Close ad

رفاعة الطهطاوي في ميزان الشيخ حسن العطار.. وكيف وصف "تخليص الإبريز"؟

23-10-2016 | 09:34
رفاعة الطهطاوي في ميزان الشيخ حسن العطار وكيف وصف تخليص الإبريز؟ رفاعة الطهطاوي
الأهرام المسائي- مصطفى جودة
السفر مرآة الأعاجيب‏، وقسطاس التجارب‏، وقد أودع في هذه الرحلة مؤلفها الأديب الأريب‏,‏ والفاضل الذكي اللبيب، ماشاهده من عجائب تلك البلاد، وأحوال هؤلاء العباد‏،‏ ما يحرض العاقل علي الأسفار‏,‏ والتنقل في الأمصار‏،‏ حتى يزداد بذلك علما يقينا‏,، ويفوق بالإحاطة بأحوال عباده في الزمن اليسير بما لا يدركه القاطن بداره ولو عاش السنين الطوال‏.‏
موضوعات مقترحة


هذه الكلمات من التقريظ الذي كتبه شيخ الأزهر حسن العطار عن كتاب تخليص الإبريز في تلخيص باريز أو الديوان النفيس بإيوان باريس لمؤلفه الكبير الشيخ رفاعة رافع الطهطاوي الذي كانت ذكرى مولده المائتين والخامسة عشرة في الخامس عشر من أكتوبر الجاري في مدينة طهطا بمحافظة سوهاج. هو بلا شك واحد من أهرامات الثقافة المصرية الثلاثة في القرن التاسع عشر وهم: علي باشا مبارك, والشيخ محمد عبده ورفاعة رافع الطهطاوي.

هو كتاب شامل موسوعي يمكن تصنيفه أنه من أدب الرحلات. فيه يصف لنا المؤلف مسار البعثة التعليمية الثالثة وكل ما يتعلق بها والتي أرسلها محمد علي عام1826 الي فرنسا وكانت تضم أربعين مبعوثا, إضافة إلى الشيخ رفاعة رافع الطهطاوي الذي أرسل معهم ليكون إمامهم.
يحوي الكتاب, وصفًا لكل الأماكن التي مرت بها الرحلة سواء في مصر أو في فرنسا, إضافة الي الشرح العلمي والجغرافي والتاريخي لكل تلك البلدان بطريقة الباحث المتمكن, كل هذا بأسلوب أدبي رائع فريد ملئه البلاغة والفلسفة والعلم وخفة الظل يجعلنا نعيش معه كل تفاصيل الرحلة. يخلص القاريء بعد الانتهاء من قراءته الي أن الشيخ رفاعة قد قدم لنا مائدة ثقافية ممتعة عامرة الي يوم القيامة.

الكتاب نشرت طبعته الأولي مطبعة بولاق عام1834, وطبعته الثانية عام1849, والثالثة عام.1905 إضافة الي تلك الطبعات, قامت وزارة الثقافة والإرشاد القومي بإعادة طباعته عام1959, وأشرف علي تلك الطبعة الدكتور مهدي علام والدكتور أحمد أحمد بدوي والدكتور أنور لوقا, بمناسبة الاحتفال بذكري مؤلفه. تقع هذه الطبعة في330 صفحة تشمل مقدمة مطولة لمحققي هذه الطبعة ثم فاتحة الكتاب ومقدمة المؤلف للكتاب والتي تقع في أربعة أبواب.

الباب الأول في ذكر سبب الرحلة ودوافعها, عن ذلك يقول رفاعة رافع: البلاد الأفرنجية قد بلغت أقصي مراتب البراعة في العلوم الرياضية والطبيعية وما وراء الطبيعة أصولها وفروعها... وبالجملة والتفصيل فإن الوالي آماله دائما متعلقة بالعمار, ومن الحكم المعروفة العمار كالحياة والخراب كالموت وبناء كل إنسان علي قدر همته, وقد سارع الوالي في تحسين بلاده فأحضر ما أمكنه حضوره من علماء الإفرنج, وبعث ما أمكنه بعثه من مصر الي تلك البلاد, فإن علماءها أعظم من غيرهم في العلوم الحكمية.. ولعل هذا كله مطمح نظر الوالي في هذه الإرسالية وغيرها من الإرساليات المتتالية المتسلسلة فثمرة هذا السفر تحصل بنشر هذه العلوم والفنون وبكثرة تداولها وترجمة كتبها وطبعها في مطابع ولي النعم.

في الباب الثاني من المقدمة يشرح لنا الشيخ رفاعة ما يتعلق بالعلوم والفنون المطلوبة والحرف والصنائع المرغوبة التي تأمل البعثة في اكتسابها ويلخصها في خمسة عشر علما: علم تدبير الملكية, وعلم تدبير العسكرية, وعلم القبطانية والأمور البحرية, علم السفارة ورسل البلدان ومعرفة الألسن والحقوق والإصطلاحات, فن المياه وهو صناعة القناطر والجسور والأرصفة والفساقي, والميكانيكا, الهندسة البحرية, واستخدام المدافع, وفن سبك المعادن لصناعة المدافع والأسلحة وغيرها, وعلم الكيمياء وصناعة الورق وصناعة البارود والسكر, وفن الطب وفروعه من فن التشريح والجراحة وتدبير الصحة وفن معرفة مزاج المريض وفن البيطرة ومعالجة الخيل وغيرها, علم الفلاحة وفروعها ومعرفة أنواع الزروع وما يخصه من آلات الحراثة, علم تاريخ الطبيعيات وفروعه ومرتبة النباتات ومرتبة المعادن, وصناعة النقاشة وفروعها وفن الطباعة وفن حفر الأحجار ونقشها ونحوها, وفن ترجمة الكتب وهو من الفنون الصعبة وخصوصا ترجمة الكتب العلمية فإنه يحتاج الي معرفة إصطلاحات أصول العلوم المراد ترجمتها. فإذا نظرت بعين الحقيقة رأيت سائر هذه العلوم المعروفة معرفة تامة لهؤلاء الإفرنج ناقصة أو مجهولة بالكلية عندنا.

وفي الباب الثالث من المقدمة يتحدث عن مميزات الأمة الفرنسية علي من عداها من الإفرنج وبيان وجه الحكمة في إرسال البعثة اليها دون ما عداها من ممالك الإفرنج. في هذا الباب يشرح الشيخ رفاعة جغرافية العالم وقاراته الخمس: أوروبا وآسيا وأفريقيا وأمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية, ودور علماء الإسلام في تقدم الجغرافيا والملاحة والبحرية. يخلص بعد ذلك الي استنتاجه: ولا ينكر منصف أن بلاد الإفرنج الآن في غاية البراعة في العلوم الحكمية, وأعلاها في التبحر في ذلك بلاد الإنجليز والفرنسيون والنمسا, فإن حكماءها فاقوا الحكماء المتقدمين كأرسطاطاليس وأفلاطون وبقراط وأمثالهم وأتقنوا الرياضيات والطبيعيات والإلهيات وما وراء الطبيعيات أشد إتقان, وفلسفتهم أخلص من فلسفة المتقدمين.

فأعظم مدائن الإفرنج مدينة لندن وهي كرسي الإنجليز ثم باريز وهي قاعدة ملك فرنسا, وباريز تفضل لندن بصحة هوائها وطبيعة القطر والأهل وبقلة الغلاء التام. وإذا رأيت كيفية سياستها علمت كمال راحة الغرباء فيها وحظهم وانبساطهم مع أهلها, فالغالب علي أهلها البشاشة في وجوه الغرباء ومراعاة خواطرهم ولو اختلف الدين. وبالجملة ففي بلاد الفرنسيس يباح التعبد بسائر الأديان فلا يعارض مسلم في بنائه مسجدا, ولا يهودي في بنائه بيعة, ولعل هذا كله هو علة وسبب إرسال البعوث فيها هذه المرة والتي تبلغ أربعين نفسا لتعلم هذه العلوم المفقودة.

وفي الباب الرابع من المقدمة يذكر لنا شيخنا أسماء المسئولين عن البعثة وعددهم ثلاثة, وإنهم كانوا يتعلمون مثل بقية المبعوثين. إضافة الي الثلاثة المشرفين كان هناك الفرنسي جومارو الذي عين ناظرا علي الدروس والذي كان ضمن علماء الحملة الفرنسية الذين أحضرهم نابليون معه, والذي ظل بمصر بعد رحيل الحملة الفرنسية حيث كان أحد علماء المعهد الفرنسي بمصر.

بعد تلك المقدمة الشاملة نجد أن الكتاب يتكون من 6 مقالات تغطي كل الرحلة ويشمل كل منها عدة فصول, إضافة إلى خاتمة الكتاب ورجوع البعثة من باريس إلى مصر:
المقالة الأولي: تغطي الخروج من مصر الي دخول مدينة مارسيليا
المقالة الثانية: من مارسيليا الي دخول باريس
المقالة الثالثة: في دخول باريس ووصفها
المقالة الرابعة: في ذكر نبذ من العلوم والفنون
المقالة الخامسة: في ذكر ما وقع في الفتنة في فرنسا وعزل الملك
المقالة السادسة: في ذكر مزيد من من نبذات العلوم والفنون المسرودة.
كلمات البحث
اقرأ أيضًا: