لي وتمتمت: من يرغب التغير فعليه أن يواجه تلك الفروع التي لا تهتم بالثمرة بقدر ما تهتم بقوتها. بل إنها تشارك الحاصد في بترها.

انتهى الجميع من العراك بعد أن تعالت الأصوات وزاد الهتاف وتهالكت الأجساد وخرجوا واحدًا تلو الآخر. كل منهم يهدد ويتوعد بينما هي تنظر ولا تجيب،
جلست أنظر لها فوجدتها تمسك بيديها سطح المكتب لتستند وتقوم
لتعود بذاكرتها إلى وقت كانت تبتسم، وتهمس: إنهم حتى يحرمون علي الذكريات.
كانت تحدث نفسها: يريدون ذكرياتي التي يرغبونها فقط، ولكن ماذا عن ذكرياتي مع الطعنات؟ الطعنات التي تأتى من كل اتجاه وأقواها هو ممن تكشف له ظهرك؛
فهو من كان أهلًا لثقتك يومًا, فتجد لسانك عاجزًا عن الشكوى.

تشتكي ممن ولمن؟. تشتكي من نفسك أم ممن اختارته نفسك أم من سوء اختيارك؟ بمعنى أوضح منك أنت؟ فأنت من اخترت وأنت من وثقت وأنت من سقطت. فتكتم مشاعرك وتغلق على آهات تحاول الظهور؛ حتى لا تجعل ذاتك مثار سخرية للآخرين، فمن السهل عليك تحمل الوجع أكثر من مشاهدة الشفقة، فقد اعتدت أن تحافظ على ما لك من احترام لكبريائك الذي وهبته لذاتك وعاهدت نفسك على صونه.

كتمت أناتها وأغلقت فمها عن الشكوى، وحاولت الظهور بمظهر الناجح؛ فهذا المظهر له عدة متطلبات، وهي كانت تؤديها على أتم وجه، تدعي الانشغال، تتظاهر بالابتسام، تفتعل الضحك، ولكنها تجلس ليلًا وهي تتوق لنوم آمن؛ فهي حتى لا تأمن النوم بجواره، فمن تنام بجواره لا تأمن على سرها معه، على عملها، على ابنتها، على حياتها. ولكنها مجبرة لأجل ما أسماه البعض فضائح، أو نشر حياة علنية، فالخلاف معناه نشر الغسيل ليراه الجميع ومهما تعاطفوا معكِ فأنت في النهاية مجرد قطعة غسيل نشرت وهي متسخة, لذلك ما عليها سوى تحمل لسان لا يثير سوى المشاكل، ويدين لا تثيران سوى التقزز، وجسد مترهل يستلقي بجوارها لا يثير سوى الاشمئزاز.
عليها أن تدعي أنها مغمضة العينين حتى لا يحاول الاقتراب وإلا ستسمع ما تسمعه كل يوم من سباب وتوبيخ. كم تحلم أن يتركها تستلقي بمنأى عنه. ولكنها تخشى مما يحدث منه، وكيف يشكو كل قريب وبعيد ما تفعله زوجته المهندسة المتعلمة المثقفة.
تنام وقلبها لا يتوقف عن الصراخ، وجسدها لا يُمنح لحظات راحة؛ فالراحة لا تأتي دون الشعور بالأمان.

تتمنى أن يسرع بها قطار العمر حتى يشيخ. وكأنها لن تشيخ معه، تحلم أن تصحو فجأة لتجد ما هي فيه ليس سوى كابوس، وأنها قد رفضت هذا الوحيد، كيف يسمى بهذا الاسم؟ الوحيد وهو ليس بهذا الاسم، فهو له من الأشقاء ما يزيد عن ست وله من الأقارب ما يملأ بلدة كاملة, كيف يقال عنه الوحيد بينما هو يتحدث طوال اليوم.
تصحو صباحًا على صوته المزعج ليكشر في وجهها حتى لا تطلب مصاريف.
وتنام ليلًا على شخيره وهو يشكو حياته معها.

والآن عندما قررت الزهرة أن تبعد عن ذلك الجاني، تقف الفروع معه و يصممون على سلبها حق الحياة. يريدونها أن تموت مكتومة مكبلة. ولكنها قررت: ستتركه أينما كان، وتذهب لتبدأ حياة سعيدة. ليس بها هو، نعم، فأية حياة ليس بها هو ستكون أسعد حياة.

اقتربت منها وهمست: والآن ها هم أولاء خرجوا جميعًا. هل لي أن أعلم إلى أين ستذهبين وحيدة؟ فقد تركت زوجك وغادرت مسكنك، وها أنت ذي قد خسرت عائلتك فإلى أين تذهبين؟

ابتسمت وهي تبحث عن شيء, إلى أن اقتربت وسألتها هل لي أن أبحث معك؟ فأجابتني وهى تضع يدها في درجها نعم، كانت هنا.

فسألتها: ماذا؟

فأجابتني بابتسامة: سماعتي. سماعة أذني. لقد فقدوا ذاكرتهم وهم يصيحون، ونسوا أنني لا أرتدى السماعة، لقد نزعتها من أذني قبل دخولهم حتى لا أتراجع أو أهتز خوفًا.
فسألتها: ولكنك كنت تنظرين لهم نظرات سهمية. يا إلهي! إنك كنت ترهبينهم لأنك لم تكوني تستمعين لهم.

فردت بابتسامة وهي تسحب حقيبتها: هل ستأتين معي للغداء بالخارج. فإنني أتوق لاستنشاق هواء الحرية.

كلمات البحث
اقرأ ايضا: