Close ad

حنجرة يسكنها جبل يبتهل.. الصعيد يحتفل بعيد ميلاد المنشد ياسين التهامي السابع والستين

6-12-2016 | 20:36
حنجرة يسكنها جبل يبتهل الصعيد يحتفل بعيد ميلاد المنشد ياسين التهامي السابع والستين ياسين التهامي
قنا - محمود الدسوقي
بلغ ياسين التهامي، "بلبل الصعيد"، اليوم الثلاثاء، عامه السابع والستين، ليبقى أحد أهم الأسماء في عالم الإنشاد الديني في مصر والعالم العربي، منذ 48 سنة، منذ ذاع صيته في مولد الشيخ جلال الدين الكندي الدشناوي، الذي أنشد فيه مساء أمس، الإثنين، قصيدة حزينة "تضيق بنا الدنيا" لأبومدين الغوث، ولم يتوقف التهامي، الذي يحمل عدة ألقاب شهيرة بالصعيد لجمال صوته العذب، عن حضور مولد الشيخ جلال الكندي سوى مرة واحدة في حياته، حين توقف الاحتفال بالمولد في عام 2012م؛ بسبب مذبحة ستاد بورسعيد الشهيرة.
موضوعات مقترحة


التهامي، "الحنجرة التي يسكنها جبل يبتهل"، ولد في مثل هذا اليوم، 6 ديسمبر عام 1949م بقرية الحواتكة بأسيوط، ويظل حتى الآن حديث الناس ليس في الصعيد فحسب، وليس على ألسنة المجاذيب الذين يناكفونه فيسحبون طرف "لاسته"، ويخلعون عمامته، وهو يتوارى عنهم صامتًا، وربما يقوم بتقبيل أياديهم. التهامي يؤمن كما قال لــ"بوابة الأهرام" بأن "تقبيل أيادي الأطفال والفقراء والمجاذيب من حسن الأدب"، كذلك يصرح برؤيته لحال المتصوفة في زمن تنقلب خرائطه، رافضًا أن يكون المتصوف سياسيًا؛ "فالمتصوف عليه أن يحارب شرور نفسه أولًا، ثم عليه أن يحارب شرور العالم الذي يعيش في جنباته".

وعلى مدار تاريخه، فاز ياسين التهامي بعدة جوائز عالمية في الإنشاد الصوفي؛ حيث فائزة بالجائزة الأولى بإنجلترا على مستوى القارات الست؛ حيث نال جائزة أفضل صوت وأفضل أداء وأفضل قصيدة، ليكون المصري الوحيد الذي فاز بهذه الجائزة كأفضل حنجرة ذهبية، بالإضافة للمغني والمنشد العالمي نصرت خان. ياسين التهامي، يقول، إنه حين يسمع صوته منبعثًا يشعر بأن آخر غيره يقوم بالإنشاد، مضيفًا بلهجته الصعيدية: "آه من ياسين الذي أحمله بداخلي".

منذ عدة أعوام، ظهر الحزن جليًا على وجه ياسين التهامي، بعد وفاة صديقه الشيخ خميس مصطفى، شيخ الطريقة الرفاعية بمركز دشنا، حيث الاحتفال السنوي بمولد شيخها جلال الدين الكندي الدشناوي كان بداية ذيوع صيته، منذ أنشد في ثمانينيات القرن الماضي قصيدته "الوجدانية".

في مولد جلال الدين الكندي العام الماضي، لم يستطع ياسين التهامي أن يخفي حزنه وهو يقف خلف صورة صديقه الراحل المعلقة، ليس في تعابير وجهه فقط وصمته الذي يلاحقه كظله، لم يستطع، هو المنشد المحترف، أن يضبط ميزان الحضرة كي يتمايل المنشدون على إيقاع القصيدة والموسيقى، حيث لا يعد المنشد قويًا ومحترفًا إلا حين يقوم بضبط الإيقاع، سواء في الحضرة التقليدية التي يطلق عليها "الحسيني"، أو في الحضرة التي يدخلها المحترفون، والتي تسمي بالطبقة الليثي.

أنشد التهامي قصيدة حزينة من الشعر الحديث، وهي "يطاردني الأسى"، حيث أجبر الداخلون في الحضرة أن يوقفوا تمايلهم وذكرهم ويطأطئوا رؤوسهم لمعانيها، كما لم يستطع أن يخفي حزنه أيضًا على صديقه في إنشاده في احتفالية مساء أمس، الإثنين، فكان الحزن ظاهرًا عليه، فأنشد قصيدة تعبر عن حاله وهي "تضيق بنا الدنيا".

الشيخ ياسين التهامي ولد في قرية الحواتكة، في جو معطر بالذكر والنفحات الصوفية، حفظ القرآن وجوده، مما ساعد على تقويم لسانه وتعريبه على الوجه الأمثل. تلقى تعليمه بالمعاهد الأزهرية حتى الصف الثاني الثانوي، ثم انقطع لظروف خاصة، وتعرف التهامي خلال هذه الفترة على عمالقة الشعر الصوفي أمثال: عمر بن الفارض، منصور الحلاج، محيي الدين بن عربي، وغيرهم، وكان لهذا أكبر الأثر في ولوجه باب الشعر الصوفي منشدًا فيما بعد.

وبزغ نجم الشيخ ياسين التهامي، كما قالت صفحة محبيه على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك، منذ منتصف السبعينيات كمنشد ديني، حيث تمكن من منافسة الشيخ أحمد التوني، سيد هذا الفن آنئذ، وصار أحمد أهم الأسماء في عالم الإنشاد لمدة تقترب من ثلاثين عامًا وحتى الآن. واستطاع الشيخ ياسين الارتقاء بالإنشاد الديني الشعبي من الأسلوب الدارج والكلمات العامية إلى تطعيمه بأرقى وأجمل ألوان الشعر الصوفي الفصيح لعمالقة الشعراء.

ويروى العم عدلي أبوالحمد، تاجر شرائط الكاسيت لــ"بوابة الأهرام"، قصة أول شريط للشيخ ياسين التهامي سجله في دشنا، وكان يحمل اسم "الوجدانية "، وشهد إقبالًا كبيرًا من أهالي دشنا، وكان بمثابة بطاقة التعريف للشيخ ياسين التهامي، الذي أكد أن دشنا شهدت بداية انطلاقه. ويضيف عدلي، أن عالم الكاسيت رغم الحداثة التي طغت وجعلته يقارب على الانقراض، فإن وجود حفلات نادرة للشيخ ياسين على شرائط الكاسيت لم تسجل بعد جعلته ما يزال مستمرًا حتى الآن، ويؤكد أن شعبية الشيخ ياسين فى دشنا كبيرة جدًا، ويعتد من القلائل الذين أجمع عليهم المثقف والمتصوف ورجل الشارع العادي.

منذ سنوات، تمت مناقشة رسالة دكتوراه عن ياسين التهامي في جامعة الأزهر بأسيوط، التي شهدت مولده، بعنوان "دور الشيخ ياسين في إحياء الشعر العربي وجعله على ألسنة العامة". ويقول ياسين التهامي، ردًا على سؤال "بوابة الأهرام"، حول الأزمة التي قد يواجهها نتيجة عدم تذوق الجمهور للفصحى: أنت تعرف أنني لا أقرأ إلا حين يريد ربنا أن أقرأ، وحين أجد نفسي في القصيدة التي أحسها وأشعر بها، أنشدها، أقول أشعر بها لأن المتصوف الذي بداخلي هو الذي يقودني للإنشاد وليس فعل القراءة، أما شعوري بالأزمة في تلقي الجمهور، فأنا متيقن أننا في أزمة حقيقية منذ أربعين عامًا؛ فنحن في حالة احتضار عام واللغة وتذوقها أصبحت مهجورة.

وحول القول الشائع بأنه أنشد لابن الفارض بسبب رؤيا يرد التهامي بلغة حادة: انتمائي لابن الفارض انتماء فطرى، وليس انتماء مناميًا، سأقول لك وعليك أن تصدق، أنا أشاهد المتصوفة القدامى يرمقونني وأنا أنشد. شاهدت الحلاج في حفل المعهد العربي بباريس وأنا أنشد قصيدته "لبيك معنائي". كنت أشاهده وهو في المقاعد الأولى. أشاهد ابن الفارض في موالد مصر جميعًا، أشاهدهم كلهم يرمقونني ويدخلونني في حالة من الوجد العالي. وعليك أن تصدق أو لا، فانتم أحرار، ربما لمشاهدتي لهم دائمًا أتمنى أن أنشد في عتباتهم وأضرحتهم. ألم اقل لك أنني أتمنى أن أنشد في العتبات المقدسة بالعراق.

أنشد ياسين التهامي أكثر من 170 قصيدة، ورغم ذلك تغيب القصيدة السياسية من إنشاده، وهو الذي يوضحه ياسين بلغة جازمة أيضًا، بأن كل قصيدة ينشدها تهتم بالجانب الإنساني، "وكل قصيدة أنشدهاـ وإن لم تتحدث مباشرة عن السياسية فهي لها جانب سياسي، كذلك لابد أن تعرف أن مهمة الصوفية أنها لا تحارب قبح العالم وشروره، بقدر ما تحارب قبح النفس الإنسانية وشرورها. أليس الإنسان هو صانع هذا القبح من نفسه وروحه؟ كذلك جهاد النفس عندنا هو الجهاد الأكبر".

يعترف ياسين التهامي، بأنه لا يتعامل مع موسيقى، وإنما يتعامل مع الكلمة والقصيدة الصوفية، وبقدر المعايشة والصدق والحضور يمن الله عليه، حسب قوله، بالأسلوب غير المقلد وغير الموجود على حسب الحالة، مضيفًا: أنا ضد أي كلام من كلام القصيدة العربية الصوفية يوضع تحت قوالب معينة؛ فليست كل موسيقى موسيقى، الموسيقى تُقيم من خلال عملها، حسنها حسن وقبيحها قبيح، لذلك قد تُتخذ الآلة ومنشدها يقول الله، وآخر يستخدمها لراقصة. الموسيقى إذا لم تكن تسمو بالروح وتُروض النفس فهي ليست موسيقى، وفى تاريخنا الصوفي، وبخاصة الإمام الغزالي، إقرار موضوع السماع الذي يحوي "سماع القلب، الموسيقى، الحركة أي الحضرة".## ## ## ## ## ## ## ## ## ## ## ##
كلمات البحث
اقرأ ايضا: