في الحلقة الثانية من حوار "بوابة الأهرام"، مع الأديب يعقوب الشاروني، المنشور على ثلاث حلقات، يروي الأديب لمحات من يوم في حياته التي وهبها للأدب والكتابة والعلم ويقول: "أيامي تنقسم إلى أيام أترك فيها البيت في الصباح أو المساء، للاشتراك في ندوة أو مؤتمر أو تحكيم في مسابقة التقى خلالها بالأطفال المشاركين، أو أذهب للالتقاء بالمسئولين في دور النشر التي تنشر أعمالي الأدبية".
موضوعات مقترحة
وفي سنواتي الأخيرة، أصبحت أحرص إذا خرجت في الصباح فلا أخرج في فترة بعد الظهر، ذلك لأنني وصلت الآن إلى عمر الــ 87، وأحتاج إلى فترات أطول للقراءة ومعايشة ما أكتبه من قصص وروايات للأطفال والشباب الصغير.
وإذا كنت، - كما يضيف "الشاروني" - قبل عشرين سنة، أكتب قصصًا لأعمار مختلفة، ففي العشرين سنة الأخيرة تركز اهتمامي على كتابة الروايات للشباب الصغير، من عمر (11) إلى (16) عامًا، وهي مرحلة عمرية لا يعطيها اهتمامًا كافيًا عدد كبير من كتاب الأطفال. وهذا الاهتمام بالقراءة وكتابة الرواية للناشئة، يشغل الأيام التي أحرص خلالها على البقاء أمام مكتبي.
لقد اعتدت أن أبدأ يومي بقراءة الصحف لمدة ساعة أو ساعتين، تنتهي عادة فى الثامنة والنصف أو التاسعة صباحًا، ثم أبدأ فى الكتابة أو فى مراجعة ما سبق أن كتبته حتى الساعة الواحدة أو الثانية ظهرًا. وقد اعتدت حاليًّا أن أنام ساعة أو ساعتين في فترة الظهيرة، بعدها أخصص وقتًا لقراءة ما يهمني من مقالات في المجلات الأدبية مثل أخبار الأدب والقاهرة، ومجلة "فصول "، ومجلة أخبار الكتب التي تصدر عن الهيئة العامة للكتاب.
ويستطرد: "وأقرأ أيضًا ما يهمني من مقالات في مجلات العربي والهلال والدوحة والرافد، مع تركيز خاص على مجلات الثقافة العلمية ومن أهمها "مجلة العلوم"، وهي الترجمة العربية التي تصدر عن الكويت لمجلة "ساينتفك أمريكان "، ومجلة " ناشيونال جيوجرافيك "، ومجلة العلم الصادرة عن أكاديمية البحث العلمي. مع ملاحظة أن أكثر من نصف ما أقرأ يدور حول موضوعات علمية، وما تم إنجازه فى مختلف مجالات العلوم أو ما يعمل العلماء على إنجازه.
ويضيف: "وفي كثير من الأحيان، في فترة ما بعد الظهر، أستغرق في قراءة أعمال روائية موجهة للكبار، عربية أو عالمية، كما أقرأ كثيرًا من كتب العلوم الاجتماعية والتاريخ، ذلك أننى أهتم اهتمامًا كبيرًا بأن أصل إلى أكبر قدر من المعرفة حول المكان والزمان الذي تقع فيه أحداث أعمالي الأدبية.
وكما أقول دائمًا، فإنني إذا وصلت إلى ألف معلومة حول مكان وزمان رواية أكتبها، فإنني أحرص، في النهاية، ألا تزحمني هذه المعلومات، لكنها تظل خلفية ضرورية لما أقوم بإنجازه، حتى إذا لم أستخدم منها في العمل الأدبي الذي أكتبه أكثر من خمسين أو ستين معلومة، تساعدني في بناء خلفيات للحدث الإنساني الذي يدور حوله موضوع الرواية . وهناك طبعًا جزء من وقتى أخصصه لاستقبال الأصدقاء من أدباء ونقاد، وشباب يطلبون الرأى فى أعمالهم قبل نشرها أو بعد النشر.
وعن وقت الأسرة والعائلة، يضيف: " أحرص، كلما أمكن، أن يكون تناول وجبات الطعام مع أفراد الأسرة، كذلك أذهب معهم إلى النادى، وحاليًّا استمتع كثيرًا عندما تكون معى ابنتى هالة وهي تصطحب حفيدها الذي بلغ عمره عامين ونصف العام، وأنا أتابع نموه وهو يلعب ويستطلع ويسأل ويتفاعل مع بقية الأطفال .
إنها حياة فيها القراءة والكتابة ومعايشة الحياة، لكن بغير التقيد بأى نوع من أنواع الجدول الحتمي، طالما هناك أهداف محددة أسعى إلى أن تنتهى بإبداع روائى أو قصصي .
ويعتبر "الشاروني"، أن مشاركاته المحلية والعالمية، تُعد من أهم مصادر معرفته بعالم الأطفال، وبكثير من الجوانب التي احتاج إلى معرفتها أثناء أكتب قصة أو رواية أو دراسة، ويضيف: "كمشاركتي في الفعاليات الثقافية، مثل حضور ندوة أو مؤتمر، أو مشاركة فى القيام بتدريب، أو الذهاب إلى معرض كتاب فى مصر أو إحدى الدول العربية أو الأوروبية و الأمريكية".
ويرى أن التفاعل مع البشر، والاستماع المباشر إلى خبرات الآخرين، ومعايشة البيئات التي يعيشون فيها، والتعرف على التجارب الحية التي يعبرون عنها، كل هذه روافد أساسية لالتقاط عناصر الشخصيات التي يرسمها في أعماله الأدبية.
كما أنها تمنحه كثيرًا من الخبرات التي تثري اختياراته عندما يجد نفسه قد وصلت فى عمل روائى إلى موقف يريده أن ينسجم مع الخبرة الإنسانية، بل إن حضوره بعض المؤتمرات قاده أحيانًا إلى العثور على العقدة التي كان يبحث عنها ليتناول موضوعًا معينًا.
ويوضح: "لقد التقيت في أحد المؤتمرات التي تناولت قضايا ذوى الاحتياجات الخاصة، بصداقة نادرة بين صبيين، أحدهما صاحب احتياج خاص، وعايشت على نحو مباشر هذه الصداقة، واستمعت إلى خبرات أسرة كل واحد منهما . وبعد أسابيع أو شهور، كتبت قصة "حكاية طارق وعلاء".
ولابد من التأكيد على أن زياراتى للمتاحف الفنية والتاريخية، فى مصر والخارج، قد زودتنى دائمًا بكثير من المعرفة الإنسانية والخبرة بزمان ومكان عدد كبير من أعمالى الأدبية .
وعن عالم يعقوب الشاروني: "هناك إجماع فى دراسات الإبداع، أن المبدع كثيرًا ما يجد مقاومة ممن يحيطون به . فالإبداع، في أحد جوانبه، هو تغيير ما سبق الاستقرار عليه، أو إضافة الجديد له. وأحيانًا يكون ثورة على ما أصبح من العادات العقلية المتوارثة . لهذا يجد المبدع مقاومة شديدة ممن حوله، لأنهم يسبغون نوعًا من القداسة أو الاحترام المبالغ فيه على عاداتهم العقلية والسلوكية، وبالتالى يشعرون أن إبداع المبدع، بما فيه من تجديد وعدم قبول للمتفق عليه، فيه نوع من التحدى أو الإدانة، يحتاج إلى قمع ومقاومة وتعطيل".
لكن هذا لم يمنعني خلال حياتي من الاستمرار في طريقي، حتى لو تعارض مع ما استقر في أذهان من أتعامل معهم . ولم أكن أهتم كثيرًا عندما تنتهي الأمور بوضع العراقيل في مواجهة ما أقوم به من مسيرة للأفضل فى مجال أدب وثقافة الأطفال .. وقد حدث معى أكثر من مرة أن أفاجأ بإبعادي عن عملى عندما تبدأ ثمار نجاحه في التبلور والتأثير . لكننى بدلاً من الغضب والثورة، كنت أجدها فرصة لكي أتفرغ للقراءة والكتابة والسفر واكتساب الخبرات الجديدة.
ذلك أنني عندما أقبل تحمل مسئولية عمل ما، كنت استغرق فيه بكل طاقتى، مستفيدًا من الخبرة التى يتيحها لي العمل الميداني سواء مع الصغار أو الشباب، أو مع مَن يعملون معى ويحتاجون إلى تعميق خبراتهم، أو مع المسئولين الذين كنت أبذل جهدي لكي يتعايشوا مع متطلبات العمل الثقافي مع الأطفال.
وكانت العقبات تأتى دائمًا من هذه الفئة الأخيرة، فقد كانوا يضيقون بأصداء نجاح ما كنت أقوم به في عملي، وتكون النتيجة أن أجد نفسي متفرغًا، أستمتع بوقتي فى الكتابة والمطالعة والسفر واكتساب خبرات جديدة.
ويختم الحلقة الثانية من الحوار بقوله: "إن الكاتب الذى يمتلك أدواته، ويعرف طريقه جيدًا، لن تعيقه أية حواجز عن استكمال مسيرته، فالقلم فى يده قادر على أن يشق له أوسع الطرق، مهما كانت السبل أمامه وعرة أو حافلة بالعقبات".